صحّة التمسّک بحدیث الرفع فی رفع جزئیة المنسی
واعلم : أنّ الحقّ هو جواز التمسّک بحدیث الرفع فی رفع جزئیة المنسی فی حال النسیان ، وتخصیصه بحال الذکر . ولازم ذلک إجزاء ما أتی به من المرکّب
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 353
الناقص ، وکونه تمام المأمور به فی حقّه . وتوضیحه یحتاج إلی بیان اُمور :
الأوّل : قد وافاک فیما مضی أنّ متعلّق الأمر عنوان إجمالی ـ هی عین الأجزاء لکن فی لحاظ الوحدة ـ کما أنّ الأجزاء عین ذلک العنوان لکن فی لحاظ التفصیل ، وقد عرفت أنّ داعویة الأمر إلی المرکّب عین داعویته إلیها ، لابدعوة اُخری مستقلّة ، ولابدعوة ضمنیة ولاغیریة :
أمّا الدعوة المستقلّة المغایرة للدعوة إلی المرکّب فظاهر الفساد . وأمّا الضمنی أو الغیری فلا حاجة إلیهما .
فلو قال المولی : «ابن مسجداً» لیس له إلاّ امتثال هذا الأمر ، فکلّ ما یصدر من البنّاء ؛ من الحرکات والسکنات ورفع القواعد والجدار مأمور به بذلک الأمر ، وفعله امتثال له ، لاامتثال لأمر ضمنی أو غیری ؛ إذ بناء المسجد لیس إلاّ هذا وذاک وذلک فی لحاظ الوحدة . وقس علیه باقی المرکّبات الاعتباریة .
الثانی : أنّ الرفع فی کلّ من العناوین التسعة لم یتعلّق برفع ما تعلّق به الإرادة الجدّیة ؛ لاستلزامه النسخ المستحیل ، بل تعلّق برفع ما تعلّق به الإرادة الاستعمالیة ، علی ما هو المتعارف بین أصحاب التقنین ؛ من طرح القوانین الکلّیة أوّلاً ، وذکر مخصّصاتها وقیودها فی ضمن فصول اُخر ، وهو یکشف عن أنّ الإرادة اللبّیة لم یتعلّق إلاّ بغیر مورد التخصیص والتقیید والحکومة ، کما أنّ عدم العثور علی الدلیل یکشف عن تطابق الإرادتین .
الثالث : قد أوضحنا حال کلّ واحد من العناوین فی مبحث البراءة ، فلا حاجة إلی الإطالة . وقد عرفت هناک : أنّ الرفع وإن اُسند إلی النسیان إلاّ أنّه غیر
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 354
مرتفع بالوجدان . والقول بأنّ المصدر بمعنی المنسی علی نحو المجاز فی الکلمة خارج عن الذوق العرفی . بل الحقّ : أنّ صحّة الإسناد إلیه مبنی علی أمرین : ادّعاء أنّ النسیان عین المنسی ؛ لعلاقة بینهما ، وادّعاء أنّ رفع المنسی باعتبار رفع ما له من الأحکام حسب الإطلاقات والعمومات ؛ بحیث لولا حدیث الرفع لکان الالتزام بمفادهما لازماً .
الرابع : أنّ النسیان المتعلّق بالموضوع هل هو متعلّق بوجود الطبیعة أو بعدمها ؟ الظاهر : لا ذا ولا ذاک ، بل هو متعلّق بنفس الطبیعة ؛ فإنّ المصلّی غفل عن نفس الطبیعة وحضورها فی الذهن ؛ ولذلک قلنا : إنّ الأثر المرفوع إنّما هو جمیع الآثار ، لا المؤاخذة والأثر المناسب ؛ لأنّ رفع الطبیعة یناسبها رفع ما له من الآثار ؛ من وجوب وحرمة ، وشرطیة وجزئیة ، وقاطعیة ومانعیة ، وغیرها .
الخامس : أنّ نسبة الرفع إلی الاُمور التسعة لیس علی نسق واحد ؛ فإنّ منها ما اُسند فیه الرفع إلی الموصول وصلته ، کما فی : «ما لا یعلمون» و «ما اضطرّوا» و «ما استکرهوا» ، وفی بعض اُسند إلی نفس اللفظ ، کما فی النسیان والخطأ .
ویحتمل أن یکون ذلک اقتداءً بالکتاب العزیز ؛ حیث قال عزّ من قائل : «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِینا أَوْ أَخْطَأنا . . . رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» ؛ حیث غیّر سبحانه نسق الکلام ؛ إذ «ما» وصل بالثالث .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 355
ویحتمل أن یکون الوجه فی ذلک هو أنّ ما یأتی به الإنسان لأجل الاضطرار والإکراه ، أو یترکه لأجلهما ینطبق علیه ذانک العنوانان دائماً ، فلو أکل المیتة وترک الصلاة عن اضطرار ، أو باع داره وأفطر الصوم عن إکراه یصدق علی کلّ من المأتی والمتروک أنّه مضطرّ إلیه ومکره إلیه .
وأمّا النسیان والخطأ فإنّ الصادر عن الإنسان لأجلهما : تارة یصدق علیه النسیان والخطأ بالمعنی المفعولی علی الوجه الذی قدّمناه ، کترک الجزء والشرط نسیاناً .
وقد لا یصدق علیه ذلک ، إلاّ أنّ النسیان والخطأ مبدأ لصدوره أو ترکه ، کإیجاد الموانع والقواطع فی الصلاة من المصلّی العالم بإبطال الضحک ، الغافل عن کونه فی الصلاة ؛ فإنّ الضحک صادر عن الإنسان عمداً بلا إشکال ، إلاّ أنّ المبدأ له هو نسیان کونه فی الصلاة . وقس علیه الخطأ ، فالضحک وإن کان لایصدق علیه أنّه ممّا نسی أو المنسی إلاّ أنّه ممّا للنسیان فی وجوده دخالة ، وعلیه : فالتعبیر باللفظ البسیط دون الموصول وصلته لأجل کون المرفوع عامّاً ؛ أی سواء کان الشیء منسیاً أو کان النسیان فیه مبدأ ، کالقواطع والموانع التی تصدر عن المصلّی عمداً ، مع الغفلة عن کونه فی الصلاة .
إذا عرفت هذه الاُمور : یتّضح لک صحّة التمسّک بحدیث الرفع لرفع الجزئیة فی حال النسیان وإن کان النسیان نسیان الموضوع ، ویصیر نتیجة الأدلّة الأوّلیة ـ إذا فرض إطلاقها لحال النسیان ، إذا ضمّت إلی الحدیث الحاکم علیها ـ أنّ المأمور به هو الباقی حال النسیان .
ووجهه بعد التأمّل فیما تقدّم ظاهر ؛ إذ قد عرفت : أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب له داعویة إلی أجزائها بعین تلک الدعوة ، فلو قام الدلیل علی أنّ دعوة المرکّب إلی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 356
هذا الجزء فی حال النسیان وإن کان ثابتاً بالدلیل الأوّل إلاّ أنّه لم یتعلّق به الإرادة الجدّیة فی تلک الحالة ، من دون تعرّض لباقی الأجزاء والشرائط غیر المنسیة فلا محالة ینحصر دعوته بالباقی منهما .
وقد مرّ أنّ رفع الجزء ـ أعنی «الحمد» فی حالة النسیان ـ معناه رفع ما له من الآثار والأحکام عامّة ، ومن الآثار : الجزئیة والشرطیة .
فما یقال : إنّ أثر وجود الجزء هو الصحّة ، ورفعها یناقض المطلوب لیس بشیء ؛ لما عرفت أنّ المنسی المرفوع هو نفس الطبیعة لاوجودها .
أضف إلی ذلک : أنّ وجود الطبیعة فی الخارج عین الطبیعة ، والصحّة لیست أثراً جعلیاً ، بل لایمکن أن تکون مجعولة إلاّ بمنشأها ، وما هو المجعول هو الجزئیة أو الشرطیة علی ما هو التحقیق من صحّة تعلّق الجعل بهما .
وکیف کان : فالمرفوع لبّاً هو الشرطیة أو الجزئیة أو القاطعیة أو المانعیة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 357