المقصد السابع فی الاُصول العملیة

صحّة التمسّک بحدیث الرفع فی رفع جزئیة المنسی

صحّة التمسّک بحدیث الرفع فی رفع جزئیة المنسی

‏ ‏

‏واعلم : أنّ الحقّ هو جواز التمسّک بحدیث الرفع فی رفع جزئیة المنسی فی‏‎ ‎‏حال النسیان ، وتخصیصه بحال الذکر . ولازم ذلک إجزاء ما أتی به من المرکّب‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 353
‏الناقص ، وکونه تمام المأمور به فی حقّه . وتوضیحه یحتاج إلی بیان اُمور :‏

الأوّل :‏ قد وافاک فیما مضی‏‎[1]‎‏ أنّ متعلّق الأمر عنوان إجمالی ـ هی عین‏‎ ‎‏الأجزاء لکن فی لحاظ الوحدة ـ کما أنّ الأجزاء عین ذلک العنوان لکن فی لحاظ‏‎ ‎‏التفصیل ، وقد عرفت أنّ داعویة الأمر إلی المرکّب عین داعویته إلیها ، لابدعوة‏‎ ‎‏اُخری مستقلّة ، ولابدعوة ضمنیة ولاغیریة :‏

‏أمّا الدعوة المستقلّة المغایرة للدعوة إلی المرکّب فظاهر الفساد . وأمّا الضمنی‏‎ ‎‏أو الغیری فلا حاجة إلیهما .‏

‏فلو قال المولی : «ابن مسجداً» لیس له إلاّ امتثال هذا الأمر ، فکلّ ما یصدر‏‎ ‎‏من البنّاء ؛ من الحرکات والسکنات ورفع القواعد والجدار مأمور به بذلک الأمر ،‏‎ ‎‏وفعله امتثال له ، لاامتثال لأمر ضمنی أو غیری ؛ إذ بناء المسجد لیس إلاّ هذا وذاک‏‎ ‎‏وذلک فی لحاظ الوحدة . وقس علیه باقی المرکّبات الاعتباریة .‏

الثانی :‏ أنّ الرفع فی کلّ من العناوین التسعة لم یتعلّق برفع ما تعلّق به الإرادة‏‎ ‎‏الجدّیة ؛ لاستلزامه النسخ المستحیل ، بل تعلّق برفع ما تعلّق به الإرادة الاستعمالیة ،‏‎ ‎‏علی ما هو المتعارف بین أصحاب التقنین ؛ من طرح القوانین الکلّیة أوّلاً ، وذکر‏‎ ‎‏مخصّصاتها وقیودها فی ضمن فصول اُخر ، وهو یکشف عن أنّ الإرادة اللبّیة لم‏‎ ‎‏یتعلّق إلاّ بغیر مورد التخصیص والتقیید والحکومة ، کما أنّ عدم العثور علی الدلیل‏‎ ‎‏یکشف عن تطابق الإرادتین .‏

الثالث :‏ قد أوضحنا حال کلّ واحد من العناوین فی مبحث البراءة ، فلا‏‎ ‎‏حاجة إلی الإطالة . وقد عرفت هناک : أنّ الرفع وإن اُسند إلی النسیان إلاّ أنّه غیر‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 354
‏مرتفع بالوجدان‏‎[2]‎‏ . والقول بأنّ المصدر بمعنی المنسی علی نحو المجاز فی‏‎ ‎‏الکلمة‏‎[3]‎‏ خارج عن الذوق العرفی . بل الحقّ : أنّ صحّة الإسناد إلیه مبنی علی‏‎ ‎‏أمرین : ادّعاء أنّ النسیان عین المنسی ؛ لعلاقة بینهما ، وادّعاء أنّ رفع المنسی‏‎ ‎‏باعتبار رفع ما له من الأحکام حسب الإطلاقات والعمومات ؛ بحیث لولا حدیث‏‎ ‎‏الرفع لکان الالتزام بمفادهما لازماً .‏

الرابع :‏ أنّ النسیان المتعلّق بالموضوع هل هو متعلّق بوجود الطبیعة أو‏‎ ‎‏بعدمها ؟ الظاهر : لا ذا ولا ذاک ، بل هو متعلّق بنفس الطبیعة ؛ فإنّ المصلّی غفل عن‏‎ ‎‏نفس الطبیعة وحضورها فی الذهن ؛ ولذلک قلنا‏‎[4]‎‏ : إنّ الأثر المرفوع إنّما هو جمیع‏‎ ‎‏الآثار ، لا المؤاخذة والأثر المناسب ؛ لأنّ رفع الطبیعة یناسبها رفع ما له من الآثار ؛‏‎ ‎‏من وجوب وحرمة ، وشرطیة وجزئیة ، وقاطعیة ومانعیة ، وغیرها .‏

الخامس :‏ أنّ نسبة الرفع إلی الاُمور التسعة لیس علی نسق واحد ؛ فإنّ منها‏‎ ‎‏ما اُسند فیه الرفع إلی الموصول وصلته ، کما فی : ‏«ما لا یعلمون»‏ و ‏«ما‎ ‎اضطرّوا»‏ و ‏«ما استکرهوا»‏ ، وفی بعض اُسند إلی نفس اللفظ ، کما فی النسیان‏‎ ‎‏والخطأ .‏

‏ویحتمل أن یکون ذلک اقتداءً بالکتاب العزیز ؛ حیث قال عزّ من قائل : ‏‏«‏رَبَّنا‎ ‎لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِینا أَوْ أَخْطَأنا . . . رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ‏»‏‎[5]‎‏ ؛ حیث غیّر‏‎ ‎‏سبحانه نسق الکلام ؛ إذ «ما» وصل بالثالث .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 355
‏ویحتمل أن یکون الوجه فی ذلک هو أنّ ما یأتی به الإنسان لأجل الاضطرار‏‎ ‎‏والإکراه ، أو یترکه لأجلهما ینطبق علیه ذانک العنوانان دائماً ، فلو أکل المیتة وترک‏‎ ‎‏الصلاة عن اضطرار ، أو باع داره وأفطر الصوم عن إکراه یصدق علی کلّ من المأتی‏‎ ‎‏والمتروک أنّه مضطرّ إلیه ومکره إلیه .‏

‏وأمّا النسیان والخطأ فإنّ الصادر عن الإنسان لأجلهما : تارة یصدق علیه‏‎ ‎‏النسیان والخطأ بالمعنی المفعولی علی الوجه الذی قدّمناه ، کترک الجزء والشرط‏‎ ‎‏نسیاناً .‏

‏وقد لا یصدق علیه ذلک ، إلاّ أنّ النسیان والخطأ مبدأ لصدوره أو ترکه ،‏‎ ‎‏کإیجاد الموانع والقواطع فی الصلاة من المصلّی العالم بإبطال الضحک ، الغافل عن‏‎ ‎‏کونه فی الصلاة ؛ فإنّ الضحک صادر عن الإنسان عمداً بلا إشکال ، إلاّ أنّ المبدأ له‏‎ ‎‏هو نسیان کونه فی الصلاة . وقس علیه الخطأ ، فالضحک وإن کان لایصدق علیه أنّه‏‎ ‎‏ممّا نسی أو المنسی إلاّ أنّه ممّا للنسیان فی وجوده دخالة ، وعلیه : فالتعبیر باللفظ‏‎ ‎‏البسیط دون الموصول وصلته لأجل کون المرفوع عامّاً ؛ أی سواء کان الشیء‏‎ ‎‏منسیاً أو کان النسیان فیه مبدأ ، کالقواطع والموانع التی تصدر عن المصلّی عمداً ،‏‎ ‎‏مع الغفلة عن کونه فی الصلاة .‏

إذا عرفت هذه الاُمور :‏ یتّضح لک صحّة التمسّک بحدیث الرفع لرفع الجزئیة‏‎ ‎‏فی حال النسیان وإن کان النسیان نسیان الموضوع ، ویصیر نتیجة الأدلّة الأوّلیة ـ إذا‏‎ ‎‏فرض إطلاقها لحال النسیان ، إذا ضمّت إلی الحدیث الحاکم علیها ـ أنّ المأمور به‏‎ ‎‏هو الباقی حال النسیان .‏

‏ووجهه بعد التأمّل فیما تقدّم ظاهر ؛ إذ قد عرفت : أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب‏‎ ‎‏له داعویة إلی أجزائها بعین تلک الدعوة ، فلو قام الدلیل علی أنّ دعوة المرکّب إلی‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 356
‏هذا الجزء فی حال النسیان وإن کان ثابتاً بالدلیل الأوّل إلاّ أنّه لم یتعلّق به الإرادة‏‎ ‎‏الجدّیة فی تلک الحالة ، من دون تعرّض لباقی الأجزاء والشرائط غیر المنسیة‏‎ ‎‏فلا محالة ینحصر دعوته بالباقی منهما .‏

‏وقد مرّ‏‎[6]‎‏ أنّ رفع الجزء ـ أعنی «الحمد» فی حالة النسیان ـ معناه رفع ما له‏‎ ‎‏من الآثار والأحکام عامّة ، ومن الآثار : الجزئیة والشرطیة .‏

‏فما یقال : إنّ أثر وجود الجزء هو الصحّة ، ورفعها یناقض المطلوب‏‎[7]‎‏ لیس‏‎ ‎‏بشیء ؛ لما عرفت أنّ المنسی المرفوع هو نفس الطبیعة لاوجودها .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ وجود الطبیعة فی الخارج عین الطبیعة ، والصحّة لیست‏‎ ‎‏أثراً جعلیاً ، بل لایمکن أن تکون مجعولة إلاّ بمنشأها ، وما هو المجعول هو الجزئیة‏‎ ‎‏أو الشرطیة علی ما هو التحقیق من صحّة تعلّق الجعل بهما .‏

‏وکیف کان : فالمرفوع لبّاً هو الشرطیة أو الجزئیة أو القاطعیة أو المانعیة .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 357

  • )) تقدّم فی الصفحة 294 ـ 295 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 26 و 39 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 211 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 39 ـ 42 .
  • )) البقرة (2) : 286 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 355 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 353 ـ 354 .