المقام الأوّل فیما یقتضیه الأصل العقلی بالنسبة إلی النقیصة السهویة
إذا ثبت جزئیة شیء للمرکّب فهل الأصل العقلی هو الرکنیة ، فیبطل المرکّب لو أخلّ به سهواً ؟
وقبل الخوض فی المقصود لابدّ من تنقیح محطّ البحث ، فنقول :
إنّ محلّ النزاع فی المقام ـ علی القول بالبراءة أو الاشتغال ـ هو ما إذا لم یکن
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 342
لدلیل المرکّب ولا لدلیل الجزء والشرط إطلاق ؛ إذ لو کان لدلیل المرکّب إطلاق بالنسبة إلی ما عدا المنسی یقتصر فی تقییده بالجزء المنسی بحال الذکر .
کما أنّه لو کان لدلیل الجزء أو الشرط إطلاق بالنسبة إلی حالة النسیان یحکم بعدم سقوط وجوبه فی حال النسیان ، ویکون المأتی به باطلاً . نعم لیس هنا ضابط کلّی لبیان وجود الإطلاق وعدمه فی المرکّب والأجزاء والشرائط .
نعم ، لایبعد أن یقال : إنّ الأدلّة المتضمّنة لبیان حکم المرکّبات إنّما هو فی مقام أصل التشریع ، لا إطلاق لها غالباً ، کما أنّ أدلّة الأجزاء والشرائط لها إطلاق بالنسبة إلی الأحوال الطارئة . ومع ذلک کلّه : لابدّ من ملاحظة الموارد .
وربّما صار بعضهم إلی بیان الضابط ، وقال : إنّ أدلّة إثبات الأجزاء والشرائط ، وکذا الموانع إن کانت بنحو التکلیف ، مثل قوله : «اغسل ثوبک» ، وقوله تعالی : «فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ» ، وقوله : «لا تصلّ فی وبر ما لا یؤکل لحمه» ممّا لایمکن عمومها وشمولها لحال النسیان والغفلة ، فیختصّ جزئیته وشرطیته لحال الذکر ؛ لامتناع انتزاع الوضع المطلق من التکلیف المختصّ بحال الذکر . وأمّا إذا کانت بنحو الوضع ، مثل قوله : «لا صلاة إلاّ بطهور» ، أو «بفاتحة الکتاب» فیمکن انتزاع الوضع المطلق ؛ لعدم انتزاعه من الخطاب أو التکلیف المختصّ بحالة دون غیرها .
وفیه : ما عرفت فی باب الخروج عن محلّ الابتلاء ، وأنّ المحذور إنّما هو فی الخطاب الشخصی دون الکلّی القانونی ، وعلیه فلا محذور إذا قلنا بأنّ قوله :
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 343
«فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ . . .» إلی آخره مطلق یعمّ حال الغفلة والنسیان ، فراجع .
وربّما یصار إلی ضابط آخر ـ مع تسلیم امتناع شمول التکالیف المتقدّمة لحال النسیان والغفلة ـ ومحصّله : أنّه یمکن استفادة الإطلاق من هذه الأدلّة أیضاً لأجل اُمور :
منها : ظهور تلک الأدلّة فی الإرشاد إلی الحکم الوضعی ، وأنّ ذلک جزء أو شرط أو مانع .
ومنها : أنّه لو سلّم ظهورها فی المولویة ، لکن لیس امتناع تکلیف الناسی والغافل من ضروریات العقول حتّی یکون کالقرینة الحافّة بالکلام مانعة من الظهور ، بل هو من النظریات المحتاجة إلی التأمّل فی مبادئها ، فتکون حاله کالقرائن المنفصلة المانعة عن حجّیة الظهور لا أصل الظهور .
فحینئذٍ یمکن أن یقال : إنّ غایة ما یقتضیه العقل المنع عن حجّیة ظهورها فی الحکم التکلیفی دون الوضعی ، فیؤخذ بظهورها بالنسبة إلی إثبات الجزئیة ونحوها .
ومنها : أنّه علی فرض الإغماض عنه یمکن التمسّک بإطلاق المادّة لدخل الجزء فی الملاک والمصلحة مطلقاً فی حالتی الذکر والنسیان .
أقول : هذا ما أفاده بعض محقّقی العصر ، وفیه مقامات للنظر :
منها : أنّ ما أفاده من أنّ تلک الأوامر إرشادات إلی الجزئیة فإن أراد أنّ الهیئة مستعملة فی إفادة الجزئیة ، من دون أن یستعمل فی البعث إلی الشیء فهو خلاف الوجدان ؛ لأنّها غیر منسلخة عن معانیها وحقائقها .
غایة الأمر : أنّ البعث إلی جزء المرکّب وشرطه یفهم منه العرف الإرشاد إلی کونه جزءً أو شرطاً ، کما أنّ النهی عن الصلاة فی وبر ما لایؤکل لحمه المستعمل فی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 344
الزجر عن إیجاد الصلاة فیه ینتقل منه العرف إلی أنّ النهی لیس لمفسدة ذاتیة ، بل لأجل ما نعیته عنها .
وإن أراد أنّها مستعملة فی البعث والزجر ، غیر أنّا ننتقل إلی الجزئیة والشرطیة المطلقة فهو غیر تامّ ؛ لأنّ استفادة الحکم الوضعی بتبع تعلّق التکلیف علی ذات الجزء والشرط ، فحینئذٍ یکون الإرشاد بمقدار إمکان تعلّق التکلیف ، وإلاّ فلا دلیل علی الإرشاد .
ومنها : أنّ ما أفاده من أنّه یؤخذ بأحد الظهورین ویطرح الآخر ؛ لأجل کون القرینة منفصلة غیر ضروری ، ساقط من رأسه ؛ لأنّ الأخذ بأحدهما وطرح الآخر فرع وجود ظهورین عرضیین فیه ، فیرفع الید عمّا یقتضیه العقل ؛ وهو سقوط إطلاق الحکم التکلیفی دون إطلاق الحکم الوضعی .
وأمّا إذا کان الظهور الثانی فی طول الأوّل ومن متفرّعاته ؛ بحیث یکون وجود الوضع وإطلاقه تابعاً لوجود التکلیف وإطلاقه فلا یعقل ذلک بعد سقوط المتبوع وارتفاعه . وما قرع الأسماع من التفکیک فی حجّیته بین الملزوم واللازم لیس المقام من ذلک القبیل .
أضف إلی ذلک : أنّ الحکم العقلی یکشف من عدم الظهور من أوّل الأمر ، وأنّه کان ظهوراً متخیّلاً متزلزلاً لا ثابتاً ، فیکون کالقرائن المتّصلة .
ومنها : أنّ التمسّک بإطلاق المادّة موهون جدّاً ؛ فلأنّ العلم باشتمال المادّة علی مصلحة تامّة لازمة الاستیفاء یتوقّف إثباتاً وکشفاً علی ورود أمر من الشارع ، ومع سقوط الأمر حال النسیان ـ کما هو مبنی القائل والقوم کلّهم ـ من أین حصل العلم باشتمالها علی المصلحة التامّة ؟ ! نعم قد یقطع بقیام المصلحة بالمادّة الخالیة من الأمر بجهات اُخر ، لکنّه خارج عن المقام .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 345