المقصد السابع فی الاُصول العملیة

المقام الأوّل فیما یقتضیه الأصل العقلی بالنسبة إلی النقیصة السهویة

المقام الأوّل فیما یقتضیه الأصل العقلی بالنسبة إلی النقیصة السهویة

‏ ‏

‏إذا ثبت جزئیة شیء للمرکّب فهل الأصل العقلی هو الرکنیة ، فیبطل المرکّب‏‎ ‎‏لو أخلّ به سهواً ؟‏

‏وقبل الخوض فی المقصود لابدّ من تنقیح محطّ البحث ، فنقول :‏

إنّ محلّ النزاع فی المقام‏ ـ علی القول بالبراءة أو الاشتغال ـ هو ما إذا لم یکن‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 342
‏لدلیل المرکّب ولا لدلیل الجزء والشرط إطلاق ؛ إذ لو کان لدلیل المرکّب إطلاق‏‎ ‎‏بالنسبة إلی ما عدا المنسی یقتصر فی تقییده بالجزء المنسی بحال الذکر .‏

‏کما أنّه لو کان لدلیل الجزء أو الشرط إطلاق بالنسبة إلی حالة النسیان یحکم‏‎ ‎‏بعدم سقوط وجوبه فی حال النسیان ، ویکون المأتی به باطلاً . نعم لیس هنا ضابط‏‎ ‎‏کلّی لبیان وجود الإطلاق وعدمه فی المرکّب والأجزاء والشرائط .‏

‏نعم ، لایبعد أن یقال : إنّ الأدلّة المتضمّنة لبیان حکم المرکّبات إنّما هو فی‏‎ ‎‏مقام أصل التشریع ، لا إطلاق لها غالباً ، کما أنّ أدلّة الأجزاء والشرائط لها إطلاق‏‎ ‎‏بالنسبة إلی الأحوال الطارئة . ومع ذلک کلّه : لابدّ من ملاحظة الموارد .‏

وربّما صار بعضهم إلی بیان الضابط ، وقال :‏ إنّ أدلّة إثبات الأجزاء‏‎ ‎‏والشرائط ، وکذا الموانع إن کانت بنحو التکلیف ، مثل قوله : ‏«اغسل ثوبک»‏ ، وقوله‏‎ ‎‏تعالی : ‏‏«‏فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ‏»‏‎[1]‎‏ ، وقوله : ‏«لا تصلّ فی وبر‎ ‎ما لا یؤکل لحمه»‏ ممّا لایمکن عمومها وشمولها لحال النسیان والغفلة ، فیختصّ‏‎ ‎‏جزئیته وشرطیته لحال الذکر ؛ لامتناع انتزاع الوضع المطلق من التکلیف المختصّ‏‎ ‎‏بحال الذکر . وأمّا إذا کانت بنحو الوضع ، مثل قوله : ‏«لا صلاة إلاّ بطهور»‏ ، أو‏‎ ‎«بفاتحة الکتاب»‏ فیمکن انتزاع الوضع المطلق ؛ لعدم انتزاعه من الخطاب أو‏‎ ‎‏التکلیف المختصّ بحالة دون غیرها‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه :‏ ما عرفت‏‎[3]‎‏ فی باب الخروج عن محلّ الابتلاء ، وأنّ المحذور إنّما هو‏‎ ‎‏فی الخطاب الشخصی دون الکلّی القانونی ، وعلیه فلا محذور إذا قلنا بأنّ قوله :‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 343
‏«‏فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ . . .‏»‏‏ إلی آخره مطلق یعمّ حال الغفلة والنسیان ، فراجع .‏

‏وربّما یصار إلی ضابط آخر ـ مع تسلیم امتناع شمول التکالیف المتقدّمة‏‎ ‎‏لحال النسیان والغفلة ـ ومحصّله : أنّه یمکن استفادة الإطلاق من هذه الأدلّة أیضاً‏‎ ‎‏لأجل اُمور :‏

‏منها : ظهور تلک الأدلّة فی الإرشاد إلی الحکم الوضعی ، وأنّ ذلک جزء أو‏‎ ‎‏شرط أو مانع .‏

‏ومنها : أنّه لو سلّم ظهورها فی المولویة ، لکن لیس امتناع تکلیف الناسی‏‎ ‎‏والغافل من ضروریات العقول حتّی یکون کالقرینة الحافّة بالکلام مانعة من الظهور ،‏‎ ‎‏بل هو من النظریات المحتاجة إلی التأمّل فی مبادئها ، فتکون حاله کالقرائن‏‎ ‎‏المنفصلة المانعة عن حجّیة الظهور لا أصل الظهور .‏

‏فحینئذٍ یمکن أن یقال : إنّ غایة ما یقتضیه العقل المنع عن حجّیة ظهورها فی‏‎ ‎‏الحکم التکلیفی دون الوضعی ، فیؤخذ بظهورها بالنسبة إلی إثبات الجزئیة ونحوها .‏

‏ومنها : أنّه علی فرض الإغماض عنه یمکن التمسّک بإطلاق المادّة لدخل‏‎ ‎‏الجزء فی الملاک والمصلحة مطلقاً فی حالتی الذکر والنسیان‏‎[4]‎‏ .‏

أقول : هذا ما أفاده بعض محقّقی العصر ، وفیه مقامات للنظر :

‏منها :‏‏ أنّ ما أفاده من أنّ تلک الأوامر إرشادات إلی الجزئیة فإن أراد أنّ الهیئة‏‎ ‎‏مستعملة فی إفادة الجزئیة ، من دون أن یستعمل فی البعث إلی الشیء فهو خلاف‏‎ ‎‏الوجدان ؛ لأنّها غیر منسلخة عن معانیها وحقائقها .‏

‏غایة الأمر : أنّ البعث إلی جزء المرکّب وشرطه یفهم منه العرف الإرشاد إلی‏‎ ‎‏کونه جزءً أو شرطاً ، کما أنّ النهی عن الصلاة فی وبر ما لایؤکل لحمه المستعمل فی‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 344
‏الزجر عن إیجاد الصلاة فیه ینتقل منه العرف إلی أنّ النهی لیس لمفسدة ذاتیة ، بل‏‎ ‎‏لأجل ما نعیته عنها .‏

‏وإن أراد أنّها مستعملة فی البعث والزجر ، غیر أنّا ننتقل إلی الجزئیة‏‎ ‎‏والشرطیة المطلقة فهو غیر تامّ ؛ لأنّ استفادة الحکم الوضعی بتبع تعلّق التکلیف‏‎ ‎‏علی ذات الجزء والشرط ، فحینئذٍ یکون الإرشاد بمقدار إمکان تعلّق التکلیف ، وإلاّ‏‎ ‎‏فلا دلیل علی الإرشاد .‏

ومنها :‏ أنّ ما أفاده من أنّه یؤخذ بأحد الظهورین ویطرح الآخر ؛ لأجل کون‏‎ ‎‏القرینة منفصلة غیر ضروری ، ساقط من رأسه ؛ لأنّ الأخذ بأحدهما وطرح الآخر‏‎ ‎‏فرع وجود ظهورین عرضیین فیه ، فیرفع الید عمّا یقتضیه العقل ؛ وهو سقوط إطلاق‏‎ ‎‏الحکم التکلیفی دون إطلاق الحکم الوضعی .‏

‏وأمّا إذا کان الظهور الثانی فی طول الأوّل ومن متفرّعاته ؛ بحیث یکون وجود‏‎ ‎‏الوضع وإطلاقه تابعاً لوجود التکلیف وإطلاقه فلا یعقل ذلک بعد سقوط المتبوع‏‎ ‎‏وارتفاعه . وما قرع الأسماع من التفکیک فی حجّیته بین الملزوم واللازم لیس المقام‏‎ ‎‏من ذلک القبیل .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ الحکم العقلی یکشف من عدم الظهور من أوّل الأمر ،‏‎ ‎‏وأنّه کان ظهوراً متخیّلاً متزلزلاً لا ثابتاً ، فیکون کالقرائن المتّصلة .‏

ومنها :‏ أنّ التمسّک بإطلاق المادّة موهون جدّاً ؛ فلأنّ العلم باشتمال المادّة‏‎ ‎‏علی مصلحة تامّة لازمة الاستیفاء یتوقّف إثباتاً وکشفاً علی ورود أمر من الشارع ،‏‎ ‎‏ومع سقوط الأمر حال النسیان ـ کما هو مبنی القائل والقوم کلّهم ـ من أین حصل‏‎ ‎‏العلم باشتمالها علی المصلحة التامّة ؟ ! نعم قد یقطع بقیام المصلحة بالمادّة الخالیة‏‎ ‎‏من الأمر بجهات اُخر ، لکنّه خارج عن المقام .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 345

  • )) المائدة (5) : 6 .
  • )) اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 363 ، نهایة الأفکار 3 : 424 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 228 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 424 .