المقصد السابع فی الاُصول العملیة

عدم جریان البراءة فی الأسباب الشرعیة

عدم جریان البراءة فی الأسباب الشرعیة

‏ ‏

‏إذا عرفت ذلک : فالتحقیق عدم إمکان إجراء ‏البراءة العقلیة‏ فی الأسباب‏‎ ‎‏الشرعیة ؛ لتعلّق الأمر بالمفهوم المبیّن والشکّ فی سقوطه بالأقلّ ، فلا یجری البراءة‏‎ ‎‏العقلیة .‏

فإن قلت :‏ قد تقدّم آنفاً أنّ المسبّب والسبب بمعنی مجعولیة سببیته مجعولان‏‎ ‎‏شرعاً ، ولا طریق إلی معرفة إحراز السبب سوی بیانه ونقله ، والمفروض أنّ ما وقع‏‎ ‎‏تحت دائرة البیان إنّما هو الأقلّ ، والمشکوک لایمکن العقاب علیه علی فرض‏‎ ‎‏دخالته ؛ لکون العقاب علیه عقاباً بلا بیان .‏

قلت :‏ إنّ المکلّف وإن کان فی فُسحة من ناحیة السبب ؛ لجریان البراءة فی‏‎ ‎‏سببیة الجزء المشکوک ، لکنّه مأخوذ من ناحیة تعلّق الأمر الشرعی بالمفهوم المبیّن‏‎ ‎‏ـ أعنی المسبّب ـ فلا یصحّ رفع الید عن الحجّة إلاّ بحجّة اُخری . وحکم العقل بقبح‏‎ ‎‏العقاب بلا بیان فی ناحیة السبب لایکون حجّة علی المسبّب .‏

وأمّا البراءة الشرعیة :‏ فغایة ما یمکن أن یقال : إنّ الشکّ فی تحقّق المسبّب‏‎ ‎‏وعدمه ناشٍ من اعتبار أمر زائد فی السبب وعدمه ، وبما أنّ سببیة السبب مجعولة‏‎ ‎‏شرعاً فیرفع جزئیة المشکوک للسبب ، فیرتفع الشکّ فی ناحیة المسبّب ، فیحکم‏‎ ‎‏بتحقّقه ؛ لوجود الأقلّ وجداناً ورفع الزیادة بحدیث الرفع ، ویرفع الشکّ عن تحقّق‏‎ ‎‏السبب ، فیحکم بأنّه موجود . ولیست السببیة عقلیة حتّی یکون من الأصل المثبت .‏

وفیه :‏ أنّ الشکّ فی تحقّق المسبّب لیس ناشئاً من دخالة الجزء المشکوک‏‎ ‎‏وعدمها ، بل من کون الأقلّ تمام المؤثّر وتمام السبب . ورفع جزئیته لایثبت کونه‏‎ ‎‏کذلک إلاّ علی القول بالأصل المثبت .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 332
والحاصل :‏ أنّ المسبّب یترتّب حسب الجعل علی السبب الواقعی التامّ ،‏‎ ‎‏ولیس رفع الزیادة مثبتاً لذلک بالأصل حتّی یرتفع الشکّ من المسبّب .‏

‏ولیس عدم الزیادة وحصول الأقلّ سبباً بنحو الترکیب حتّی یحرز أحد‏‎ ‎‏الجزئین بالوجدان والآخر بالأصل ، ویترتّب علیه المسبّب ؛ ضرورة أنّ تمام السبب‏‎ ‎‏حینئذٍ هو الأقلّ ، والزیادة لاتکون دخیلة فی حصول المسبّب وجوداً وعدماً حتّی‏‎ ‎‏یؤخذ عدمها جزءً للسبب .‏

‏نعم ، لو دلّ الدلیل علی أنّه کلّما تحقّق الأقلّ ولم یتحقّق الزیادة وجد‏‎ ‎‏المسبّب کان للتوهّم مجال ، لکنّه خارج عن مبحث الأقلّ والأکثر .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 333