المقصد السابع فی الاُصول العملیة

بیان الحقّ فی الأسباب الشرعیة

بیان الحقّ فی الأسباب الشرعیة

‏ ‏

‏وتوضیح الحال فی عامّة الأسباب سیوافیک بیانه فی مبحث الاستصحاب‏‎ ‎‏عند البحث عن جریانه فی الأحکام الوضعیة‏‎[1]‎‏ ، غیر أنّا نشیر فی المقام إلی أمر‏‎ ‎‏هامّ ، وهو : أنّ السببیة والمسبّبیة فی الأسباب العقلیة والعادیة اُمور واقعیة خارجة‏‎ ‎‏عن طوق الاعتبار فالشمس مضیئة ؛ اعتبرها اللاحظ أو لا .‏

‏وأمّا الشرعیة والعقلائیة منهما : فمن الاُمور الاعتباریة القائمة باعتبار‏‎ ‎‏معتبرها ـ شارعاً کان أو عرفاً ـ ولیس معنی السببیة کون الأسباب مؤثّرات حقیقة‏‎ ‎‏فی وجود المسبّبات ؛ بحیث یحصل بعد إعمال الأسباب وجود حقیقی فی عالم‏‎ ‎‏التکوین لم یکن موجوداً قبله .‏

‏فإنّ السببیة والتأثیر والتأثّر کلّها مـن باب التشبیـه والمجاز ؛ لأنّ معنی‏‎ ‎‏قولنا : «قول البایع بِعْتُ سبب لتحقّق البیع فی الخارج» هـو أنّ المتکلّم إذا أنشأ به‏‎ ‎‏بداعی الجدّ یصیر موضوعاً عند العقلاء لآثار عقلائیـة مترتّبة علی المعنی المنشأ‏‎ ‎‏اعتباراً بالصیغة .‏

‏فالسبب وإن کان أمراً تکوینیاً إلاّ أنّ سببیته وتأثیره وإیجاده المعنی المنشأ‏‎ ‎‏کلّها قائمة بالاعتبار .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 329
‏ثمّ إنّ لبیان معنی تأثیر الأسباب فی المسبّبات فی عالم الاعتبار مقاماً آخر ،‏‎ ‎‏ولعلّنا نستوفی البحث فی مبحث الاستصحاب‏‎[2]‎‏ ؛ وإن أوضحناه فی هذا المقام فی‏‎ ‎‏الدورة السابقة‏‎[3]‎‏ .‏

ولیعلم :‏ أنّ تشریع الأسباب والمسبّبات الشرعیة فیما إذا کانت دائرة بین‏‎ ‎‏العقلاء قبل التشریع لیست علی وتیرة واحدة .‏

‏فتارة : بإمضاء السبب والمسبّب العقلائی وسببیتهما ولم یتصرّف فیه إلاّ‏‎ ‎‏تصرّفاً طفیفاً من زیادة شرط وجزء .‏

‏واُخری : بسلب السببیة عن الأسباب العقلائیة وحصر السببیة فی سبب‏‎ ‎‏واحد ، کما فی باب الطلاق ؛ فإنّه بمعنی الهجران عن الزوجة ، والزوجیة أمر عقلائی‏‎ ‎‏کسائر الحقائق العقلائیة ، متعارف عند کلّ منتحل بدین وغیر منتحل ، ولکنّه سلب‏‎ ‎‏السببیة عن کلّ الأسباب وحصرها فی قول القائل : «أنت طالق» .‏

‏وثالثة : ببسط دائرة السببیة والسبب ، کما فی باب الضمان ؛ فإنّ حصول‏‎ ‎‏الضمان بمجرّد وضع الید المستفادة من قاعدة الید ممّا لیس منه بین العقلاء عین‏‎ ‎‏ولا أثر ، إلی غیر ذلک من الأقسام .‏

‏أمّا المخترعات الشرعیة المحضة التی لیس لها سابقة عند العقلاء ، فهل یجب‏‎ ‎‏تعلّق الجعل بکلّ واحد من السبب والمسبّب أو یکفی تعلّقه بأحدهما ؟‏

‏فاختار بعض أعاظم العصر الثانی ؛ قائلاً بأنّ جعل أحـدهما یغنی مـن‏‎ ‎‏الآخر ، فبناءً علی تعلّق الجعل بالمسبّبات تکون الأسباب الشرعیة کالأسباب‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 330
‏العادیة غیر قابلة للوضع والرفع‏‎[4]‎‏ .‏

أقول :‏ الاشتباه نشأ من مقایسة الأسباب الشرعیة بالعلل التکوینیة ؛ فإنّ‏‎ ‎‏الجعل فی التکوینی حقیقة یتعلّق بوجود السبب ، وسببیة السبب أو نفس المسبّب‏‎ ‎‏مجعول بالعرض ، فالجاعل جعل النار ، لاجعل النار مؤثّراً فی الإحراق ، وهکذا‏‎ ‎‏نفس الإحراق .‏

‏وأمّا المسبّبات الشرعیة المحضة : فبما أنّ أسبابها أیضاً اختراعیة لا عقلائیة‏‎ ‎‏فلا یعقل کفایة تعلّق الجعل بالمسبّب دون سببه أو سببیته ؛ لأنّ المفروض أنّ‏‎ ‎‏المسبّب لیس أمراً عقلائیاً بل اختراعیاً ، وما کان کذلک لا یعقل أن یکون له سبب‏‎ ‎‏عقلائی أو عقلی أو عادی .‏

‏فلابدّ أن یکون سببه أیضاً اختراعیاً ، فلابدّ من تعلّق الجعل بالسبب ومسبّبه ؛‏‎ ‎‏سواء تعلّق ابتداءً بالسبب أو بالمسبّب أو أدّی کلاماً یتکفّل الجعلین .‏

ولایخفی :‏ أنّ الجعل یتعلّق بوصف السببیة ؛ أی یجعل ما لم یکن سبباً سبباً ،‏‎ ‎‏فلو فرضنا أنّ قول القائل : «ظَهْرکِ کظهر اُمّی» لیس عند العقلاء محرّماً ، وجعله‏‎ ‎‏الشارع سبباً لحرمة ظهر زوجته . فالجعل لم یتعلّق بذات السبب ـ أی الألفاظ ـ بل‏‎ ‎‏بوصف السببیة ؛ أی صیّر الشارع ما لم یکن سبباً سبباً للتحریم أنّ الجعل تعلّق‏‎ ‎‏بالسبب ، والسببیة أمر انتزاعی ، کما هو المشهور .‏

‏هذا ، وسیوافیک تفصیل القول فی هذه المقامات فی الاستصحاب‏‎[5]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 331

  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 165 .
  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 71 ـ 72 .
  • )) أنوار الهدایة 2 : 318 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 145 ـ 146 .
  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 70 .