التنبیه الثالث : حکم ما لو کان المعلوم بالإجمال واجبین مترتبین شرعاً
إذا کان المعلوم بالإجمال واجبین مترتّبین کالظهر والعصر ، واشتبه شرط من شرائطهما کالقبلة أو الستر فلا إشکال أنّه لا یجوز استیفاء محتملات العصر قبل استیفاء محتملات الظهر ، کما أنّه لا یجوز قبل استیفاء محتملات الظهر أن یأتی بالعصر إلی الجهة التی لم یصلّ الظهر إلیها بعد .
إنّما الکلام فی أنّه هل یجب استیفاء جمیع محتملات الظهر ـ مثلاً ـ قبل الشروع فی الآخر ، أو یجوز الإتیان بهما مترتّباً إلی کلّ جهة ، فیجوز الإتیان بظهر وعصر إلی جهة ، وظهر وعصر إلی اُخری ، وهکذا حتّی یستوفی المحتملات ؟
الأقوی : هو الثانی .
وبنی بعض الأعاظم ما اختاره علی ما قوّاه سابقاً ؛ من ترتّب الامتثال الإجمالی علی الامتثال التفصیلی ، وأنّ فیما نحن فیه جهتین : إحداهما إحراز القبلة ؛ فهو ممّا لا یمکن علی الفرض ، والاُخـری إحـراز الترتیب بین الظهر والعصر ، وهو بمکان من الإمکان ، وذلک بالإتیان بجمیع محتملات الظهر ، ثمّ الاشتغال بالعصر .
وعدم العلم حین الإتیان بکلّ واحد من محتملات العصر بأنّه صلاة صحیحة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 283
واقعة عقیب الظهر إنّما هو للجهل بالقبلة لا الجهل بالترتیب . وسقوط اعتبار الامتثال التفصیلی فی شرط لعدم إمکانه لا یوجب سقوطه فی سائر الشروط مع الإمکان ، انتهی ملخّصاً .
وفیه : أنّ المبنی علیه والمبنی کلاهما ممنوعان :
أمّا الأوّل : فلما عرفت من عدم الدلیل علی تقدیم الامتثال التفصیلی علی الإجمالی ، ولا طولیة بینهما أصلاً ، فیجوز الاحتیاط مع التمکّن من التقلید والاجتهاد ، والجمع بین المحتملات مع التمکّن من العلم إذا کان هنا غرض عقلائی ، ولا یعدّ ذلک تلاعباً بأمر المولی علی ما عرفت من حکم العقل والعقلاء ، والبرهان ما تقدّم .
وأمّا الثانی : فلأنّ أقصی ما یحصل من الشروع بمحتملات العصر بعد استیفاء محتملات الظهر هو العلم بالإتیان بالظهر ؛ محقّقاً علی کلّ تقدیر ـ أی سواء کان محتمل العصر عصراً واقعیاً أو لا ـ وهذا بخلاف ما لو شرع قبل الاستیفاء .
ولکن هذا المقدار لا یجدی من الفرق ؛ فلأنّ فی الإتیان بکلّ ظهر وعصر مترتّبین إلی کلّ جهة موافقة علی تقدیر ، وعدم موافقة رأساً بالنسبة إلی کلّ واحد من الظهر والعصر علی تقدیر آخر .
ولیس الأمر دائراً بین الموافقة الإجمالیة والتفصیلیة حتّی یقال : إنّهما مترتّبان ؛ لأنّ کلّ واحد من محتملات العصر لو صادف القبلة فقد أتی قبله بالظهر ، ویحصل الترتیب واقعاً ، وغیر المصادف منها عمل لا طائل تحته ، کغیر المصادف
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 284
من الآخر ، ولا ترتیب بینهما حتّی یقال : إنّه موافقة إجمالیة .
والعلم بحصول الترتیب بین الظهر والعصر حین الإتیان بهما لا یمکن علی أیّ حال ؛ سواء شرع فی محتملات العصر قبل استیفاء محتملات الآخر أو لا .
وأمّا ما ادّعی : من أنّ عدم العلم حین الإتیان بکلّ عصر بأنّه صلاة صحیحة واقعة عقیب الظهر إنّما هو للجهل بالقبلة ، لا الجهل بالترتیب .
فمن غرائب الکلام ؛ فإنّ الترتیب مجهول علی کلّ تقدیر ؛ فإنّ المکلّف لا یعلم ـ ولو استوفی محتملات الظهر ـ عند الإتیان بکلّ عصر أنّها صلاة واقعیة عقیب الظهر أو لا ، بل یعلم إجمالاً أنّها : إمّا صلاة واقعیة مترتّبة علی الظهر ، وإمّا لیست بصلاة أصلاً ؛ فضلاً عن أن یکون مترتّباً .
ولو قلنا بکفایته فهو حاصل علی المختار ؛ أی إذا أتی بواحد من محتملات الظهر والعصر إلی جهة ، وهکذا ؛ حتّی یتمّ المحتملات ، فإنّه یعلم إجمالاً بأنّ المحتمل الأوّل من محتملات العصر : إمّا صلاة واقعیة مترتّبة علی الظهر ، وإمّا لیس بصلاة .
وإن شئت قلت : إنّ الترتیب بینهما یتقوّم بثلاث دعائم : وجود الظهر ، وجود العصر ، تأخّره عنه . فلو لم یأت بالظهر أو بالعصر أو قدّم الثانی علی الأوّل لبطل الترتیب .
فحینئذٍ : فالقول بتحقّق العلم بالترتیب عند الإتیان بکلّ واحد من محتملات العصر غریب ؛ لأنّه عند الشروع بواحد منها لایعلم أنّها صلاة عصر صحیحة أو لا ، ومع ذلک فکیف یعلم تفصیلاً بوجود الترتیب مع کون الحال ما ذکر ؟ ! فإنّ الترتیب أمر إضافی بین الصلاتین الصحیحتین ، لا ما بین ما هو صلاة محقّقاً وما هو مشکوک کونه صلاة أو أمراً باطلاً .
وإن أراد من الترتیب ما ذکرنا فهو حاصل علی کلّ تقدیر .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 285
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 286