المقصد السابع فی الاُصول العملیة

التنبیه الثالث‏: حکم ما لو کان المعلوم بالإجمال واجبین مترتبین شرعاً

التنبیه الثالث : حکم ما لو کان المعلوم بالإجمال واجبین مترتبین شرعاً

‏ ‏

‏إذا کان المعلوم بالإجمال واجبین مترتّبین کالظهر والعصر ، واشتبه شرط من‏‎ ‎‏شرائطهما کالقبلة أو الستر فلا إشکال أنّه لا یجوز استیفاء محتملات العصر قبل‏‎ ‎‏استیفاء محتملات الظهر ، کما أنّه لا یجوز قبل استیفاء محتملات الظهر أن یأتی‏‎ ‎‏بالعصر إلی الجهة التی لم یصلّ الظهر إلیها بعد .‏

‏إنّما الکلام فی أنّه هل یجب استیفاء جمیع محتملات الظهر ـ مثلاً ـ قبل‏‎ ‎‏الشروع فی الآخر ، أو یجوز الإتیان بهما مترتّباً إلی کلّ جهة ، فیجوز الإتیان بظهر‏‎ ‎‏وعصر إلی جهة ، وظهر وعصر إلی اُخری ، وهکذا حتّی یستوفی المحتملات ؟‏

الأقوی :‏ هو الثانی .‏

وبنی بعض الأعاظم‏ ما اختاره علی ما قوّاه سابقاً ؛ من ترتّب الامتثال‏‎ ‎‏الإجمالی علی الامتثال التفصیلی‏‎[1]‎‏ ، وأنّ فیما نحن فیه جهتین : إحداهما إحراز‏‎ ‎‏القبلة ؛ فهو ممّا لا یمکن علی الفرض ، والاُخـری إحـراز الترتیب بین الظهر‏‎ ‎‏والعصر ، وهو بمکان من الإمکان ، وذلک بالإتیان بجمیع محتملات الظهر ، ثمّ‏‎ ‎‏الاشتغال بالعصر .‏

‏وعدم العلم حین الإتیان بکلّ واحد من محتملات العصر بأنّه صلاة صحیحة‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 283
‏واقعة عقیب الظهر إنّما هو للجهل بالقبلة لا الجهل بالترتیب . وسقوط اعتبار‏‎ ‎‏الامتثال التفصیلی فی شرط لعدم إمکانه لا یوجب سقوطه فی سائر الشروط مع‏‎ ‎‏الإمکان‏‎[2]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏

وفیه :‏ أنّ المبنی علیه والمبنی کلاهما ممنوعان :‏

أمّا الأوّل :‏ فلما عرفت‏‎[3]‎‏ من عدم الدلیل علی تقدیم الامتثال التفصیلی علی‏‎ ‎‏الإجمالی ، ولا طولیة بینهما أصلاً ، فیجوز الاحتیاط مع التمکّن من التقلید‏‎ ‎‏والاجتهاد ، والجمع بین المحتملات مع التمکّن من العلم إذا کان هنا غرض عقلائی ،‏‎ ‎‏ولا یعدّ ذلک تلاعباً بأمر المولی علی ما عرفت من حکم العقل والعقلاء ، والبرهان‏‎ ‎‏ما تقدّم .‏

وأمّا الثانی :‏ فلأنّ أقصی ما یحصل من الشروع بمحتملات العصر بعد استیفاء‏‎ ‎‏محتملات الظهر هو العلم بالإتیان بالظهر ؛ محقّقاً علی کلّ تقدیر ـ أی سواء کان‏‎ ‎‏محتمل العصر عصراً واقعیاً أو لا ـ وهذا بخلاف ما لو شرع قبل الاستیفاء .‏

‏ولکن هذا المقدار لا یجدی من الفرق ؛ فلأنّ فی الإتیان بکلّ ظهر وعصر‏‎ ‎‏مترتّبین إلی کلّ جهة موافقة علی تقدیر ، وعدم موافقة رأساً بالنسبة إلی کلّ واحد‏‎ ‎‏من الظهر والعصر علی تقدیر آخر .‏

‏ولیس الأمر دائراً بین الموافقة الإجمالیة والتفصیلیة حتّی یقال : إنّهما‏‎ ‎‏مترتّبان ؛ لأنّ کلّ واحد من محتملات العصر لو صادف القبلة فقد أتی قبله بالظهر ،‏‎ ‎‏ویحصل الترتیب واقعاً ، وغیر المصادف منها عمل لا طائل تحته ، کغیر المصادف‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 284
‏من الآخر ، ولا ترتیب بینهما حتّی یقال : إنّه موافقة إجمالیة .‏

‏والعلم بحصول الترتیب بین الظهر والعصر حین الإتیان بهما لا یمکن علی‏‎ ‎‏أیّ حال ؛ سواء شرع فی محتملات العصر قبل استیفاء محتملات الآخر أو لا .‏

وأمّا ما ادّعی‏ : من أنّ عدم العلم حین الإتیان بکلّ عصر بأنّه صلاة صحیحة‏‎ ‎‏واقعة عقیب الظهر إنّما هو للجهل بالقبلة ، لا الجهل بالترتیب .‏

فمن غرائب الکلام‏ ؛ فإنّ الترتیب مجهول علی کلّ تقدیر ؛ فإنّ المکلّف لا‏‎ ‎‏یعلم ـ ولو استوفی محتملات الظهر ـ عند الإتیان بکلّ عصر أنّها صلاة واقعیة‏‎ ‎‏عقیب الظهر أو لا ، بل یعلم إجمالاً أنّها : إمّا صلاة واقعیة مترتّبة علی الظهر ، وإمّا‏‎ ‎‏لیست بصلاة أصلاً ؛ فضلاً عن أن یکون مترتّباً .‏

‏ولو قلنا بکفایته فهو حاصل علی المختار ؛ أی إذا أتی بواحد من محتملات‏‎ ‎‏الظهر والعصر إلی جهة ، وهکذا ؛ حتّی یتمّ المحتملات ، فإنّه یعلم إجمالاً بأنّ‏‎ ‎‏المحتمل الأوّل من محتملات العصر : إمّا صلاة واقعیة مترتّبة علی الظهر ، وإمّا لیس‏‎ ‎‏بصلاة .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ الترتیب بینهما یتقوّم بثلاث دعائم : وجود الظهر ، وجود‏‎ ‎‏العصر ، تأخّره عنه . فلو لم یأت بالظهر أو بالعصر أو قدّم الثانی علی الأوّل لبطل‏‎ ‎‏الترتیب .‏

فحینئذٍ :‏ فالقول بتحقّق العلم بالترتیب عند الإتیان بکلّ واحد من محتملات‏‎ ‎‏العصر غریب ؛ لأنّه عند الشروع بواحد منها لایعلم أنّها صلاة عصر صحیحة أو لا ،‏‎ ‎‏ومع ذلک فکیف یعلم تفصیلاً بوجود الترتیب مع کون الحال ما ذکر ؟ ! فإنّ الترتیب‏‎ ‎‏أمر إضافی بین الصلاتین الصحیحتین ، لا ما بین ما هو صلاة محقّقاً وما هو مشکوک‏‎ ‎‏کونه صلاة أو أمراً باطلاً .‏

‏وإن أراد من الترتیب ما ذکرنا فهو حاصل علی کلّ تقدیر .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 285

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 286

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 72 ـ 73 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 138 ـ 141 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 359 ـ 361 .