المقصد السابع فی الاُصول العملیة

التنبیه الأوّل‏: فی وجوب الاحتیاط عند الجهل بالموضوع

التنبیه الأوّل : فی وجوب الاحتیاط عند الجهل بالموضوع

‏ ‏

‏لا إشکال حسب القواعد العقلیة فی وجوب الاحتیاط عند الجهل‏‎ ‎‏بالموضوع ، من غیر فرق بین الشرائط والموانع ، فیجب الصلاة إلی أربعة جهات ، أو‏‎ ‎‏فی ثوبین یعلم بطهارة أحدهما ، أو بخلوّه ممّا لا یؤکل لحمه ، ولا وجه لسقوط‏‎ ‎‏الشرائط والموانع بالإجمال .‏

‏فما حکی عن المحقّق القمی من التفصیل بین ما یستفاد من قوله ‏‏علیه السلام‏‏ :‏‎ ‎«لاتصلّ فیما لا یؤکل لحمه»‏ فذهب إلی السقوط وعدم وجوب الاحتیاط ، وما‏‎ ‎‏یستفاد من قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا صلاة إلاّ بطهور»‏ فاختار وجـوب الاحتیاط‏‎[1]‎‏ لعلّـه‏‎ ‎‏مبنی علی ما هو المعروف منه مـن عدم تنجیز العلم الإجمالی مطلقاً ، وأنّـه‏‎ ‎‏کالشبهة البدویة‏‎[2]‎‏ .‏

‏وحینئذٍ : لابدّ من الرجوع إلی الاُصول ، وبما أنّ المستفاد من الأوّل هو‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 279
‏المانعیة فیرجع فیها إلی البراءة ؛ لانحلال الحکم فیه حسب أفراد المانع ومصادیقه ،‏‎ ‎‏فیؤخذ بالمعلوم منه ، ویرجع فی المشکوک فیه إلی البراءة ؛ لکون الشکّ فی حکم‏‎ ‎‏مستقلّ .‏

‏وأمّا المستفاد من الثانی وأضرابه هو الشرطیة ، وهو ممّا یجب إحرازه .‏‎ ‎‏وطریق إحرازه هو تکرار الصلاة علی وجه یحصل الیقین بالبراءة .‏

وأمّا ما أفاده بعض الأعاظم :‏ من أنّ المحقّق القمی فصّل بین الشرائط ـ لا بین‏‎ ‎‏الشرط والمانع ـ المستفادة من قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا تصلّ فیما لا یؤکل لحمه»‏ والمستفادة‏‎ ‎‏من قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا صلاة إلاّ بطهور»‏ ، ثمّ قال : ولم یحضرنی کتب المحقّق حتّی‏‎ ‎‏اُراجع کلامه ، وکأنّه قاس باب العلم والجهل بالموضوع بباب القدرة والعجز‏‎[3]‎‏ .‏

فغیر صحیح احتمالاً وإشکالاً :

‏أمّا الأوّل :‏‏ فلأنّ القیاس المذکور لا یصحّح التفصیل المحکی عنه ؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏العجز عن الشرط والمانع سواسیة ، فلو کان مفاد الدلیل هو الشرطیة والمانعیة‏‎ ‎‏المطلقتین فلازمه سقوط الأمر ؛ لعدم التمکّن من الإتیان بالمکلّف به ، وإن لم یکن‏‎ ‎‏کذلک فلازمه سقوط الشرط والمانع مطلقاً عن الشرطیة والمانعیة ، من غیر فرق .‏

وأمّا إشکالاً :‏ فلأنّ غرضه الفرق بین العلم والقدرة بأنّ العلم من شرائط‏‎ ‎‏التنجیز والقدرة من شرائط ثبوت التکلیف وفعلیته ، وفیه ما مرّ من أنّ العلم والقدرة‏‎ ‎‏سواسیة ؛ فإنّ القدرة الشخصیة من شرائط التنجیز ؛ لما مرّ من أنّ الأحکام الشرعیة‏‎ ‎‏أحکام قانونیة‏‎[4]‎‏ . ولما ذکرنا یجب الاحتیاط عند الشکّ فی القدرة ، فلو کانت من‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 280
‏شرائط ثبوت التکلیف لکانت البراءة محکّمة عند الشکّ فیها .‏

أضف إلی ذلک :‏ أنّ من البعید أن یذهب المحقّق إلی أنّ المستفاد من‏‎ ‎‏قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا تصلّ فیما لا یؤکل لحمه»‏ هو الشرطیة ؛ فإنّ جمهور الأصحاب ـ إلاّ‏‎ ‎‏ما شذّ ـ قالوا بالمانعیة ، فمن البعید أن یکون ذلک مختار المحقّق القمی ‏‏قدس سره‏‏ .‏

‏وبذلک یظهر الخلل فی حکایة مقالة المحقّق ، کما لا یخفی .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 281

  • )) جامع الشتات : 839 / السطر 17 ، اُنظر رسالة الصلاة فی المشکوک ، المحقّق النائینی : 161 ـ 168 .
  • )) القوانین المحکمة 2 : 25 / السطر 3 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 134 ـ 135 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 228 ـ 231 .