المقصد السابع فی الاُصول العملیة

فذلکة البحث فی المقام

فذلکة البحث فی المقام

‏ ‏

‏قد عرفت : أنّ هذا البحث علی مبنی بعضهم من جریان الاُصول فی الأطراف‏‎ ‎‏وتعارضها لأجل استلزامه مخالفة الحکم المنجّز ، فحینئذٍ فلابدّ أن یلاحظ ویعلم ما‏‎ ‎‏یستلزم تلک المخالفة وما لا یستلزمه ، فنقول :‏

أمّا الصورة الاُولی ؛‏ أعنی ما إذا علم بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ أو الطرف ، ثمّ‏‎ ‎‏علم بالملاقاة : فیجری فی الملاقی ـ بالکسر ـ کلّ من أصالتی الطهارة والحلّیة ؛ فإنّ‏‎ ‎‏العلم الثانی المتعلّق بنجاسة الطرف أو الملاقی ـ بالکسر ـ لیس علماً بالتکلیف‏‎ ‎‏المنجّز ؛ وإن کان علماً بوجود الموضوع ـ أعنی النجس ـ بینهما ، إلاّ أنّ المیزان هو‏‎ ‎‏العلم بالتکلیف المنجّز علی کلّ تقدیر لا العلم بالموضوع ؛ وإن لم یکن حکمه‏‎ ‎‏منجّزاً ، والمانع من الجریان هو الأوّل لا الثانی .‏

توضیحه :‏ أنّه إذا علم الإنسان بوقوع قطرة دم إمّا فی إناء زید أو فی إناء‏‎ ‎‏عمرو فلا شکّ فی تنجیز ذاک العلم ، ولو وقف بعد ذلک علی وقوع قطرة اُخری منه‏‎ ‎‏إمّا فی إناء عمرو أو إناء بکر فالعلم بوجود الموضوع وإن کان موجوداً بین الثانی‏‎ ‎‏والثالث إلاّ أنّه لیس علماً بتکلیف منجّز علی کلّ تقدیر ؛ فإنّ القطرة الثانیة لو وقعت‏‎ ‎‏فی إناء عمرو لم یحدث تکلیفاً جدیداً ، ولم یوجب إلزاماً علی کلّ تقدیر ، بل هو‏‎ ‎‏کان قبل حدوث هذا العلم واجب الاجتناب لأجل العلم الأوّل .‏

‏ولذلک لو شرب الإناء الثانی والثالث ، وفرضنا وقوع القطرة الاُولی فی إناء‏‎ ‎‏زید فهو وإن شرب النجس إلاّ أنّه لم یخالف التکلیف المنجّز علی کلّ تقدیر . وأمّا‏‎ ‎‏الاجتناب عن إناء عمرو فهو لأجل العلم الأوّل دون الثانی ؛ ولذلک یجری فی‏‎ ‎‏الثالث عامّة الاُصول ، دون إناء عمرو .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 270
‏وقس علیه المقام ؛ فإنّ العلم الثانی وإن تعلّق بنجاسة الطرف أو الملاقی‏‎ ‎‏ـ بالکسر ـ إلاّ أنّه لیس علماً بالتکلیف الحادث المنجّز علی کلّ تقدیر ؛ لأنّ الطرف‏‎ ‎‏کان واجب الاجتناب لأجل العلم الأوّل .‏

‏ولذلک لو شرب الطرف والملاقی ـ بالکسر ـ وفرض وقوع النجس فی نفس‏‎ ‎‏الأمر فی العلم الأوّل فی الإناء الملاقی ـ بالفتح ـ فهو وإن شرب النجس فی نفس‏‎ ‎‏الأمر إلاّ أنّه لم یخالف التکلیف المنجّز ، فلا یعاقب علی شرب النجس ؛ وإن کان‏‎ ‎‏یصحّ عقابه علی شرب الإناء الطرف ـ علی القول بعقاب المتجرّی ـ فالإناء الذی‏‎ ‎‏یعدّ طرفاً إنّما یجب الاجتناب عنه لأجل العلم الأوّل لا الثانی .‏

وأمّا الصورة الثانیة :‏ فقد عرفت أنّه یجب فیه الاجتناب عن الجمیع ؛ لأنّه إذا‏‎ ‎‏حصل العلم الإجمالی بنجاسة الطرف والملاقی ـ بالفتح ـ بعد العلم بالملاقاة‏‎ ‎‏فیحصل العلم بنجاسة مردّدة بین الطرف وغیر الطرف عن الملاقی وملاقیه ، ویصیر‏‎ ‎‏الملاقی ـ بالکسر ـ طرفاً للعلم ، فلا مجال للاُصول أصلاً .‏

وأمّا الصورة الثالثة :‏ فقد عرفت أنّ لها موردین :‏

‏الأوّل : ما إذا علم بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ أو الطرف ، ثمّ علم الملاقاة‏‎ ‎‏ووقف علی نجاسة الطرف والملاقی ـ بالفتح ـ ؛ بحیث لا وجه لنجاسة الملاقی‏‎ ‎‏ـ بالکسر ـ غیر نجاسة الملاقی ، فالحکم الشرعی لا یتخلّف عمّا حکم به العقل ؛‏‎ ‎‏من منجّزیة العلم الأوّل ؛ وإن انکشف سبب وجود النجاسة دون الثانی ؛ لامتناع‏‎ ‎‏إفادة العلم الثانی التنجیز علی کلّ تقدیر ، ولا یعقل التنجیز فوق التنجیز ، ویصیر‏‎ ‎‏الملاقی ـ بالفتح ـ مورداً للأصل دون الملاقی .‏

‏وأمّا المورد الثانی ؛ أعنی ما إذا علم بالملاقاة ثمّ حدث العلم الإجمالی‏‎ ‎‏بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ أو الطرف ، ولکن حال حدوث العلم الإجمالی کان‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 271
‏الملاقی خارجاً عن الابتلاء ، فحکمه ما أوضحناه ؛ من أنّ الملاقی ـ بالکسر ـ یصیر‏‎ ‎‏طرفاً للعلم ، غیر أنّ خروج الملاقی ـ بالفتح ـ عن محلّ الابتلاء غیر مؤثّر ؛ ولذلک‏‎ ‎‏لو عاد یجب الاجتناب عنه ، کما عرفت‏‎[1]‎‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 272

  • )) تقدّم فی الصفحة 266 ـ 267 .