فذلکة البحث فی المقام
قد عرفت : أنّ هذا البحث علی مبنی بعضهم من جریان الاُصول فی الأطراف وتعارضها لأجل استلزامه مخالفة الحکم المنجّز ، فحینئذٍ فلابدّ أن یلاحظ ویعلم ما یستلزم تلک المخالفة وما لا یستلزمه ، فنقول :
أمّا الصورة الاُولی ؛ أعنی ما إذا علم بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ أو الطرف ، ثمّ علم بالملاقاة : فیجری فی الملاقی ـ بالکسر ـ کلّ من أصالتی الطهارة والحلّیة ؛ فإنّ العلم الثانی المتعلّق بنجاسة الطرف أو الملاقی ـ بالکسر ـ لیس علماً بالتکلیف المنجّز ؛ وإن کان علماً بوجود الموضوع ـ أعنی النجس ـ بینهما ، إلاّ أنّ المیزان هو العلم بالتکلیف المنجّز علی کلّ تقدیر لا العلم بالموضوع ؛ وإن لم یکن حکمه منجّزاً ، والمانع من الجریان هو الأوّل لا الثانی .
توضیحه : أنّه إذا علم الإنسان بوقوع قطرة دم إمّا فی إناء زید أو فی إناء عمرو فلا شکّ فی تنجیز ذاک العلم ، ولو وقف بعد ذلک علی وقوع قطرة اُخری منه إمّا فی إناء عمرو أو إناء بکر فالعلم بوجود الموضوع وإن کان موجوداً بین الثانی والثالث إلاّ أنّه لیس علماً بتکلیف منجّز علی کلّ تقدیر ؛ فإنّ القطرة الثانیة لو وقعت فی إناء عمرو لم یحدث تکلیفاً جدیداً ، ولم یوجب إلزاماً علی کلّ تقدیر ، بل هو کان قبل حدوث هذا العلم واجب الاجتناب لأجل العلم الأوّل .
ولذلک لو شرب الإناء الثانی والثالث ، وفرضنا وقوع القطرة الاُولی فی إناء زید فهو وإن شرب النجس إلاّ أنّه لم یخالف التکلیف المنجّز علی کلّ تقدیر . وأمّا الاجتناب عن إناء عمرو فهو لأجل العلم الأوّل دون الثانی ؛ ولذلک یجری فی الثالث عامّة الاُصول ، دون إناء عمرو .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 270
وقس علیه المقام ؛ فإنّ العلم الثانی وإن تعلّق بنجاسة الطرف أو الملاقی ـ بالکسر ـ إلاّ أنّه لیس علماً بالتکلیف الحادث المنجّز علی کلّ تقدیر ؛ لأنّ الطرف کان واجب الاجتناب لأجل العلم الأوّل .
ولذلک لو شرب الطرف والملاقی ـ بالکسر ـ وفرض وقوع النجس فی نفس الأمر فی العلم الأوّل فی الإناء الملاقی ـ بالفتح ـ فهو وإن شرب النجس فی نفس الأمر إلاّ أنّه لم یخالف التکلیف المنجّز ، فلا یعاقب علی شرب النجس ؛ وإن کان یصحّ عقابه علی شرب الإناء الطرف ـ علی القول بعقاب المتجرّی ـ فالإناء الذی یعدّ طرفاً إنّما یجب الاجتناب عنه لأجل العلم الأوّل لا الثانی .
وأمّا الصورة الثانیة : فقد عرفت أنّه یجب فیه الاجتناب عن الجمیع ؛ لأنّه إذا حصل العلم الإجمالی بنجاسة الطرف والملاقی ـ بالفتح ـ بعد العلم بالملاقاة فیحصل العلم بنجاسة مردّدة بین الطرف وغیر الطرف عن الملاقی وملاقیه ، ویصیر الملاقی ـ بالکسر ـ طرفاً للعلم ، فلا مجال للاُصول أصلاً .
وأمّا الصورة الثالثة : فقد عرفت أنّ لها موردین :
الأوّل : ما إذا علم بنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ أو الطرف ، ثمّ علم الملاقاة ووقف علی نجاسة الطرف والملاقی ـ بالفتح ـ ؛ بحیث لا وجه لنجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ غیر نجاسة الملاقی ، فالحکم الشرعی لا یتخلّف عمّا حکم به العقل ؛ من منجّزیة العلم الأوّل ؛ وإن انکشف سبب وجود النجاسة دون الثانی ؛ لامتناع إفادة العلم الثانی التنجیز علی کلّ تقدیر ، ولا یعقل التنجیز فوق التنجیز ، ویصیر الملاقی ـ بالفتح ـ مورداً للأصل دون الملاقی .
وأمّا المورد الثانی ؛ أعنی ما إذا علم بالملاقاة ثمّ حدث العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی ـ بالفتح ـ أو الطرف ، ولکن حال حدوث العلم الإجمالی کان
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 271
الملاقی خارجاً عن الابتلاء ، فحکمه ما أوضحناه ؛ من أنّ الملاقی ـ بالکسر ـ یصیر طرفاً للعلم ، غیر أنّ خروج الملاقی ـ بالفتح ـ عن محلّ الابتلاء غیر مؤثّر ؛ ولذلک لو عاد یجب الاجتناب عنه ، کما عرفت .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 272