ضابط الشبهة غیر المحصورة
وقد ظهر ممّا أوضحنا من مقالة شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ أنّ ما هو الضابط فی الشبهة غیر المحصورة أن تکون کثرة الأطراف بمثابة لا یعتنی العقلاء باحتمال کون الواقع فی بعض الأطراف فی مقابل البقیة ؛ لضعف الاحتمال لأجل الکثرة .
وقد نقل شیخنا الأعظم قدس سره کلمات فی ضابطها عن الأعلام ، غیر أنّه لا یهمّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 247
الباحث ؛ لأنّ الدلیل الوحید ما عرفت من بناء العقلاء ودلالة الأخبار ، ولیس عنوان غیر المحصور واقعاً فی مصبّ روایة حتّی نتکلّف لبیان حدّه .
ثمّ إنّه یظهر من بعض أعاظم العصر ضابطاً آخر ؛ فقال ما هذا حاصله : إنّ ضابطها أن تبلغ الأطراف حدّاً لا یمکن عادة جمعها فی الاستعمال ؛ من أکل وشرب ، فخرج العلم بنجاسة حبّة من حقّة ؛ لإمکان استعمال الحقّة ، مع أنّ نسبتها إلی الحقّة تزید عن نسبة الواحد إلی الألف .
فلیس العبرة بکثرة العدد فقط ؛ إذ ربّ کثیر تکون الشبهة فیه محصورة ، کالحقّة من الحنطة . کما لا عبرة بعدم تمکّن الجمع فقط ؛ إذ ربّما لا یتمکّن عادة مع أنّ الشبهة محصورة ، ککون أحد الأطراف فی أقصی بلاد المغرب ، بل لابدّ من الأمرین : کثرة الأطراف ، وعدم التمکّن العادی من الجمع .
وبهذا تمتاز الشبهة الغیر المحصورة عمّا تقدّم فی المحصورة ، من أنّه یعتبر فیها إمکان الابتلاء بکلّ واحد من أطرافها ؛ فإنّ إمکان الابتلاء بکلّ واحد غیر إمکان الابتلاء بالمجموع . فالشبهة الغیر المحصورة ما تکون کثرة الأطراف بحدّ یکون عدم التمکّن فی الجمع فی الاستعمال مستنداً إلیها .
ومن ذلک یظهر حکمها ؛ وهو عدم حرمة المخالفة القطعیة وعدم وجوب الموافقة القطعیة :
أمّا عدم الحرمة : فلأنّ المفروض عدم التمکّن العادی منها .
وأمّا عدم وجـوب الموافقـة القطعیة : فلأنّ وجوبها فرع حرمـة المخالفـة القطعیة ؛ لأنّها هی الأصل فی باب العلم الإجمالی ؛ لأنّ وجوب الموافقة القطعیة یتوقّف علی تعارض الاُصول فی الأطراف ، وتعارضها یتوقّف علی حرمـة المخالفـة القطعیة ، فیلزم من جریانها فی جمیع الأطراف مخالفة عملیة للتکلیف ،
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 248
فإذا لم تحرم المخالفـة القطعیة لم یقع التعارض بین الاُصول ، ومعه لا یجب الموافقـة القطعیة .
وفیه أمّا أوّلاً : فإنّ المراد من عدم التمکّن من الجمع فی الاستعمال إن کان هو الجمع دفعة فیلزم أن یکون أکثر الشبهات المحصورة غیر محصورة .
وأمّا إن کان أعمّ منها ومن التدریج ـ ولو فی مدّة طویلة من سنین متمادیة ـ فلابدّ من تعیین ذلک الزمان الذی لا یمکن الجمع التدریجی بین الأطراف فیه ، بل یلزم أن یکون أکثر الشبهات محصورة ؛ إذ قلّما یتّفق أن لا یمکن الجمع بین الأطراف ، ولو فی ظرف سنین . فتکون الشبهة علی هذا الضابط محصورة ، وهذا ممّا لا یمکن الالتزام به .
فإن قلت : إنّ ارتکاب جمیع الأطراف ممّا لا یمکن غالباً ؛ ولو تدریجاً فی سنین متمادیة ؛ لفقدان بعض الأطراف . علی أنّ تأثیر العلم الإجمالی فی التدریجیات محلّ بحث .
قلت : إنّ خروج بعض الأطراف بعد تنجیز العلم غیر مؤثّر . ولا یضرّ بتنجیز العلم الإجمالی فی بقیة الأطراف .
مع أنّک قد عرفت : أنّ البحث ممحّض فی کون الشبهة غیر محصورة ، مع قطع النظر عن الجهات الاُخر من فقدان بعض الأطراف . علی أنّ تأثیر العلم فی التدریجی من حیث الاستعمال ممّا لا إشکال فیه ، وفی التدریجی من حیث الوجود أیضاً مؤثّر علی الأقوی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 249
وأمّا ثانیاً : فلأنّ مورد التکلیف إنّما هو کلّ فردٍ فردٍ ، والمفروض قدرته علیه ، لا الجمع بین الأطراف حتّی یقال بعدم قدرته علی الجمع ، وما هو مورد للتکلیف فالمکلّف متمکّن من الإتیان به ؛ لتمکّنه من کلّ واحد ، والمکلّف به غیر خارج عن محلّ ابتلائه ، وما لا یکون متمکّناً منه ـ أعنی الجمع ـ فهو غیر مکلّف به . وأمّا حکم العقل بالجمع أحیاناً فهو لأجل التحفّظ علی الواقع ، لا أنّه حکم شرعی .
وبالجملة : أنّ المیزان فی تنجیز العلم الإجمالی هو فعلیة التکلیف وعدم استهجان الخطاب ، والمفروض أنّ مورد التکلیف یکون محلّ الابتلاء ؛ لتمکّنه من استعمال کلّ واحد ؛ وإن لم یتمکّن من الجمع فی استعمال .
وبذلک یظهر حرمة المخالفة الاحتمالیة بارتکاب بعض الأطراف ـ فضلاً عن القطعیة ـ لفعلیة الحکم ، وعدم استهجان الخطاب ؛ لکون مورد التکلیف مورداً للابتلاء .
وبذلک یظهر النظر فیما أفاده ؛ من عدم حرمة المخالفة القطعیة وعدم وجوب الموافقة القطعیة ؛ لأجل تفرّع الثانیة علی الاُولی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 250