المقصد السابع فی الاُصول العملیة

مقتضی الأصل عند الشکّ فی الخروج عن محلّ الابتلاء

مقتضی الأصل عند الشکّ فی الخروج عن محلّ الابتلاء

‏ ‏

‏ثمّ إنّه علی القول بکون الخروج عن محلّ الابتلاء مانعاً عن تأثیر العلم‏‎ ‎‏الإجمالی یقع البحث فیما إذا شکّ فی خروجه عن محلّ الابتلاء لا من جهة الاُمور‏‎ ‎‏الخارجیة ، بل من جهة إجمال ما هو خارج عن مورد التکلیف الفعلی ، فهل الأصل‏‎ ‎‏یقتضی الاحتیاط أو البراءة ؟‏

واختار الأوّل شیخنا العلاّمة‏ ـ أعلی الله مقامه ـ حیث قال : إنّ البیان المصحّح‏‎ ‎‏للعقاب عند العقل ـ وهو العلم بوجود مبغوض المولی بین اُمور ـ حاصل وإن شکّ‏‎ ‎‏فی الخطاب الفعلی من جهة الشکّ فی حسن التکلیف وعدمه . وهذا المقدار یکفی‏‎ ‎‏حجّة علیه ، نظیر ما إذا شکّ فی قدرته علی إتیان المأمور به وعدمها ، بعد إحراز‏‎ ‎‏کون ذلک الفعل موافقاً لغرض المولی ومطلوباً له ذاتاً ، وهل له أن لا یقدم علی الفعل‏‎ ‎‏بمجرّد الشکّ فی الخطاب الفعلی الناشئ من الشکّ فی قدرته .‏

‏والحاصل : أنّ العقل بعد إحراز المطلوب الواقعی للمولی أو مبغوضه لا یری‏‎ ‎‏عذراً للعبد فی ترک الامتثال‏‎[1]‎‏ .‏

هذا ، وفیه :‏ أنّ التحقیق هو البراءة ؛ لأنّه بعد القول بکون الابتلاء مـن قیود‏‎ ‎‏التکلیف یرجـع الشکّ إلی أصل التکلیف ، ومجرّد احتمال کـون المبغوض هـو‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 234
‏المبتلی به لا یوجب تمامیة الحجّة علی العبد ، بل له الحجّة لاحتمال کـون‏‎ ‎‏المبغوض فی الطرف الآخـر .‏

‏وأمّا الشکّ فی القدرة فلو قلنا بمقالة القوم فلا مناص عن البراءة ؛ لأنّ القدرة‏‎ ‎‏علی مبانی القوم من حدود التکلیف وقیوده ، فالشکّ فیها شکّ فی أصل التکلیف .‏

‏نعم ، علی ما قلنا من کون الخطابات القانونیة فعلیة فی حقّ القادر والعاجز ،‏‎ ‎‏غیر أنّ العاجز معذور فی ترک امتثاله ، فعند الشکّ فیها لا مناص عن الاحتیاط إلاّ‏‎ ‎‏مع إحراز العذر وإقامة الحجّة بعد تمامیة الحجّة من المولی .‏

‏فالشکّ فی القدرة مصبّ البراءة علی مبانی القوم ، کالشکّ فی الابتلاء ، لا‏‎ ‎‏علی المختار ، فتدبّر .‏

‏وأمّا القول باستکشاف الملاک من إطلاق المادّة ففیه : أنّ إحراز الملاک من‏‎ ‎‏تبعات تعلّق التکلیف علی مسلک العدلیة ، ومع کون القدرة والابتلاء من قیوده‏‎ ‎‏وحدوده لا طریق لاستکشافه إلاّ فی بعض الأحیان المستکشف ذلک من الاُمور‏‎ ‎‏الخارجیة ، وهو لا یفید ؛ لکونه أخصّ من المدّعی .‏

‏کما أنّ القول بأنّ القدرة العقلیة والعادیة غیر دخیلة فی الملاکات النفس‏‎ ‎‏الأمریة ، بل هی من شرائط حسن الخطاب‏‎[2]‎‏ تخرّص علی الغیب ؛ لعدم العلم‏‎ ‎‏بالملاکات الواقعیة ، ومن المحتمل دخالة القدرة فیها . ولا یدفع هذا الاحتمال إلاّ‏‎ ‎‏بإطلاق الدلیل ، وهو مفقود فرضاً ، إلاّ علی ما اخترناه .‏

ثمّ إنّ بعض أعاظم العصر ‏قدس سره‏‏ استدلّ علی وجوب الاحتیاط تبعاً للشیخ‏‎ ‎‏الأعظم ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏ بإطلاق أدلّة المحرّمات ، وحاصل ما أفاد ما یلی : إنّ القدر المسلّم من‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 235
‏التقیید هو ما إذا کان الخمر خارجاً عن محلّ الابتلاء ؛ بحیث یلزم استهجان‏‎ ‎‏الخطاب فی نظر العرف .‏

‏فإذا شکّ فی استهجانه وعدمه ـ للشکّ فی إمکان الابتلاء بموضوعه أو‏‎ ‎‏عدمه ـ فالمرجع هو إطلاق الدلیل ؛ لأنّ المخصّص المجمل بین الأقلّ والأکثر‏‎ ‎‏مفهوماً لا یمنع عن التمسّک بالعامّ فیما عدا القدر المتیقّن من التخصیص ، وهو‏‎ ‎‏الأقلّ ؛ خصوصاً اللبّیات ؛ فإنّه یجوز التمسّک بالعامّ فیها فی الشبهات المصداقیة ؛‏‎ ‎‏فضلاً عن الشبهات المفهومیة .‏

‏والسرّ فی ذلک : هو أنّ العقل لا یخرج العنوان عن تحت العموم ، بل یخرج‏‎ ‎‏ذوات المصادیق الخارجیة ، فالشکّ یکون شکّاً فی التخصیص الزائد ، ولا یکون‏‎ ‎‏الشبهة مصداقیة ، کالمخصّصات اللبّیة .‏

‏فإن قلت : المخصّصات اللبّیة الحافّة بالکلام ـ کما فیما نحن فیه ـ یسری‏‎ ‎‏إجمالها إلی العامّ ، کالمخصّصات اللفظیة المتّصلة المجملة .‏

‏قلت ـ مضافاً إلی أنّه یمکن منع کون المخصّص هنا من الضروریات‏‎ ‎‏المرتکزة فی الأذهان ـ أنّ هذا مسلّم إذا کان الخارج عنواناً واقعیاً غیر مختلف‏‎ ‎‏المراتب ، کالفسق المردّد بین مرتکب الکبیرة أو الأعمّ ، وأمّا إذا کان عنواناً ذا‏‎ ‎‏مراتب مختلفة ، وعلم بخروج بعض مراتبه عن العامّ وشکّ فی بعض آخر فلا ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الشکّ یرجع إلی التخصیص الزائد .‏

‏فإن قلت : التمسّک بالإطلاق فرع إمکان الإطلاق الواقعی ، وفیما نحن فیه‏‎ ‎‏یکون الشکّ فی صحّة الإطلاق النفس الأمری ؛ لاحتمال استهجان التکلیف .‏

‏قلت : هذا ممنوع ؛ لأنّ التمسّک بالإطلاق لو کان فرع الإمکان الواقعی‏‎ ‎‏لما جاز التمسّک به مطلقاً ؛ لأنّ کلّیة الموارد یصیر الشکّ فیه من قبیل إمکان‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 236
‏الإطلاق النفس الأمـری ؛ خصوصاً علی مـذهب العدلیـة مـن تبعیة الأحکام‏‎ ‎‏للمصالح والمفاسد .‏

‏فإنّ الشکّ یرجع إلی الشکّ فی وجود مصلحة أو مفسدة ، ویمتنع الإطلاق مع‏‎ ‎‏عدمهما ، فکما أنّ الإطلاق یکشف عن المصلحة النفس الأمریة فکذلک یکشف عن‏‎ ‎‏عدم الاستهجان‏‎[4]‎‏ ، انتهی کلامه .‏

ولا یخفی : أنّ فی کلامه أنظاراً ، نشیر إلی مهمّاتها :

‏منها :‏‏ أنّ المخصّص اللبّی یسری إجماله إلی العامّ مطلقاً ؛ ضروریاً کان‏‎ ‎‏أو نظریاً :‏

‏أمّا الأوّل : فلأنّه بحکم المتّصل اللفظی یمنع عن انعقاد الظهور إلاّ فی العامّ‏‎ ‎‏المقیّد بالعنوان المردّد بین الأقلّ والأکثر ، کالعلماء العدول ، فلا یثبت حجّیته إلاّ فی‏‎ ‎‏المتیقّن لا المشکوک .‏

‏وأمّا الثانی : فلأنّه بعد الانتقال إلی حکم العقل ـ ولو بعد برهة من الدهر ـ‏‎ ‎‏یستکشف عن أنّ ما تخیّله من العموم کان أمراً غیر صحیح ، بل کان الکلام من أوّل‏‎ ‎‏الأمر مقیّداً بغیر عنوان المخصّص لوجود حکم العقل فی زمن الصدور ؛ وإن کان‏‎ ‎‏المکلّف غیر ملتفت .‏

‏فما یظهر من کلامه من حصر سرایة الإجمال بما إذا کان ضروریاً لا نظریاً‏‎ ‎‏غیر سدید ؛ فإنّ العقل یکشف عن أنّ الخطاب لم یکن متوجّهاً إلی الخارج عـن‏‎ ‎‏محلّ الابتلاء . ففرق بین ورود المخصّص منفصلاً وبین الغفلة عن الواقع وحصول‏‎ ‎‏العلم بعد برهة بمحدودیة الخطاب وتقییده من أوّل الأمر .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ المقام نظیر کشف القرینة اللفظیة الحافّة بالکلام بعد‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 237
‏حین ، فکما أنّها یسقط العامّ عن الحجّیة فی غیر القدر المتیقّن ، فهکذا المخصّص‏‎ ‎‏العقلی . أضف إلی ذلک : أنّ منع کون المخصّص هنا ضروریاً مرتکزاً فی الأذهان‏‎ ‎‏قابل للمنع .‏

ومنها :‏ أنّ إجمال المخصّص الحافّ بالکلام ـ سواء کانت لفظیاً متّصلاً به أو‏‎ ‎‏لبّیاً ـ یسری إلی العامّ ، نعم لو کان لفظیاً منفصلاً فلا یسری ؛ لانعقاد ظهوره فی‏‎ ‎‏جمیع الأفراد وحجّیته فی العموم ، إلی أن یقوم دلیل آخر أقوی منه ؛ حتّی یصحّ رفع‏‎ ‎‏الید عن الحجّة بالحجّة ، والمفروض عدم قیامها إلاّ فی الأقلّ دون الأکثر . وأمّا‏‎ ‎‏الحافّ بالکلام ـ سواء کان لفظیاً أو لبّیاً ـ فیسری إجماله إلیه ؛ لعدم انعقاد ظهور له‏‎ ‎‏إلاّ فی المقدار المتقیّد ، والمفروض دوران الأمر فی المخصّص بین الأقلّ والأکثر ،‏‎ ‎‏فلا یکون العامّ حجّة إلاّ فی القدر المتیقّن . ولأجل ذلک لا یجوز التمسّک فی‏‎ ‎‏الشبهات المصداقیة فی المخصّص اللبّی أیضاً ، بلا فرق بینه والمخصّص اللفظی .‏

‏والحاصل : أنّ العامّ المحفوف بالعنوان المجمل المردّد بین الأقلّ والأکثر‏‎ ‎‏لیس له ظهور إلاّ فی العامّ المقیّد بالمجمل المردّد بین الأقلّ والأکثر ، فلا یثبت‏‎ ‎‏حجّیته إلاّ فی المتیقّن لا المشکوک .‏

‏فإن قلت : یمکن أن یکون سرّ عدم سرایته هو أنّ العقل یخرج ذوات‏‎ ‎‏المصادیق لا العنوان حتّی یصیر الشبهة مصداقیة ، بل یصیر من قبیل التخصیص‏‎ ‎‏الزائد .‏

‏قلت : هذا ما أفاده بعض أعاظم العصر ‏‏قدس سره‏‏ ، تبعاً لما أفاده الشیخ الأعظم‏‎ ‎‏ـ طیّب الله رمسه‏‎[5]‎‏ ـ إلاّ أنّ ذلک ممنوع ؛ فإنّ الأفراد تخرج عن تحت العامّ عند‏‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 238
‏العقل بملاک واحد ، وقد یخرج کلّ فرد بملاک یخصّه .‏

‏فلو کان من قبیل الثانی کان لما ذکره من التوجیه وجه ، کما هو الحال‏‎ ‎‏فی المخصّص اللفظی إذا کان خروج کلّ فرد بعنوان یخصّه ، وأمّا إذا کان من قبیل‏‎ ‎‏الأوّل فلا ؛ لأنّ الإخراج کلّه بملاک واحد . فخروج الفرد المشکوک خروجه لا‏‎ ‎‏یستلزم تخصیصاً زائداً .‏

‏فلو قال المولی : «أکرم جیرانی» ، وحکم العقل بحرمة إکرام أعداء المولی فلا‏‎ ‎‏إشکال أنّ المخرج هو العنوان الوحدانی ، والمخصّص واحد لا کثیر ، والشبهة‏‎ ‎‏مصداقیة . وخروج الفرد المشکوک لا یستلزم تخصیصاً آخر ؛ فلا یجوز التمسّک فیه‏‎ ‎‏بعین ما ذکر فی المخصّص اللفظی المتّصل .‏

‏فإن قلت : إنّ ما ذکر إنّما یصحّ لو کانت الجهات تقییدیة ، فیصیر المخرج هو‏‎ ‎‏العنوان المقیّد ، وأمّا إذا کانت تعلیلیة فالخارج هی الأفراد لأجل تلک العلّة .‏

‏قلت : قد حقّق فی محلّه أنّ الجهات التعلیلیة فی الأحکام العقلیة ترجع إلی‏‎ ‎‏الجهات التقییدیة ، فلو قیل : «لا تشرب الخمر ؛ لأنّه مسکر» فالموضوع فی القضیة‏‎ ‎‏اللفظیة إنّما هو الخمر لکونها مسکراً ، لکن ما هو المحرّم لبّاً فی إدراک العقل إنّما هو‏‎ ‎‏المسکر لا غیر . فظهر : أنّه لا فرق بین المخصّص اللفظی واللبّی .‏

ومنها :‏ أنّ ما أفاده من الفرق بین المخصّص الذی هو ذا مراتب ـ کالخروج‏‎ ‎‏عن محلّ الابتلاء ـ وما لیس کذلک ـ کالفاسق ـ فیجوز التمسّک بالعامّ فی الأوّل فی‏‎ ‎‏اللفظی واللبّی معاً ، من غرائب الآراء ؛ إذ أیّ فرق بین الفسق والخروج عن محلّ‏‎ ‎‏الابتلاء ؛ حیث جعل الثانی مختلف المراتب دون الأوّل ؟ ! مع أنّ الخروج عن طاعة‏‎ ‎‏الله له مراتب مختلفة ؛ فإنّ مرتبة ارتکاب الصغائر غیر مرتبة ارتکاب الکبائر‏‎ ‎‏وأضعف منها ، وهو یباین مع ارتکاب الموبقات من الذنوب مرتبة .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 239
‏وعلی ذلک : فربّما یشکّ فی أنّ الخارج عن العامّ هل هو مطلق من خرج عن‏‎ ‎‏طاعة الله ، أو الخارج عنه مرتبة خاصّة منه ، کما ربّما یقال : إنّ البلاد مختلفة ،‏‎ ‎‏فالواقع فی أقاصی العالم یعدّ خارجاً عن محلّ الابتلاء ، وإنّما الشکّ فی الأواسط‏‎ ‎‏والأدانی . ولعلّ کون الفاسق ذا مراتب أولی من کونه ذا مراتب ، کما لا یخفی .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ ما ادّعاه من الکبری غیر مسلّم ؛ فإنّ الإجمال یسری إلی‏‎ ‎‏العامّ إذا کان المخصّص متّصلاً ـ وإن کان مقولاً بالتشکیک ـ فلو قال المولی : «أکرم‏‎ ‎‏العلماء إلاّ الأبیض منهم» وشککنا فی أنّ الخارج هل هو الأبیض الشدید أو الأعمّ‏‎ ‎‏منه فلا یجوز التمسّک به فی غیر المتیقّن خروجه ؛ لأنّه من قبیل التمسّک بالعامّ فی‏‎ ‎‏الشبهة المصداقیة بالنسبة إلی نفس العامّ لا المخصّص ؛ إذ لیس للکلام إلاّ ظهور‏‎ ‎‏واحد ، فمع إجمال القید لا یعقل عدم السرایة .‏

ومع ذلک کلّه :‏ فعدّ المقام من قبیل الشبهة المفهومیة غیر صحیح ؛ لأنّ معناها‏‎ ‎‏أنّ المفهوم مجمل فی دائرة المفهومیة ، فلا یعلم انطباقه علی موضوع حسب الوضع‏‎ ‎‏اللغوی أو العرفی کالفاسق ؛ إذ هو مجمل حسب المعنی الموضوع له ، فلا نعلم أنّ‏‎ ‎‏معناه هو مرتکب الکبائر أو الأعمّ ، فیکون الشکّ فی انطباق مفهوم الفاسق علی‏‎ ‎‏مرتکب الصغیرة .‏

‏وأمّا إذا علم : أنّ له مفهوماً معیّناً ذا مراتب ، وشکّ فی أنّ الخارج أیّ مرتبة‏‎ ‎‏منه فهو داخل فی إجمال المراد وخارج عن الشبهة المفهومیة ؛ لکون المفهوم مبیّناً .‏

ثمّ إنّ ما أفاده :‏ من أنّ التمسّک بالإطلاق لو کان مشروطاً بإحراز إمکان‏‎ ‎‏الإطلاق النفس الأمری لانسدّ باب التمسّک بها ؛ لاسیّما علی مذهب العدلیة .‏

ففیه :‏ أنّه فرق واضح بین قضیة استهجان الخطاب وغیره ؛ فإنّ البحث عن‏‎ ‎‏تبعیة الأحکام للمصالح والمفاسد بحث عقلی محض ، فقد تضاربت فیه آراء العدلیة‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 240
‏والأشاعرة‏‎[6]‎‏ ، ولیس العلم باشتمال الموضوع علی المفاسد والمصالح من مبادئ‏‎ ‎‏الاحتجاج فی محیط العقلاء ، بل الخطاب عند الشکّ فی التقیید والتخصیص تامّ‏‎ ‎‏متوجّه إلی المکلّف .‏

‏والأصل العقلائی الدائر عندهم یحکم بمطابقة الإرادة الاستعمالیة والجدّیة ،‏‎ ‎‏فعند الشکّ فی دخالة قید أو خروج فرد تصیر أصالتی العموم والإطلاق محکّمة ؛‏‎ ‎‏لتمامیة ما هو ملاک الحجاج عندهم . فحدیث المصالح والمفاسد ممّا یغفل عنه‏‎ ‎‏العامّة ، وإنّما یبحث عنهما العلماء الباحثون عن دقائق المسائل .‏

‏فلو سمع العبد فی محیط العقلاء قول المولی : «أکرم العلماء» یقف علی أنّ‏‎ ‎‏تمام الموضوع هو العلماء ، ولو شکّ فی دخول فرد أو دخالة شیء یحکم بالعموم‏‎ ‎‏والإطلاق علی عدم دخالة شیء أو عدم خروجه ، من غیر التفات إلی إمکان إطلاق‏‎ ‎‏النفس الأمری علی مسلک العدلیة .‏

‏وأمّا المقام : فاستهجان الخطاب فی الموارد الخارجة عن محلّ الابتلاء لیس‏‎ ‎‏مخفیاً علی أحد ؛ فلو شکّ فی استهجان الخطاب لأجل الشکّ فی کونه مورد‏‎ ‎‏الابتلاء أو لا لما صحّ التمسّک بالإطلاق لکشف حاله ؛ إذ التمسّک بالإطلاق فرع‏‎ ‎‏إحراز إمکانه بهذا المعنی .‏

‏هذا کلّه علی مبانی القوم ، وقد عرفت أنّه لا مناص عن البراءة‏‎[7]‎‏ .‏

وأمّا علی المختار‏ فلزوم الاحتیاط ممّا لا غبار علیه ، ویعلم وجهه‏‎ ‎‏ممّا قدّمناه‏‎[8]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 241

  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 465 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 55 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 237 ـ 238 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 57 ـ 62 .
  • )) مطارح الأنظار : 194 / السطر 26 .
  • )) راجع کشف المراد : 306 و 319 ، شرح المواقف 8 : 202 ، شرح المقاصد 4 : 301 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 234 ـ 235 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 228 و 235 .