مختار المحقّق الخراسانی فی الکتاب وهامشه
إنّ المحقّق الخراسانـی رحمه الله اختار سقوط العلم عـن التأثیر مطلقاً ؛ معلّلاً بأنّ جـواز ارتکاب أحـد الأطـراف أو ترکـه تعییناً أو تخییراً ینافی العلم بحرمـة المعلوم أو بوجوبه بینها فعلاً ، ونفی قدس سره الفرق بین سبق الاضطرار علی العلم ولحوقـه ؛ معلّلاً بأنّ التکلیف المعلوم بینها یکون محـدوداً بعـدم عروض
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 222
الاضطـرار إلی متعلّقه من أوّل الأمر .
وبهذا فرّق بین فقد بعض الأطراف بعد تعلّق العلم وبین الاضطرار إلیه بعده ؛ حیث أوجب الاحتیاط فی الأوّل دون الثانی .
ثمّ إنّه رجع فی هامش الکتاب عمّا ذکره ، وفصّل بین الاضطرار إلی أحدهما لا بعینه والاضطرار إلی المعیّن ، وأوجب الاحتیاط فی الثانی دون الأوّل ؛ معلّلاً بأنّ العلم الإجمالی بالتکلیف الفعلی المحدود فی هذا الطرف أو المطلق فی الطرف الآخر یکون منجّزاً ، وأمّا إذا عرض الاضطرار إلی أحدهما لا بعینه فإنّه یمنع عن فعلیة التکلیف مطلقاً ، انتهی ملخّصاً .
وفیه مواقع للنظر :
منها : منع کون الاضطرار العقلی من حدود التکالیف وقیوده ؛ فإنّ الاضطرار العقلی بمعنی عجز المکلّف عن القیام بوظائفه یوجب معذوریة المکلّف لترک المأمور به ، فلا یکون للمولی حجّة علیه ، بل له الحجّة علیه . وهذا أمر آخر غیر محدودیة التکلیف وتقیّده .
وإن أراد الاضطرار العرفی الذی إلیه مآل حدیث الرفع فهو وإن کان من حدوده الشرعیة إلاّ أنّک قد عرفت أنّ ما هو متعلّق التکلیف عند الاضطرار إلی غیر المعیّن غیر ما هو متعلّق الاضطرار ، ولا مصادمة بین حدیث الرفع وأدلّة التکالیف ؛ لعدم عروض الاضطرار إلی متعلّق التکلیف .
ومنها : أنّ التفریق بین فقد المکلّف به وعروض الاضطرار فیما نحن فیه لا یرجع إلی محصّل ؛ فإنّ الکبریات الکلّیة إنّما تحتجّ بها عند وجود موضوعاتها ،
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 223
ولا یصحّ أن یحتجّ بالکبری علی الصغری .
وعلیه : فلو فقد بعض الأطراف قبل حدوث العلم الإجمالی ، ثمّ علم إجمالاً بأنّ الخمر إمّا هو المفقود وإمّا هو الموجود فلا یؤثّر العلم أصلاً ، نظیر الاضطرار إلی المعیّن قبل حدوث العلم . ولو فقد بعض الأطراف بعد حدوث العلم یکون العلم حجّة علی الطرف الموجود ؛ لأجل احتمال انطباق التکلیف المنجّز سابقاً علیه . وهذا التفصیل یجیء بعینه عند الاضطرار إلی المعیّن .
ومنها : أنّ ما اختاره من عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر عند الاضطرار إلی غیر المعیّن ؛ قائلاً بمنافاته مع التکلیف فی البین غیر صحیح ؛ إذ لا مزاحمة بینهما کما عرفت . وکون مختار المکلّف منطبقاً علی المحرّم الواقعی أحیاناً لا یوجب کون التکالیف الواقعیة متقیّداً باختیار المکلّف وعدمه .
وعلیه : فلا مانع من أن یرخّص فی أحدهما لا بعینه ویحرّم الخمر الواقعی ؛ لتباین المتعلّقین فی مقام الإنشاء ورتبة التکالیف .
ألا تری أنّه لو وقف المکلّف فی مقام رفع الاضطرار علی الخمر الواقعی لوجب علیه رفع الاضطرار بغیر مورد التکلیف . وهذا أوضح دلیل علی عدم المزاحمة فی رتبة التکلیف . وکان الألیق عدوله إلی ما ذکرنا فی هامش «الکفایة» ، کما لا یخفی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 224