فی الاضطرار إلی بعض الأطراف الغیر المعیّن
منها : إذا اضطرّ إلی غیر المعیّن فالتحقیق وجوب الاجتناب مطلقاً عن الطرف الآخر ؛ لعدم الاضطرار إلی مخالفة التکلیف الواقعی ، بل ما تعلّق به الاضطرار غیر ما تعلّق به التکلیف ، بخلاف ما إذا اضطرّ إلی مخالفة واحد من الأطراف معیّناً .
توضیحه : أنّ متعلّق التکلیف عند الاضطرار إلی الواحد المعیّن یحتمل أن یکون عین ما تعلّق به الاضطرار ، ومع هذا الاحتمال لا یبقی علم بالتکلیف المنجّز الصالح للاحتجاج ، بل الأمر یدور بین التکلیف الصالح له وغیر الصالح له ، ومرجع ذلک إلی الشکّ فی التکلیف .
وأمّا المقام فالمفروض : أنّ الاضطرار لم یتعلّق بواحد معیّن حتّی یکون مضطرّاً فی ارتکابه ، ولا یمکن له العدول إلی غیره ؛ وإن فرضنا انکشاف الواقع ، بل متعلّق الاضطرار إنّما هو إحدی الإنائین ؛ بحیث لو کشف الواقع علیه یجب العدول إلی غیر المحرّم ؛ لکون الآخر غیر المحرّم یندفع به الاضطرار بلا محذور .
وعلیه : فمتعلّق الاضطرار فی نفس الأمر غیر ما تعلّق به التکلیف ، وهذا بخلاف الاضطرار إلی المعیّن .
وبالجملة : ما هو متعلّق التکلیف غیر ما اضطرّ إلیه ؛ وإن کان ربّما ینطبق علیه إلاّ أ نّه من آثار الجهل لا الاضطرار ؛ بحیث لو ارتفع الجهل لما وقع فی ارتکابـه أصلاً . وهذا بخلاف الاضطرار إلی المعیّن ؛ إذ لو تبیّن کونه خمراً لما کان له مناص عن ارتکابه .
وعلیه : فلابدّ من التفکیک ـ أی تفکیک ما هو من لوازم الجهل وما هو من لوازم الاضطرار ـ فشرب الخمر عند الاضطرار إلی الواحد المعیّن لو صادف المحرّم
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 221
من آثار الاضطرار إلیه ، کما أنّ شربها عند الاضطرار إلی غیر المعیّن من آثار الجهل ؛ لإمکان دفعه بالإناء الآخر .
وبما ذکرنا یندفع ما ربّما یقال : من أ نّه لو اختار ما هو الخمر واقعاً مع الجهل کشف ذلک کون متعلّق الاضطرار فی نفس الأمر هو متعلّق الحرمة .
وجه الاندفاع : أنّ ما ذکر راجع إلی مقام الامتثال ، واختیار ما هو الخمر واقعاً لا یوجب تعلّق الاضطرار به واقعاً ، وقد عرفت أنّ متعلّقه إنّما هو واقع أحدهما لا بعینه .
وبتقریب آخر ـ وقد مرّ توضیحه عند الاضطرار إلی الواحد المعیّن بعد تنجّز التکلیف ـ أنّ العلم علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعیة ، ومع عدم إمکانها یحکم بوجوب الموافقة الاحتمالیة ؛ ولذا لا یجوز شرب الإناء الاُخری عند إراقة أحدهما أو شربها عمداً ؛ حفظاً لآثار العلم . فلا یرفع الید إلاّ بمقدار الاضطرار ، والشکّ فی فعلیة التکلیف بعد اختیار واحد من الأطراف ؛ لإمکان کون المأتی به مورد الاضطرار ، کالشکّ الحاصل بعد فقد أحدهما أو ارتکابه بلا اضطرار ، فالعلم الإجمالی بعد الاضطرار صالح للاحتجاج بالنسبة إلی الموافقة الاحتمالیة ؛ کان الاضطرار سابقاً أو مسبوقاً .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 222