المقصد السابع فی الاُصول العملیة

فی الاضطرار إلی بعض الأطراف الغیر المعیّن

فی الاضطرار إلی بعض الأطراف الغیر المعیّن

‏ ‏

منها :‏ إذا اضطرّ إلی غیر المعیّن فالتحقیق وجوب الاجتناب مطلقاً عن الطرف‏‎ ‎‏الآخر ؛ لعدم الاضطرار إلی مخالفة التکلیف الواقعی ، بل ما تعلّق به الاضطرار غیر‏‎ ‎‏ما تعلّق به التکلیف ، بخلاف ما إذا اضطرّ إلی مخالفة واحد من الأطراف معیّناً .‏

توضیحه :‏ أنّ متعلّق التکلیف عند الاضطرار إلی الواحد المعیّن یحتمل أن‏‎ ‎‏یکون عین ما تعلّق به الاضطرار ، ومع هذا الاحتمال لا یبقی علم بالتکلیف المنجّز‏‎ ‎‏الصالح للاحتجاج ، بل الأمر یدور بین التکلیف الصالح له وغیر الصالح له ، ومرجع‏‎ ‎‏ذلک إلی الشکّ فی التکلیف .‏

‏وأمّا المقام فالمفروض : أنّ الاضطرار لم یتعلّق بواحد معیّن حتّی یکون‏‎ ‎‏مضطرّاً فی ارتکابه ، ولا یمکن له العدول إلی غیره ؛ وإن فرضنا انکشاف الواقع ، بل‏‎ ‎‏متعلّق الاضطرار إنّما هو إحدی الإنائین ؛ بحیث لو کشف الواقع علیه یجب العدول‏‎ ‎‏إلی غیر المحرّم ؛ لکون الآخر غیر المحرّم یندفع به الاضطرار بلا محذور .‏

‏وعلیه : فمتعلّق الاضطرار فی نفس الأمر غیر ما تعلّق به التکلیف ، وهذا‏‎ ‎‏بخلاف الاضطرار إلی المعیّن .‏

وبالجملة :‏ ما هو متعلّق التکلیف غیر ما اضطرّ إلیه ؛ وإن کان ربّما ینطبق‏‎ ‎‏علیه إلاّ أ نّه من آثار الجهل لا الاضطرار ؛ بحیث لو ارتفع الجهل لما وقع فی‏‎ ‎‏ارتکابـه أصلاً . وهذا بخلاف الاضطرار إلی المعیّن ؛ إذ لو تبیّن کونه خمراً لما کان له‏‎ ‎‏مناص عن ارتکابه .‏

‏وعلیه : فلابدّ من التفکیک ـ أی تفکیک ما هو من لوازم الجهل وما هو من‏‎ ‎‏لوازم الاضطرار ـ فشرب الخمر عند الاضطرار إلی الواحد المعیّن لو صادف المحرّم‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 221
‏من آثار الاضطرار إلیه ، کما أنّ شربها عند الاضطرار إلی غیر المعیّن من آثار‏‎ ‎‏الجهل ؛ لإمکان دفعه بالإناء الآخر .‏

‏وبما ذکرنا یندفع ما ربّما یقال : من أ نّه لو اختار ما هو الخمر واقعاً مع الجهل‏‎ ‎‏کشف ذلک کون متعلّق الاضطرار فی نفس الأمر هو متعلّق الحرمة .‏

‏وجه الاندفاع : أنّ ما ذکر راجع إلی مقام الامتثال ، واختیار ما هو الخمر‏‎ ‎‏واقعاً لا یوجب تعلّق الاضطرار به واقعاً ، وقد عرفت أنّ متعلّقه إنّما هو واقع‏‎ ‎‏أحدهما لا بعینه .‏

‏وبتقریب آخر ـ وقد مرّ توضیحه عند الاضطرار إلی الواحد المعیّن بعد تنجّز‏‎ ‎‏التکلیف ـ أنّ العلم علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعیة ، ومع عدم إمکانها یحکم‏‎ ‎‏بوجوب الموافقة الاحتمالیة ؛ ولذا لا یجوز شرب الإناء الاُخری عند إراقة أحدهما‏‎ ‎‏أو شربها عمداً ؛ حفظاً لآثار العلم . فلا یرفع الید إلاّ بمقدار الاضطرار ، والشکّ فی‏‎ ‎‏فعلیة التکلیف بعد اختیار واحد من الأطراف ؛ لإمکان کون المأتی به مورد‏‎ ‎‏الاضطرار ، کالشکّ الحاصل بعد فقد أحدهما أو ارتکابه بلا اضطرار ، فالعلم‏‎ ‎‏الإجمالی بعد الاضطرار صالح للاحتجاج بالنسبة إلی الموافقة الاحتمالیة ؛ کان‏‎ ‎‏الاضطرار سابقاً أو مسبوقاً .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 222