جواز الترخیص فی بعض أطراف العلم الإجمالی إثباتاً
وأمّا الکلام فی الإثبات : أمّا أدلّة البراءة ، کحدیث الرفع والسعة فالظاهر عدم شمولها للمقام ؛ لما وافاک من أنّ المراد من العلم فی المقام لیس العلم الوجدانی ، بل المراد هو الحجّة ، والمفروض أنّ الحجّة قائمة علی الحرمة ، وقد تقدّم أنّه لا یقال للرجل الذی قامت الحجّة عنده علی التکلیف : إنّه ممّن لا یعلم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 204
وإن شئت قلت : إنّ هنا حجّة اُخری وراء الأمارة ؛ وهو حکم العقل بوجوب الاجتناب .
ومن هنا یعلم حال الاستصحاب ؛ فإنّ المراد من الیقین الواقع فی کبریات الاستصحاب هو الحجّة ، فمعنی قوله علیه السلام : «لا تنقض الیقین بالشکّ . . .» إلی آخره لا تنقض الحجّة باللاحجّة ، بل انقضه بحجّة اُخری . والمفروض حصول الغایة ـ وهی حکم العقل بوجوب الاجتناب ـ فلا مجری له لتحقّق الغایة .
ولو قیل : إنّ الحجّة فی أطراف العلم قامت علی الواقع فی البین ، لا علی الأطراف .
قلنا : إنّ الأمارة قامت علی الواقع فی البین ، وهی حجّة علی کلّ من الأطراف لو صادفت الواقع ، ومعه یکون کلّ من الأطراف من الشبهة المصداقیة لأدلّة الاُصول . بل یمکن دعوی انصراف أدلّتها ـ لاسیّما أدلّة الاستصحاب ـ إلی الشکّ الساذج لا المقرون بالعلم الإجمالی .
وأمّا موثّقة مسعدة : فقد تقدّم أنّها مشتملة علی أمثلة لیست من صغریاتها ، فعلی ذلک لا یبقی للکبری المذکورة فیها ظهور فی کونها ضابطاً فقهیاً مطّرداً فی الأبواب .
وأمّا روایات الحلّ : فقد عرفت أنّ غیر صحیحة عبدالله بن سنان مخـدوش من حیث السند ، بل لا یبعد ورودها فی الشبهة الغیر المحصورة ، کما یشهد به بعضها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 205
وأمّا الصحیحة : فظاهرها حلّ ما اختلط الحلال بالحـرام جمیعاً ، ولو رفع الید عنـه ـ لکون مفاده غیر معمول بـه ـ فلا یبقی لها مفاد بالنسبـة إلی الترخیص فی بعض الأطراف .
وأمّا تقریب دلالتها علی الترخیص فی بعض الأطراف ببیان : أنّ لها عموماً أفرادیاً وإطلاقاً أحوالیاً بالنسبة إلی حال ترک الآخر وفعله ؛ فیقتصر فی التقیید علی القدر المتیقّن ، فیصیر النتیجة هی الترخیص فی أحدهما .
فغیر صحیح جدّاً ؛ لأنّ هذا التقریب إنّما یجری ـ کما سیوافیک بیانه ـ فی قوله علیه السلام : «کلّ شیء حلال حتّی تعلم أنّه حرام بعینه» لا فی المقام ؛ لأنّ مصادیق العموم الأفرادی فی الصحیحة إنّما هو کلّ مختلط ؛ أی کلّ فرد فرد من أفراد الاجتماع الذی فیه الحلال والحرام . وأمّا أطراف المعلوم بالإجمال فلیس فی کلّ واحد منها الحلال والحرام . فموضوع الحکم فیها هو کلّ مختلط .
فجعل الحلّ لها وإطلاقها الأحوالی یقتضی الحلّیة فی کلّ مختلط ؛ ارتکب المختلط الآخر أو لا ، ومقتضی التقیید هو الإجازة فی المخالفة القطعیة فی بعض المصادیق حال ترک البعض ، وهو خلاف المقصود .
وأمّا بالنسبة إلی أجزاء کلّ مختلط فلا حکم مستقلاًّ حتّی یؤخذ بإطلاقه ، بل حکم واحد مجعول لکلّ مجتمع فیه الحلال والحرام ، والأجزاء محکوم بهذا الحکم الوحدانی ، فلا معنی للإطلاق المتقدّم فیها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 206