المقصد السابع فی الاُصول العملیة

جواز الترخیص فی بعض أطراف العلم الإجمالی إثباتاً

جواز الترخیص فی بعض أطراف العلم الإجمالی إثباتاً

‏ ‏

وأمّا الکلام فی الإثبات :‏ أمّا أدلّة البراءة ، کحدیث الرفع‏‎[1]‎‏ والسعة‏‎[2]‎‏ فالظاهر‏‎ ‎‏عدم شمولها للمقام ؛ لما وافاک من أنّ المراد من العلم فی المقام لیس العلم‏‎ ‎‏الوجدانی ، بل المراد هو الحجّة‏‎[3]‎‏ ، والمفروض أنّ الحجّة قائمة علی الحرمة ، وقد‏‎ ‎‏تقدّم أنّه لا یقال للرجل الذی قامت الحجّة عنده علی التکلیف : إنّه ممّن لا یعلم .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 204
‏وإن شئت قلت : إنّ هنا حجّة اُخری وراء الأمارة ؛ وهو حکم العقل بوجوب‏‎ ‎‏الاجتناب .‏

‏ومن هنا یعلم حال الاستصحاب ؛ فإنّ المراد من الیقین الواقع فی کبریات‏‎ ‎‏الاستصحاب هو الحجّة ، فمعنی قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا تنقض الیقین بالشکّ . . .»‏ إلی آخره‏‎ ‎‏لا تنقض الحجّة باللاحجّة ، بل انقضه بحجّة اُخری . والمفروض حصول الغایة‏‎ ‎‏ـ وهی حکم العقل بوجوب الاجتناب ـ فلا مجری له لتحقّق الغایة .‏

‏ولو قیل : إنّ الحجّة فی أطراف العلم قامت علی الواقع فی البین ، لا علی‏‎ ‎‏الأطراف .‏

‏قلنا : إنّ الأمارة قامت علی الواقع فی البین ، وهی حجّة علی کلّ من‏‎ ‎‏الأطراف لو صادفت الواقع ، ومعه یکون کلّ من الأطراف من الشبهة المصداقیة‏‎ ‎‏لأدلّة الاُصول . بل یمکن دعوی انصراف أدلّتها ـ لاسیّما أدلّة الاستصحاب ـ إلی‏‎ ‎‏الشکّ الساذج لا المقرون بالعلم الإجمالی .‏

‏وأمّا موثّقة مسعدة : فقد تقدّم أنّها مشتملة علی أمثلة لیست من صغریاتها‏‎[4]‎‏ ،‏‎ ‎‏فعلی ذلک لا یبقی للکبری المذکورة فیها ظهور فی کونها ضابطاً فقهیاً مطّرداً فی‏‎ ‎‏الأبواب .‏

‏وأمّا روایات الحلّ : فقد عرفت أنّ غیر صحیحة عبدالله بن سنان‏‎[5]‎‏ ‏‎ ‎‏مخـدوش من حیث السند‏‎[6]‎‏ ، بل لا یبعد ورودها فی الشبهة الغیر المحصورة ،‏‎ ‎‏کما یشهد به بعضها‏‎[7]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 205
‏وأمّا الصحیحة : فظاهرها حلّ ما اختلط الحلال بالحـرام جمیعاً ، ولو رفع‏‎ ‎‏الید عنـه ـ لکون مفاده غیر معمول بـه ـ فلا یبقی لها مفاد بالنسبـة إلی الترخیص‏‎ ‎‏فی بعض الأطراف .‏

‏وأمّا تقریب دلالتها علی الترخیص فی بعض الأطراف ببیان : أنّ لها عموماً‏‎ ‎‏أفرادیاً وإطلاقاً أحوالیاً بالنسبة إلی حال ترک الآخر وفعله ؛ فیقتصر فی التقیید علی‏‎ ‎‏القدر المتیقّن ، فیصیر النتیجة هی الترخیص فی أحدهما .‏

‏فغیر صحیح جدّاً ؛ لأنّ هذا التقریب إنّما یجری ـ کما سیوافیک بیانه ـ فی‏‎ ‎‏قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء حلال حتّی تعلم أنّه حرام بعینه»‎[8]‎‏ لا فی المقام ؛ لأنّ‏‎ ‎‏مصادیق العموم الأفرادی فی الصحیحة إنّما هو کلّ مختلط ؛ أی کلّ فرد فرد من‏‎ ‎‏أفراد الاجتماع الذی فیه الحلال والحرام . وأمّا أطراف المعلوم بالإجمال فلیس فی‏‎ ‎‏کلّ واحد منها الحلال والحرام . فموضوع الحکم فیها هو کلّ مختلط .‏

‏فجعل الحلّ لها وإطلاقها الأحوالی یقتضی الحلّیة فی کلّ مختلط ؛ ارتکب‏‎ ‎‏المختلط الآخر أو لا ، ومقتضی التقیید هو الإجازة فی المخالفة القطعیة فی بعض‏‎ ‎‏المصادیق حال ترک البعض ، وهو خلاف المقصود .‏

‏وأمّا بالنسبة إلی أجزاء کلّ مختلط فلا حکم مستقلاًّ حتّی یؤخذ بإطلاقه ، بل‏‎ ‎‏حکم واحد مجعول لکلّ مجتمع فیه الحلال والحرام ، والأجزاء محکوم بهذا الحکم‏‎ ‎‏الوحدانی ، فلا معنی للإطلاق المتقدّم فیها .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 206

  • )) الخصال : 417 / 9 ، التوحید ، الصدوق : 353 / 24 ، وسائل الشیعة 15 : 369 ، کتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحدیث 1 .
  • )) عوالی اللآلی 1 : 424 / 109 ، مستدرک الوسائل 18 : 20 ، کتاب الحدود ، أبواب مقدّمات الحدود ، الباب 12 ، الحدیث 4 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 193 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 192 ـ 193 .
  • )) تقدّمت فی الصفحة 186 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 190 ـ 191 .
  • )) وهی روایة عبدالله بن سلیمان التی تقدّمت فی الصفحة 186 ـ 187 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 192 .