المقصد السابع فی الاُصول العملیة

تنقیح محلّ النزاع فی المقام

تنقیح محلّ النزاع فی المقام

‏ ‏

‏اختلفت الآراء فی کون العلم بالحکم إجمالاً هل هو علّة تامّة لوجوب‏‎ ‎‏الموافقة وحرمة المخالفة ، أو مقتضٍ بالنسبة إلیهما ، أو علّة تامّة بالنسبة إلی‏‎ ‎‏أحدهما دون الآخر ؟ یظهر الثمرة فی إمکان الترخیص بالنسبة إلی بعض الأطراف‏‎ ‎‏أو کلّها .‏

‏وبما أنّ محلّ النزاع غیر منقّح فی کلام الأجلّة ـ حتّی أنّ الشیخ الأعظم‏‎ ‎‏لا یخلو کلامه عن اختلاط ـ فنقول : إنّ تنقیح البحث یحتاج إلی البحث فی مقامین :‏

الأوّل :‏ إذا علم علماً وجدانیاً لا یحتمل الخلاف بالتکلیف الفعلی الذی لا‏‎ ‎‏یرضی المولی بترکه فلا شکّ أنّه یجب تحصیل الموافقة القطعیة وتحرم المخالفة‏‎ ‎‏ـ قطعیها أو محتملها ـ ولا مجال للبحث عن جواز الترخیص فی بعضها أو جمیعها‏‎ ‎‏ـ کانت الشبهة محصورة أو غیر محصورة ـ لا لأجل کون القطع منجّزاً أو کون‏‎ ‎‏تحصیل الموافقة واجباً أو تحصیل المخالفة حراماً ، بل لأجل لزوم اجتماع‏‎ ‎‏النقیضین ؛ قطعاً أو احتمالاً .‏

‏ضرورة أنّ القطع بالإرادة الإلزامیة لا یجتمع مع احتمال الترخیص ـ فضلاً‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 178
‏عن القطع به ـ فإنّ الترخیص فی بعض الأطراف ـ ولو کانت الشبهة غیر محصورة ـ‏‎ ‎‏مع احتمال انطباق الواقع علی المورد المرخّص فیه ـ وإن کان ضعیفاً ـ لا یجتمع مع‏‎ ‎‏الإرادة الإلزامیة الحتمیة ، ولا أظنّ أنّ العلمین ـ الخوانساری والقمی‏‎[1]‎‏ ـ جوّزا‏‎ ‎‏الترخیص فی هذه الصورة .‏

‏وأمّا الشیخ الأعظم ‏‏قدس سره‏‏ فیظهر من بعض کلماته کون النزاع عامّاً یشمل المقام‏‎ ‎‏الأوّل ؛ حیث جعل المانع عن جریان الاُصول لزوم الإذن فی المعصیة ووجود المانع‏‎ ‎‏عن جریانه فی عالم الثبوت‏‎[2]‎‏ ؛ وإن کان یظهر من بعض کلماته کون النزاع فی غیر‏‎ ‎‏هذا المقام‏‎[3]‎‏ ، وهذا هو الذی یصلح أن یبحث عنه فی باب القطع .‏

المقام الثانی :‏ إذا علمنا حرمة شیء أو وجوبه ، لا بعلم وجدانی بل بشمول‏‎ ‎‏إطلاق الدلیل أو عمومه علی المورد ـ کما إذا قال : «لا تشرب الخمر» ، وشمل‏‎ ‎‏بالإطلاق علی الخمر المردّد بین الإنائین ـ فهل یمکن الترخیص بأدلّة الاُصول‏‎ ‎‏بتقیید إطلاق الدلیل أو لا ؟ وهذا هو الذی ینبغی أن یبحث عنه فی المقام .‏

‏ومثله إذا علم إجمالاً بقیام حجّة علی هذا الموضوع أو ذاک ، کما إذا علم‏‎ ‎‏بقیام أمارة معتبرة إمّا بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة ، إلی غیر ذلک ممّا یعدّ من‏‎ ‎‏أقسام المتباینین .‏

ویظهر من بعض کلمات الشیخ الأعظم :‏ أنّه محطّ البحث ؛ حیث استدلّ علی‏‎ ‎‏حرمة المخالفة القطعیة بوجود المقتضی للحرمة وعدم المانع عنها : أمّا ثبوت‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 179
‏المقتضی فلعموم دلیل تحریم ذلک العنوان المشتبه ؛ فإنّ قول الشارع : «اجتنب عن‏‎ ‎‏الخمر» یشمل الخمر الموجود المعلوم بین الإنائین . . . إلی آخر ما أفاده‏‎[4]‎‏ .‏

ومن ذلک :‏ ما أفاده فی ذیل المطلب الثانی ؛ حیث قال : الکلام یقع فی مثل ما‏‎ ‎‏ذکرنا فی أوّل الباب ـ أی الشبهة التحریمیة فی الشکّ فی المکلّف به ـ لأنّه إمّا‏‎ ‎‏یشتبه الواجب بغیر الحرام من جهة عدم النصّ المعتبر أو إجماله أو تعارض‏‎ ‎‏النصّین ، أو من جهة اشتباه الموضوع ؛ أمّا الاُولی : فالکلام فیه إمّا فی جواز المخالفة‏‎ ‎‏القطعیة فی غیر ما علم بإجماع أو ضرورة حرمتها . . . إلی آخر ما أفاده‏‎[5]‎‏ .‏

‏فهذه الکلمات وأضرابه یعیّن محطّ البحث ، وأنّ البحث فی غیر ما علم‏‎ ‎‏وجداناً وجود تکلیف قطعی لا یرضی المولی بترکه .‏

ثمّ إنّ للمقام الثانی صورتین :

‏الاُولی :‏‏ إذا علم المکلّف ـ علماً جازماً ـ بأنّ التکلیف الواقعی علی فرض‏‎ ‎‏تحقّقه فعلی لا یرضی المولی بترکه . وهذه الصورة أیضاً خارجة عن محطّ البحث ؛‏‎ ‎‏لأنّه مع العلم بفعلیة التکلیف علی فرض تصادف الأمارة للواقع وتصادف المحتمل‏‎ ‎‏للأمارة لا یمکن الترخیص الفعلی بجمیع الأطراف أو بعضها ؛ لأنّ العلم بالترخیص‏‎ ‎‏مع العلم بفعلیة التکلیف علی فرض المصادفة غیر ممکن الاجتماع ، فمع العلم‏‎ ‎‏الثانی لا یمکن الأخذ بالأدلّة المرخّصة .‏

الثانیة :‏ تلک الصورة ، ولکن یحتمل ذلک ویحتمل مزاحمته لما هو أقوی‏‎ ‎‏ملاکاً ، کما سنشیر إلیه ، فیرفع الید عنه فی مقام التزاحم . فانحصر محطّ البحث‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 180
‏بالصورة الثانیة من المقام الثانی ؛ وهی صورة عدم العلم الوجدانی بالتکلیف الفعلی ؛‏‎ ‎‏لا فعلاً ولا تقدیراً .‏

‏وعلی فرض تصادف الأمارة یحتمل فعلیة الواقع ویحتمل عدمها ، ویصیر‏‎ ‎‏مآل البحث إلی أنّه بعدما قامت الحجّة الفعلیة علی التکلیف ـ من إطلاق أو عموم ـ‏‎ ‎‏هل هاهنا حجّة اُخری أقوی ـ أعنی أدلّة الاُصول ـ حتّی ترفع الید عن الحجّة‏‎ ‎‏الاُولی ویکون من قبیل دفع الحجّة بالحجّة ، أو لا ؟‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 181

  • )) مشارق الشموس : 77 / السطر 8 ، القوانین المحکمة 2 : 37 / السطر 3 ، اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 279 ـ 280 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 203 ـ 204 .
  • )) ستأتی کلمات الشیخ بعد أسطر .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 200 .
  • )) نفس المصدر 25 : 278 .