المقصد السابع فی الاُصول العملیة

أصالة عدم التذکیة فی الشبهة الموضوعیة

أصالة عدم التذکیة فی الشبهة الموضوعیة

‏ ‏

‏أمّا الشبهة الموضوعیة ؛ سواء کان مصبّ الشکّ نفس الحیوان ؛ بأن یشکّ فی‏‎ ‎‏أنّ هذا الحیوان هل ذکی أو لا ، أو کان أجزاؤه کما لو شکّ فی أنّ الجزء الفلانی‏‎ ‎‏ـ کالجلد ـ هل هو مأخوذ من المذکّی أو غیره ، أو من مشکوکه ممّا هو محلّ الابتلاء‏‎ ‎‏ـ علی القول بشرطیة الابتلاء فی تأثیر العلم الإجمالی ـ ففی جریان أصالة عدم‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 142
‏التذکیة مطلقاً ، أو التفصیل بین الصور إشکال ، وما نذکره من النقض والإبرام مع قطع‏‎ ‎‏النظر عن الإشکال السیّال الذی یعمّ عامّة الصور ـ حکمیة کانت أو موضوعیة ـ ولا‏‎ ‎‏بأس أن نشیر إلی صورها :‏

الاُولی :‏ لو ذبح الحیوان وشککنا فی وقوع التذکیة علیه ، أو اللحم المطروح‏‎ ‎‏فی الطریق المأخوذ من حیوان شکّ فی تذکیته ، وهذا ما تسالم فیه القوم علی‏‎ ‎‏جریان الأصل ، والحقّ معهم إذا أغمضنا النظر عن الإشکال السیّال .‏

الثانیة :‏ الجزء المأخوذ من أحد حیوانین نعلم أنّ أحدهما المعیّن مذکّی‏‎ ‎‏والآخر غیر مذکّی ، ولکن نشکّ فی أنّ هذا الجزء هل هو مأخوذ من هذا أو ذاک ؟‏

‏فإن قلنا : إنّ التذکیة من أوصاف الحیوان وعوارضه ، وإنّ الموصوف بها‏‎ ‎‏وبعدمها إنّما هو نفس الحیوان ، وإنّما تنسب إلی الأجزاء بتبع الحیوان فالجزء بما هو‏‎ ‎‏هو لا مذکّی ولا غیر مذکّی ، فلا شکّ فی خروج الجزء من مصبّ الأصل ، فیسقط‏‎ ‎‏أصالة عدم التذکیة فی الجلود واللحوم المتّخذة من أحد حیوانین نعلم حالهما تعیّناً ،‏‎ ‎‏ویرجع إلی أصالتی الحلّیة والطهارة .‏

‏وإن قلنا : باتّصاف الجزء بالتذکیة حقیقة ، وأنّ التذکیة یرد علی الجزء والکلّ‏‎ ‎‏عرضاً لا تبعاً فأصالة عدم التذکیة محکّمة فی الجزء ، مع الغضّ عن الإشکال‏‎ ‎‏السیّال .‏

الثالثة : ‏تلک الصورة ، ولکن اشتبه المذکّی بغیره ، ولم یکن فی المقام طریق‏‎ ‎‏إلی تشخیصهما ، ویتصوّر ذلک علی وجوه :‏

‏فإنّ الحیوانین إمّا أن یکونا فی مورد الابتلاء ، أو کان کـلّ واحـد خارجاً‏‎ ‎‏عـن محلّ الابتلاء ، أو کان المتّخذ منه داخلاً والآخـر خارجاً ، أو بالعکس ؛ فهنا‏‎ ‎‏وجوه أربعة :‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 143
الأوّل :‏ إذا کان الحیوانان فی محلّ الابتلاء ؛ فإن قلنا بأنّ المانع من جریان‏‎ ‎‏الأصل فی أطراف العلم الإجمالی هو المخالفة العملیة ، وأنّه لولا المخالفة لما کان‏‎ ‎‏مانع من جریانه فیجری الأصل فی الحیوانین ، ویحکم للجزء أیضاً بعدم التذکیة ؛‏‎ ‎‏لعدم لزوم مخالفة عملیة فی المقام من اجتناب کلا الحیوانین .‏

‏وأمّا لو قلنا بعدم جریان الأصل فی أطراف العلم الإجمالی ؛ لانصراف‏‎ ‎‏الأدلّة ، أو لأجل تناقض الصدر مع الذیل ، أو قلنا بأنّه یجری ولکنّه یسقط‏‎ ‎‏بالتعارض فحینئذٍ لو اخترنا أنّ الشکّ فی تذکیة الجزء ناشٍ ومسبّب عن تذکیة‏‎ ‎‏الکلّ ؛ بحیث یکون الأصل الجاری فی ناحیة الجزء فی طول الأصل الجاری فی‏‎ ‎‏جانب الکلّ ، کالملاقی ـ بالکسر ـ بالنسبة إلی الملاقی ، فلا شکّ أنّ حکم الجزء هنا‏‎ ‎‏کحکم الملاقی ـ بالکسر ـ فیخرج السبب عن مصبّ الأصل ـ سواء کان الأصل‏‎ ‎‏عدم التذکیة ، أو الطهارة والحلّیة ـ إمّا لعدم جریانه أو لسقوطه بالتعارض ، فیصل‏‎ ‎‏النوبة إلی الأصل الجاری فی ناحیة المسبّب .‏

‏وبما أنّ التذکیة وعدمها وصفان للحیوان لا لأجزائه فما هو غیر المذکّی‏‎ ‎‏ـ زهق روحه بلا کیفیة خاصّة ـ عبارة عن الحیوان ، کما أنّ المذکّی عبارة عن‏‎ ‎‏الحیوان المذبوح بالشرائط الشرعیة .‏

‏وأمّا الحکم بنجاسة الأجزاء وحرمتها أو طهارتها وحلّیتها إنّما هو من جهة‏‎ ‎‏أنّها أجزاء للمذکّی أو لغیر المذکّی . فحینئذٍ یسقط أصالة عدم التذکیة فی ناحیة‏‎ ‎‏المسبّب ـ الجزء ـ فیصل النوبة إلی اُصول حکمیة ؛ من أصالتی الطهارة والحلّیة ؛‏‎ ‎‏لولا منجّزیة العلم الإجمالی ، ومعها لابدّ من الاجتناب .‏

الثانی :‏ إذا کان الحیوانان خارجین من محلّ الابتلاء : فإن قلنا إنّ الخروج‏‎ ‎‏عن محلّ الابتلاء یوجب عدم فعلیة الحکم وعدم صحّة جریان الأصل فیه ـ کما هو‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 144
‏المشهور بین المتأخّرین ، وسیوافیک فی محلّه کونه خلاف التحقیق‏‎[1]‎‏ ـ فالأصل‏‎ ‎‏وإن کان غیر جارٍ فی الحیوان الذی لم یتّخذ منه ؛ لعدم ترتّب أثر علیه إلاّ أنّ‏‎ ‎‏الحیوان المتّخذ منه هذا الجزء وإن کان خارجاً عن محلّ الابتلاء إلاّ أنّه یجری‏‎ ‎‏الأصل فیه ؛ لأنّه غیر خالٍ عن الأثر ، باعتبار جزئه الداخل فی محلّ الابتلاء .‏

الثالث :‏ ما لو کان المأخوذ منه خارجاً وغیر المأخوذ منه داخلاً فی محلّ‏‎ ‎‏الابتلاء ؛ فیجری الأصل فی غیر المأخوذ منه بلا إشکال ؛ لوقوعه فی محلّ الابتلاء ،‏‎ ‎‏وکذا فی المأخوذ منه الخارج عن الابتلاء ؛ لوقوع جزئه مورداً للتکلیف والابتلاء ،‏‎ ‎‏فالأصل الجاری فی ناحیة الکلّ غیر خالٍ عن الأثر .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ التفصیل الجاری فی الشقّ المتقدّم حسب اختلاف‏‎ ‎‏المبانی فی جریان الأصل فی أطراف العلم الإجمالی جارٍ فی المقام ؛ لأنّ خروج‏‎ ‎‏المأخوذ منه عن محلّ الابتلاء غیر مؤثّر ، بل خروجه کلا خروجه ؛ لکون جزئه‏‎ ‎‏واقعاً مورداً للابتلاء ، فیتصوّر فیه التفصیل المتقدّم بین المبانی ، فتذکّر .‏

الرابع :‏ عکس الشقّ المتقدّم ؛ بأن کان المأخوذ منه داخلاً فی محلّ الابتلاء‏‎ ‎‏وغیر المأخوذ منه خارجاً ، فحکمه واضح ؛ لما مرّ ، بل لا علم إجمالی بالتکلیف‏‎ ‎‏الفعلی أصلاً ؛ لخروج أحد الطرفین عن محلّ الابتلاء ، فصار الداخل کالشبهة‏‎ ‎‏البدویة ، فیجری فیه الأصل ، ویحکم فی الجزء بالحرمة والنجاسة .‏

‏هذا کلّه مع الغضّ عن الإشکال السیّال .‏

‏هذه هی الأقسام الأربعة التی کلّها من شقوق الصورة الثالثة ، فبقی فی المقام‏‎ ‎‏صورة رابعة ؛ لا بأس بالإشارة إلیها ؛ تکمیلاً للغرض :‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 145
الصورة الرابعة :‏ الشکّ فی جزء من الحیوان بأنّه مأخوذ من الحیوان‏‎ ‎‏المشکوک تذکیته أو من المعلوم تذکیته أو المعلوم عدم تذکیته ، کالجلود التی صنعت‏‎ ‎‏فی بلاد الکفر ممّا هی مشتبهة بین الجلود التی نقلت من بلاد المسلمین إلیهم ،‏‎ ‎‏فصنعوا ما صنعوا ، ثمّ ردّت إلیهم بضاعتهم ، وبین غیرها ممّا هو من جلود ذبائحهم‏‎ ‎‏أو ممّا هو مشکوک تذکیته .‏

‏ففی هذه الصورة لا تجری أصالة عدم التذکیة ، علی القول بأنّ التذکیة‏‎ ‎‏واللاتذکیة إنّما تعرضان الحیوان لا أجزائه ، فلا یجری الأصل بالنسبة إلیها .‏

‏وأمّا بالنسبة إلی الحیوان المأخوذ منه بعنوانه المبهم ؛ بأن یقال : الأصل عدم‏‎ ‎‏تذکیة ما اُخذ الجزء منه فلا یجری أیضاً ؛ لکونه من قبیل الشبهة المصداقیة ؛ لدلیل‏‎ ‎‏الأصل ، فإنّ المأخوذ منه أمره دائر بین المعلوم والمشکوک ؛ فإن اُخذ من المعلوم‏‎ ‎‏تذکیته فیکون من قبیل نقض الیقین بالیقین ، وإلاّ فیکون من نقض الیقین بالشکّ .‏

‏مضافاً إلی أنّ جریان الأصل فیه لا یثبت کون الجزء منه .‏

‏هذا تمام الکلام فی توضیح هذا الأصل .‏

‏وقـد عرفت : أنّ المهمّ فی المقام رفـع غائلة الإشکال السیّال ، وهـو بعـد‏‎ ‎‏باقٍ بحاله .‏

‏ثمّ إنّا قد ذیّلنا البحث فی الدورة السابقة بالبحث عن التفصیل الظاهر من‏‎ ‎‏بعض الأساطین بین الطهارة والحلّیة ، وأردفناه بنقل بعض التوجیهات المنقولة عن‏‎ ‎‏شارح «الروضة» وعن بعض الأعاظم ‏‏قدس سره‏‏ وما فیه‏‎[2]‎‏ ، ولکن الأولی عطف عنان‏‎ ‎‏البحث إلی بقیة التنبیهات :‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 146

  • )) یأتی فی الصفحة 225 .
  • )) راجع أنوار الهدایة 2 : 116 .