تفصیل المحقّق الهمدانی فی المقام
ثمّ إنّ المحقّق صاحب «المصباح» فصّل فی «تعلیقته» و«مصباحه» بین الأحکام فی المقام ، فقال : إنّ مقتضی القاعدة هو التفکیک بین الآثار ؛ فما کان منها مترتّباً علی عدم کون اللحم مذکّی ـ کعدم الحلّیة وعدم جواز الصلاة فیه ، وعدم طهارته وغیر ذلک من الأحکام العدمیة التی تنتزع من الأحکام الوجودیة التی تکون التذکیة شرطاً فی ثبوتها ـ فیترتّب علیه ، فیقال : الأصل عدم تعلّق التذکیة بهذا اللحم الذی زهق روحه ، فلا یحلّ أکله ولا الصلاة فیه ولا استعماله فیما یشترط بالطهارة .
وأمّا الآثار المترتّبة علی کونه غیر مذکّی ، کالأحکام الوجودیة الملازمة لهذه العدمیات ـ کحرمة أکله أو نجاسته أو تنجیس ملاقیه أو حرمة الانتفاع ببیعه أو استعماله فی سائر الأشیاء الغیر المشروطة بالطهارة ، کسقی البساتین وغیر ذلک من الأحکام المتعلّقة بعنوان المیتة أو کونه غیر مذکّی ـ فلا ، انتهی .
ولا یخفی ما فیه ؛ لأنّ موضوع جواز الصلاة والحلّیة وغیرهما هو المذکّی ؛ أی الحیوان الذی زهق روحه بالأسباب المقرّرة الشرعیة .
فحینئذٍ إن أراد بالأصل المذکور استصحاب نفی تعلّق التذکیة علی نحو السلب التحصیلی الأعمّ من وجود الموضوع فهو غیر مفید ؛ لأنّه بهذا المعنی العامّ لیس موضوعاً لحکم من الأحکام .
وإن أراد به أصالة عدم تعلّقها علی الحیوان الموجود الذی زهق روحه بنحو
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 140
السلب التحصیلی عن الموضوع المحقّق ، فیقال : إنّ الأصل فی الحیوان الذی زهق روحه أن یکون بلا تعلّق أسباب شرعیة فلا حالة سابقة له .
وإن أراد استصحاب عدم تحقّق التذکیة بنحو السلب الأعمّ التحصیلی لنفی الأحکام المذکورة بعد زهوق روحه فیرد علیه : أنّ استصحاب العنوان العامّ الذی یتحقّق فی ضمن أفراد طولیة أو عرضیة لا یوجب إلاّ ترتیب آثار ذلک العنوان ، دون آثار الفرد الذی من مصادیق ذلک العنوان ؛ فإنّه بالنسبة إلی آثار الفرد من الاُصول المثبتة .
ألا تری أنّ استصحاب بقاء الحیوان المردّد بین البقّ والفیل بعد سنة لا یثبت إلاّ آثار ذلک العنوان ، لا ما هو أثر للفرد الطویل العمر من الحیوان ، ومثله المقام ؛ فإنّ عدم تحقّق التذکیة یصدق تارة مع ما إذا لم یکن حیوان فی البین ، واُخری ما إذا کان ولکنّه بعد حیّ یأکل ویمشی ، وثالثة إذا زهق روحه ولکن لا بالأسباب المعیّنة المقرّرة فی شریعة الإسلام ، فهو صادق مع عدم الحیوان ، ومع وجوده بوصف الحیاة ، ومع زهوق روحه لا بالأسباب المقرّرة .
فحینئذٍ : فما هو الموضوع لتلک الأحکام الوجودیة التی نرید رفعها برفع أسبابها لیس مطلق عدم التذکیة بقول مطلق ؛ حتّی مع عدم وجوده أو کونه حیّاً ؛ لعدم الموضوع فی الأوّل ، وکونه طاهراً فی زمن الحیاة ، وعدم الدلیل علی عدم الحلّیة فی حالها ، بل الموضوع هو الفرد الثالث .
فما هو الموجب لعدم الحلّیة والطهارة إنّما هو زهوق الروح لا بالآلات والشرائط المقرّرة ، کما أنّ الموجب لهما هو وجود التذکیة بالنحو المذکور .
فحینئذٍ : فانطباق ذلک المستصحب علی الفرد الثالث عقلی محض ؛ للعلم بوجوده وزهوقه ، فیتعیّن الثالث ، وهذا هو المراد بالمثبتیة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 141
وإن شئت قلت : جرّ العدم المحمولی الذی یجتمع مع عدم الموضوع إلی زمان حیاته لا یثبت العدم الرابط ؛ أعنی کون هذا الحیوان لم یتعلّق به التذکیة مع شرائطها .
وتوهّم : أنّ العدم المحمولی وإن لم یکن ذا أثر حدوثاً ؛ أی فیما إذا تحقّق فـی ضمن الفـردین الأوّلین ، إلاّ أنّـه ذو أثر بقاءً ؛ أی فیما إذا تحقّق فـی ضمن الفرد الثالث .
مدفوع ؛ بأنّه خلط بین أثر نفس العامّ وأثر الفرد ؛ فإنّ الحلّیة والطهارة من آثار الحیوان الذی وردت علیه التذکیة بشرائطها ، والغرض من الاستصحاب هو رفع تلک الآثار برفع أسبابها .
والعدم المحمولی إن اُرید منه رفع الآثار ـ ولو مع عدم موضوعه أو لعدم زهوق روحه ـ فلیس بمفید ؛ لما تقدّم . وإن اُرید رفعها باعتبار الفرد الثالث فانطباقه علیه بعد العلم بانتفاء الأوّلین عقلی محض .
هذا کلّه فیما إذا کان منشأ الشکّ الشکّ فی قابلیة الحیوان للتذکیة ؛ سواء کانت الشبهة من جهة الاشتباه المفهومی أو لا .
ولنختم البحث ببیان الشبهة الموضوعیة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 142