کلام المحقّق الحائری فی المقام ونقده
ولقد بنی شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ علی جریانها ، وکان رحمه الله مصرّاً علیه ، وخلاصة مرامه مع توضیح منّا : أنّ المحقّقین قد قسّموا العرض إلی عارض الوجود وعارض الماهیة ، وکلّ منهما إلی اللازم والمفارق .
فصارت الأقسام أربعة ، وإلیک توضیحها بالمثال ، فنقول : الزوجیة عارضة لماهیة الأربعة علی وجه اللزوم ، کما أنّ عروض الوجود للماهیة یعدّ من الأعراض المفارقة لها ، علی إشکال فیه .
وأمّا القسمان الآخران ؛ أعنی عارض الوجود اللازم ، کموجودیة الوجود بالمعنی المصدری ونورانیته ومنشأیته للآثار ، وعارضه المفارق کالسواد والبیاض بالنسبة إلی الجسم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 128
وأمّا القابلیة : فلا شکّ أنّها من العوارض اللازمة للوجود أو الموجود ، ولیست من العوارض اللازمة للماهیة . نعم یمکن أن یقال : إنّها من العوارض المفارقة بالنسبة إلی الماهیة لکن بتبع الوجود ؛ کما هو الشأن فی عامّة العوارض الوجودیة .
إذا عرفت هذا : فیمکن أن یقرّر الأصل هکذا : أنّ القابلیة کالقرشیة من عوارض الوجود ؛ فإنّ القرشیة عبارة عن الانتساب فی الوجود الخارجی إلی قریش ، کما أنّ القابلیة عبارة عن خصوصیة فی الحیوان ، بها یصلح لورود التذکیة علیه ، وبها یترتّب الحلّیة والطهارة .
وعلیه : فلنا أن نشیر إلی ماهیة المرأة المشکوک فیها ، ونقول : إنّ ماهیة تلک المرأة قبل وجودها لم تکن متّصفة بالقرشیة ، ولکن علمنا انتقاض الیقین بعدم وجودها إلی العلم بوجودها ، ولکن نشکّ فی انتقاض العدم فی ناحیة القرشیة .
وهکذا یمکن أن یقال فی ناحیة القابلیة ، فنقول : إنّ الحیوان الکذائی ـ مشیراً إلی ماهیته ـ لم یکن قابلاً للتذکیة قبل وجوده ، ونشکّ فی أنّه حین تلبّس بالوجود هل عرض له القابلیة أو لا ، فالأصل عدم عروضها .
نعم ، لو کان الموضوع هو الوجود ، أو کانت القابلیة من لوازم الماهیة لم یکن وجه لهذا الاستصحاب ؛ لعدم الحالة السابقة ، لکن الموضوع هو الماهیة والقابلیة عارضة لها بعد وجودها .
فهذه الماهیة قبل تحقّقها لم یکن متّصفة بالقابلیة بنحو السالبة المحصّلة ، والأصل بقاؤها علی ما هی علیه . ولو صحّ جریانه لأغنانا عن استصحاب عدم التذکیة ؛ لحکومته علیه حکومة الأصل السببی علی المسبّبی ، ویکون حاکماً علی الاُصول الحکمیة عامّة . هذا غایة ما یمکن أن یقال فی توضیح مقاله .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 129
ویمکن الإشکال فیه : بأنّه لو سلّم جریان الاستصحاب فی الأعدام الأزلیة ـ علی فرض غیر صحیح ـ لا یصحّ التمسّک بأصالة عدم القابلیة فی المقام ؛ لأنّ ما هو الموضوع للأثر الشرعی هو المذکّی وغیر المذکّی ، وأمّا القابلیة وعدمها فلیس کلّ واحد مصبّاً للحکم .
واستصحاب کونه غیر قابل لا یثبت کونه غیر مذکّی ؛ وإن کان الشکّ فی أحدهما مسبّباً عن الآخر ، ولا یکفی مجرّد کون الشکّ فی أحدهما مسبّباً عن الآخر ، بل یحتاج إلی کون الترتّب شرعیاً .
وأمّا المقام فلیس الترتّب شرعیاً بل عقلی محض ؛ فإنّ التعبّد بانتفاء الجزء ـ أعنی القابلیة ـ یلازمه عقلاً انتفاء الکلّ ـ أعنی التذکیة ـ لأنّ القابلیة لها دخالة فی التذکیة علی أحد الوجوه المتقدّمة .
وسیوافیک فی مبحث الاستصحاب : أنّ المیزان فی حکومة الأصل السببی علی المسبّبی کون الأصل فی ناحیة السبب منقّحاً للموضوع بالنسبة إلی الکبری الشرعیة ، ولا یتمّ ذلک إلاّ إذا کان الترتّب بینهما شرعیاً لا عقلیاً ، وسیأتی توضیح المقال فی الاستصحاب .
فظهر : أنّ الاستصحاب العدم الأزلی لو کان صحیحاً فی حدّ نفسه لا یجری فی المقام ؛ لکونه من الاُصول المثبتة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 130