المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الاستدلال بالإجماع والعقل علی البراءة

الاستدلال بالإجماع والعقل علی البراءة

‏ ‏

أمّا الإجماع‏ : فلا یفید فی المقام أصلاً ؛ لکون المسألة ممّا تظافرت به الأدلّة‏‎ ‎‏النقلیة وحکم به العقل ، فمن القریب جدّاً أن یکون المدرک لإجماعهم هو تلک‏‎ ‎‏الأدلّة .‏

وأمّا دلیل العقل :‏ فلا إشکال أنّ العقل یحکم بقبح العقاب بلا بیان ـ أی‏‎ ‎‏بلا حجّة ـ وهذا حکم قطعی للعقل ، یرتفع موضوع ذاک الحکم بوصول البیان إلی‏‎ ‎‏المکلّف بالعنوان الأوّلی ، أو بإیجاب الاحتیاط والتوقّف فی الشبهات ، وهذا ممّا لا‏‎ ‎‏إشکال فیه .‏

‏ثمّ إنّه یظهر عن بعضهم : أنّه لا یحتاج الاُصولی إلی هذه الکبری ؛ لأنّ الملاک‏‎ ‎‏فی استحقاق عقوبة العبد فی مخالفة مولاه هو عنوان الظلم ؛ فإنّ مخالفة ما قامت‏‎ ‎‏علیه الحجّة خروج عن رسم العبودیة ، وهو ظلم من العبد إلی مولاه ، یستوجب‏‎ ‎‏العقوبة . وأمّا مع عدم قیام الحجّة فلا یکون ظالماً ، فلا یستحقّ العقوبة ، وهو کافٍ‏‎ ‎‏فی المقام .‏

‏وأمّا کون العقاب بلا بیان قبیحاً فغیر محتاج إلیه فیما یرتأیه الاُصولی ؛ وإن‏‎ ‎‏کان فی نفسه صحیحاً‏‎[1]‎‏ .‏

‏أقول : إنّ العقل مستقلّ بوجوب إطاعة المنعم وقبح مخالفته واستحقاق‏‎ ‎‏المتخلّف للعقوبة ، وهذا الحکم ـ استحقاقه للعقوبة ـ لیس بمناط انطباق عنوان‏‎ ‎‏الظلم علیه ، بل العقل یستقلّ بهذا مع الغفلة عن الظلم . علی أنّ کون مطلق المخالفة‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 86
‏ظلماً للمولی محلّ بحث وإشکال ، هذا أوّلاً .‏

‏وأمّا ثانیاً : فلأنّ المرمی فی المقام هو تحصیل المؤمّن عن العقاب ؛ حتّی‏‎ ‎‏یتسنّی له الارتکاب ، وهو لا یحصل إلاّ بالتمسّک بهذه الکبری التی مآلها إلی قبح‏‎ ‎‏صدور العقاب من المولی الحکیم العادل .‏

‏وأمّا مجرّد دفع الاستحقاق بمناط أنّ الارتکاب لیس بظلم فلا یکفی فی‏‎ ‎‏ذلک ؛ لأنّ دفع الاستحقاق عن ناحیة الظلم وحصول الطمأنینة من تلک الناحیة لا‏‎ ‎‏یصیر مؤمّناً عن عامّة الجهات ما لم ینضمّ إلیه الکبری المذکورة .‏

وربّما یقال :‏ إنّ مناط حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان واقعی غیر مناط‏‎ ‎‏حکمه بقبح العقاب حتّی من غیر بیان واصل إلی المکلّف ؛ فإنّه لم یحصل فی الأوّل‏‎ ‎‏تفویت لمراد المولی ، ولم تتمّ مبادئ الإرادة الآمریة ، فلا مقتضی لاستحقاق‏‎ ‎‏العقاب . بخلاف الثانی ؛ فإنّ ملاک عدم الاستحقاق فیه عدم استناد فوت المطلوب‏‎ ‎‏إلی العبد‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه :‏ أنّ ما ذکر من الفرق غیر فارق ، ولا یتجاوز عن بیان خصوصیة‏‎ ‎‏الموردین . وأمّا اختلافهما فی المناط فلا یستفاد منه ، بل المناط فیهما واحـد ؛‏‎ ‎‏وهـو قبح العقاب بلا حجّة ؛ سواء لم یکن بیان من رأس أو کان ولم یصل إلیه .‏

‏فالعقاب فی کلا القسمین عقاب بلا جهة ولا حجّة ، وکلاهما من مصادیق‏‎ ‎‏الظلم ، والمناط فی کلا القسمین واحد ، کما لا یخفی .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 87

  • )) نهایة الدرایة 4 : 84 ـ 85 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 365 ـ 366 .