المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الروایة الثامنة‏: حدیث الإطلاق

الروایة الثامنة : حدیث الإطلاق

‏ ‏

‏ومن الروایات : ما أرسله الصدوق ورواه الشیخ الحـرّ فی کتاب القضاء عـن‏‎ ‎‏محمّد بن علی بن الحسین ، قال : قال الصادق ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء مطلق حتّی یرد فیه‎ ‎نهی»‎[1]‎‏ .‏

‏وإسناد الصدوق متن الحدیث إلیه ‏‏علیه السلام‏‏ بصورة الجزم والقطع شهادة منه علی‏‎ ‎‏صحّة الروایة وصدورها عنه  ‏‏علیه السلام‏‏ فی نظره ‏‏قدس سره‏‏ ، وهذا الإرسال بهذه الصورة ، من‏‎ ‎‏دون أن یقول : «وعن الصادق» حاکٍ عن وجود قرائن کاشفة عن صحّة الحدیث‏‎ ‎‏ومعلومیة صدوره عنده ، کما لا یخفی .‏

وأمّا فقه الحدیث :‏ ففیه احتمالات ؛ فإنّ قوله ‏«مطلق»‏ إمّا أن یراد منه‏‎ ‎‏اللا حرج من قبل المولی ، فی قبال الحظر العقلی ؛ لکونه عبداً مملوکاً ینبغی أن‏‎ ‎‏یکون صدوره ووروده عن رأی مالکه ، أو یراد الإباحة الشرعیة الواقعیة ، أو‏‎ ‎‏الإباحة الظاهریة المجعولة للشاکّ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 73
‏ثمّ المراد من النهی : إمّا النهی المتعلّق بالعناوین الأوّلیة أو الأعمّ منه ومن‏‎ ‎‏الظاهری ، کالمستفاد من الاحتیاط .‏

‏ثمّ المراد من الورود : إمّا الورود المساوق للصدور واقعاً ؛ سواء وصل إلی‏‎ ‎‏المکلّف أم لا ، أو الورود علی المکلّف المساوق للوصول إلیه .‏

‏وتمامیة دلالة الحدیث إنّما یتمّ لو دلّ علی الإباحة الظاهریة المجعولة للشاکّ‏‎ ‎‏فیما لم یصل إلی المکلّف نهی ؛ سواء صدر النهی عن المولی أو لا .‏

ثمّ إنّ بعض الأعیان المحقّقین :‏ قد اعتقد بامتناع إرادة بعض الاحتمالات ؛‏‎ ‎‏أعنی کون المطلق بمعنی الإباحة الشرعیة ؛ واقعیة کانت أو ظاهریة فیما إذا اُرید من‏‎ ‎‏الورود هو الصدور من الشارع .‏

‏أمّا الأوّل ـ کون المطلق بمعنی الإباحة الواقعیة والمراد من الورود هو‏‎ ‎‏الصدور ـ فأفاد فی وجه امتناعه ما هذا ملخّصه : إنّ الإباحة الواقعیة ناشئة من‏‎ ‎‏لا اقتضائیة الموضوع ؛ لخلوّه عن المصلحة والمفسدة ، فلا یعقل ورود حرمة فی‏‎ ‎‏موضوعها ؛ للزوم الخلف من فرض اقتضائیة الموضوع المفروض أنّه لا اقتضاء .‏‎ ‎‏وفرض عروض عنوان آخر مقتضٍ للحرمة مخالف لظاهر الروایة الدالّة علی أنّ‏‎ ‎‏الحرمة وردت علی نفس ما وردت علیه الإباحة .‏

‏ولو اُرید من ورود النهی تحدید الموضوع وتقییده بأنّ ما لم یرد فیه نهی‏‎ ‎‏مباح فهو ـ مع کونه خلاف الظاهر ـ فاسد ؛ لأنّه إن کان بنحو المعرّفیة فهو کالإخبار‏‎ ‎‏بأمر بدیهی لا یناسب شأن الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ ، وإن کان بنحو التقیید والشرطیة فهو غیر‏‎ ‎‏معقول ؛ لأنّ تقیید موضوع أحد الضدّین بعدم الضدّ حدوثاً أو بقاءً غیر معقول ؛ لأنّ‏‎ ‎‏عدم الضدّ لیس شرطاً لوجود ضدّه .‏

‏وأمّا الثانی ـ کون المطلق بمعنی الإباحة الظاهریة ، والورود بمعنی الصدور ـ‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 74
‏فأفاد : أنّه یمتنع لوجوه :‏

‏منها : لزوم تخلّف الحکم عن موضوعه التامّ ؛ فإنّه مع فرض کون الموضوع‏‎ ‎‏ـ وهو المشکوک ـ موجوداً یرتفع حکمه بصدور النهی المجامع مع الشکّ واقعاً ، فلا‏‎ ‎‏یعقل أن یتقیّد إلاّ بورود النهی علی المکلّف ؛ لیکون مساوقاً للعلم المرتفع به الشکّ .‏

‏ومنها : أنّ الإباحة إذا کانت مغیّاة بصدور النهی واقعاً أو محدّدة بعدمه ،‏‎ ‎‏والغایة أو القید مشکوک الحصول فلا محالة یحتاج إلی أصالة عدم صدوره لفعلیة‏‎ ‎‏الإباحة .‏

‏وأمّا الأصل : فإن کان لمجرّد نفی الحرمة فلا مانع منه إلاّ أنّه لیس من‏‎ ‎‏الاستدلال بالخبر ، وإن کان للتعبّد بالإباحة الشرعیة ـ واقعیة أو ظاهریة ـ فقد علم‏‎ ‎‏امتناع ذلک مطلقاً ، وإن کان للتعبّد بالإباحة ـ بمعنی اللا حرج ـ فهی لیست من‏‎ ‎‏مقولة الحکم ، ولا هی موضوع ذو حکم .‏

‏ومنها : أنّ ظاهر الخبر جعل ورود النهی غایة رافعة للإباحة الظاهریة‏‎ ‎‏المفروضة ، ومقتضی فرض عدم الحرمة إلاّ بقاءً هو فرض عدم الحرمة حدوثاً ،‏‎ ‎‏ومقتضاه عدم الشکّ فی الحلّیة والحرمة من أوّل الأمر ، فلا معنی لجعل الإباحة‏‎ ‎‏الظاهریة .‏

‏ولیست الغایة غایة للإباحة الإنشائیة حتّی یقال : إنّه یحتمل فی فرض فعلیة‏‎ ‎‏الشکّ صدور النهی واقعاً ، بل غایة لحقیقة الإباحة الفعلیة بفعلیة موضوعها ـ وهو‏‎ ‎‏المشکوک ـ وحیث إنّ المفروض صدور النهی بقاءً فی مورد هذه الإباحة الفعلیة‏‎ ‎‏فلذا یرد المحذور المزبور‏‎[2]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 75
أقول : فی کلامه مواقع للنظر :

‏منها :‏‏ ما أفاده فی امتناع الأوّل من أنّ الإباحة الواقعیة ناشئة من لا اقتضاء‏‎ ‎‏الموضوع ، فلا یعقل ورود النهی علی نفس الموضوع ، ففیه : أنّ اللا اقتضاء‏‎ ‎‏والاقتضاء لو کانا راجعین إلی نفس الموضوع لکان لما ذکره وجه ، إلاّ أنّ الأحکام‏‎ ‎‏الشرعیة وإن کانت مجعولة عن مصالح ومفاسد لکن لا یلزم أن یکون تلک المصالح‏‎ ‎‏أو المفاسد فی نفس الموضوعات حتّی یکون الاقتضاء واللااقتضاء راجعاً إلیه ، بل‏‎ ‎‏الجهات الخارجیة مؤثّرة فی جعل الأحکام بلا ریب .‏

‏وأوضح شاهد علی ذلک هو نجاسة الکفّار والمشرکین ؛ فإنّ جعل النجاسة‏‎ ‎‏علیهم لیس لأجل وجود قذارة أو کثافة فی أبدانهم ـ کما فی سائر الأعیان النجسة ـ‏‎ ‎‏بل الملاک لهذا الجعل الجهات السیاسیة ؛ فإنّ نظر المشرّع تحفّظ المسلمین عن‏‎ ‎‏مخالطة الکفّار والمعاشرة معهم ؛ حتّی تصون بذلک أخلاقهم وآدابهم ونوامیسهم ،‏‎ ‎‏فلأجل هذه الأمنیة حکم علی نجاستهم .‏

‏فحینئذٍ : فمن الممکن أن یکون الموضوع مقتضیاً للحرمة لکن الموانع منعت‏‎ ‎‏عن جعلها ، أو المصالح السیاسیة اقتضت جعل الإباحة الواقعیة . فلو کان الشارع‏‎ ‎‏حاکماً بحلّیة الخمر فی دور الضعف ـ وإن کان تراها ذات مفسدة مقتضیة للتحریم‏‎ ‎‏وجعل الحرمة ـ لکان أشبه شیء بالمقام .‏

ومنها :‏ أنّه یمکن جعل ورود النهی تحدیداً للموضوع بکلا الوجهین ؛ من‏‎ ‎‏المعرّفیة والشرطیة بلا محذور :‏

‏أمّا الأوّل : فلأنّ ما هو کالبدیهی إنّما هو الإباحة بمعنی اللاحرجی قبال‏‎ ‎‏الحظر ، وأمّا الإباحة الواقعیة المجعولة الشرعیة فلیس کذلک ؛ لأنّها لا تحصل إلاّ‏‎ ‎‏بجعل الجاعل ، بخلاف اللاحرجیة .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 76
‏فإن قلت : یلزم اللغویة حینئذٍ ؛ إذ بعد ما حکم العقل باللاحرجیة فلا مجال‏‎ ‎‏لجعل الإباحة الواقعیة .‏

‏قلت : إنّه منقوض أوّلاً بالبراءة الشرعیة ، مع استقلال العقل بقبح العقاب بلا‏‎ ‎‏بیان ، وثانیاً نمنع لغویة الجعل بعد کونها ذات آثار لا تترتّب إلاّ بجعل تلک الإباحة‏‎ ‎‏الواقعیة ، ولا یغنی عنها ما یحکم به العقل ؛ ضرورة أنّه مع الشکّ فی ورود النهی من‏‎ ‎‏الشارع یمکن استصحاب الحلّیة المجعولة ، بعد الإشکال فی جریان أصالة عدم‏‎ ‎‏ورود النهی لأجل کونها أصلاً مثبتاً ، وبدونها لا یجوز استصحاب اللاحرجیة ؛ لعدم‏‎ ‎‏کونها حکماً شرعیاً ، ولا موضوعاً ذا أثر .‏

‏علی أنّه یمکن منع اللغویة بأنّ جعلها لرفع الشبهة المغروسة فی الأذهان من‏‎ ‎‏أنّ الأشیاء قبل ورود الشرع علی الحظر حتّی یرد منه الترخیص .‏

‏وأمّا الثانی : أعنی أخذ عدم الضدّ شرطاً لوجود الضدّ الآخر ، فالمنع عنه‏‎ ‎‏یختصّ بالاُمور التکوینیة کما حقّق فی محلّه ، وأمّا الاُمور الاعتباریة التی لا یتحمّل‏‎ ‎‏أحکام التکوینی ـ کالتضادّ وغیره ـ فلا ، وقد أوضحنا فی بعض المباحث : أنّه‏‎ ‎‏لا تضادّ بین الأحکام‏‎[3]‎‏ ، فلأجل ذلک یمکن أن یجعل عدم أحد الضدّین شرطاً‏‎ ‎‏لوجود الضدّ الآخر .‏

ومنها :‏ ما أفاده من امتناع إرادة الإباحة الظاهریة من المطلق مع کون الورود‏‎ ‎‏الواقعی غایةً أو تحدیداً للموضوع لأجل تخلّف الحکم من موضوعه التامّ ، ففیه : أنّ‏‎ ‎‏الموضوع علی التحدید هو المشکوک الذی لم یرد فیه نهی واقعاً ، وهو غیر‏‎ ‎‏المشکوک الذی ورد فیه نهی .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 77
وبالجملة :‏ لو کان الموضوع للإباحة الظاهریة هو المشکوک بما هو هو ،‏‎ ‎‏المجامع مع ورود النهی واقعاً ، یلزم تخلّف الحکم ـ الإباحة الظاهریة ـ عن‏‎ ‎‏موضوعه المشکوک . فمع کون الموضوع ـ وهو المشکوک ـ موجوداً لیس معه‏‎ ‎‏الحکم ـ أعنی الإباحة ـ لأجل ورود النهی واقعاً .‏

وأمّا‏ لو کان الموضوع هو المشکوک الذی لم یرد فیه نهی واقعاً ، فلو ورد هنا‏‎ ‎‏نهی لانتفی ما هو موضوع الإباحة بانتفاء أحد جزئیه ، فلیس هنا موضوع حتّی‏‎ ‎‏یلزم انفکاک الحکم عن موضوعه .‏

‏نعم ، لو کان غایة فالموضوع وإن کان هو المشکوک بما هو هو ـ وهو‏‎ ‎‏محفوظ مع ورود النهی ـ لکن لا مانع من تخلّف الحکم عن موضوعه إذا اقتضت‏‎ ‎‏المصالح الخارجیة لذلک .‏

‏وما ذکر من الامتناع ناشٍ من قیاس التشریع علی التکوین ، بتخیّل أنّ‏‎ ‎‏الموضوعات علل تامّة للأحکام ـ کما هو المعروف ـ وهو غیر تامّ .‏

‏وقد عرفت : أنّ المصالح الخارجیة ومفاسدها لها دخالة فی تعلّق الأحکام ،‏‎ ‎‏کما مرّ‏‎[4]‎‏ فی نجاسة الکفّار ، وطهارة العامّة فی حال الغیبة لأجل حصول الاتّفاق‏‎ ‎‏والاتّحاد ؛ حتّی دلّت الأخبار علی رجحان معاشرتهم والحضور فی جماعاتهم إلی‏‎ ‎‏غیر ذلک‏‎[5]‎‏ .‏

‏وعلی ذلک : فالمشکوک یمکن أن یکون حلالاً إلی أمد ؛ لاقتضاء العصر‏‎ ‎‏وحراماً إلی زمان آخر . وإن شئت أخذت الحوادث المقارنة قیداً محدوداً ، وبتغیّرها‏‎ ‎‏یتغیّر الحکم .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 78
وأمّا إجراء الأصل :‏ فنختار أنّه للتعبّد بالإباحة الشرعیة واقعیة أو ظاهریة .‏‎ ‎‏وما أفاد من أنّه قد علم امتناع ذلک مطلقاً قد علمت صحّته ومعقولیته . أضف إلی‏‎ ‎‏ذلک : أنّ ما أفاد تحت ذلک العنوان ـ إجراء الأصل ـ ظاهر فی کونه دلیلاً مستقلاًّ ،‏‎ ‎‏مع أنّه فی الإباحة الظاهریة مصادرة جدّاً . اللهمّ أن یتشبّث بما أفاده قبله ، فلا یکون‏‎ ‎‏ذلک دلیلاً مستقلاًّ .‏

ثمّ إنّ الأصل الجاری فی المقام :

‏إن کان أصالة عدم الحرمة : فسیوافیک الإشکال فیه .‏

‏وإن کان أصالة عدم ورود النهی حتّی یثبت الحلّیة الواقعیة أو الظاهریة :‏‎ ‎‏فسیوافیک أنّه من الاُصول المثبتة ؛ لأنّ تحقّق ذی الغایة مع عدم حصول غایته من‏‎ ‎‏الأحکام العقلیة ، والشکّ فی تحقّق ذیها وإن کان مسبّباً عن تحقّق نفس الغایة‏‎ ‎‏وعدمها ، إلاّ أنّه لیس مطلق السببیة مناطاً لحکومة السببی علی المسبّبی ما لم یکن‏‎ ‎‏الترتّب شرعیاً .‏

‏وإن کان الأصل أصالة بقاء الإباحة الواقعیة أو الظاهریة فلا مانع منه .‏

‏والقول بأنّ الاستصحاب لا یجری فی الأحکام الظاهریة صحیح ، لکن المقام‏‎ ‎‏لیس من أفراده ؛ لأنّ ذلک فیما إذا کان نفس الشکّ کافیاً فی ترتّب الأحکام ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الحکم فی المقام لیس مرتّباً علی نفس الشکّ ، بل علیه مغیّاً بعدم ورود النهی‏‎ ‎‏الواقعی ، وهذا لا یکفی فیه الشکّ أصلاً حتّی لا تحتاج إلی الاستصحاب .‏

وأمّا ما أفاده فی ثالث إشکالاته :‏ فلأنّا نمنع استلزام عدم الحرمة إلاّ بعد ورود‏‎ ‎‏النهی عدمَ تحقّق الشکّ ؛ فإنّ تحقّقه ضروری مع الشکّ فی الورود وعدمه ؛ فإنّ‏‎ ‎‏المکلّف إذا التفت إلی حرمة شرب التتن وعدمها ؛ محتملاً ورود النهی واقعاً فلا‏‎ ‎‏محالة یتحقّق فی نفسه الشکّ ، وهو کافٍ فی جعل الحکم الظاهری ؛ سواء کان‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 79
‏الحکم الظاهری هو إیجاب الاحتیاط حتّی یرد الترخیص ، أو الترخیص حتّی یرد‏‎ ‎‏النهی ، وقد أوضحنا عدم لغویة هذا الجعل ، کما تقدّم .‏

‏ثمّ هذا کلّه علی القول بأنّ موضوع الحلّیة الظاهریة هو الشکّ فی الحکم‏‎ ‎‏الشرعی المجعول .‏

ویمکن أن یقال :‏ إنّ موضوعها هو الشکّ فی کون الأشیاء علی الحظر‏‎ ‎‏وعدمه ، أو الشکّ فی الملازمة بین حکم العقل والشرع إذا قلنا بالحظر عقلاً ، فیکون‏‎ ‎‏قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء مطلق حتّی یرد فیه نهی»‏ ناظراً لکلا الشکّین . فلو شکّ فی أنّ‏‎ ‎‏الأصل فی الأشیاء هو الحظر أو عدمه تفید الروایة کونها علی الإباحة ، وکذا لو قلنا‏‎ ‎‏بأنّ الأصل الأوّلی هو الحظر ولکن شککنا فی الملازمة .‏

والحاصل :‏ یکون قوله ‏‏علیه السلام‏‏ ناظراً إلی ما إذا شکّ فی الحکم الشرعی لأجل‏‎ ‎‏الشکّ فی أنّ الأصل فی الأشیاء هو الحظر أو عدمه ، أو لأجل الشکّ فی الملازمة .‏‎ ‎‏فهذا الشکّ محقّق مطلقاً ؛ حتّی مع العلم بعدم ورود النهی فی الشرع ؛ لأنّ متعلّق‏‎ ‎‏الشکّ کون الأصل فی الأشیاء قبل الشرع هل هو الحظر أو لا ؟‏

‏وهذا لا ینافی العلم بعدم ورود النهی من الشارع ، وهذا نحو آخر من الحکم‏‎ ‎‏الظاهری المجعول فی حقّ الشاکّ فی الحکم الواقعی . وعلی هذا یکون عامّة‏‎ ‎‏إشکالاته واضحة الدفع ؛ خصوصاً الثالث منها ؛ فإنّه علی فرض تسلیمه لا یرد فی‏‎ ‎‏هذا الفرض ، کما لایخفی .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 80

  • )) الفقیه 1 : 208 / 937 ، وسائل الشیعة 27 : 173 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 12 ، الحدیث 67 .
  • )) نهایة الدرایة 4 : 72 ـ 75 و 78 ـ 79 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 50 ـ 53 و 373 ـ 376 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 76 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 16 : 219 ، کتاب الأمر والنهی ، أبواب الأمر والنهی ، الباب 26 ، و8 : 299 ، کتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب 5 .