المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الروایة الخامسة‏: صحیحة عبدالصمد بن بشیر

الروایة الخامسة : صحیحة عبدالصمد بن بشیر

‏ ‏

‏ومن الروایات : صحیحة عبدالصمد بن بشیر التی رواه صاحب «الوسائل»‏‎ ‎‏فی الباب الخامس والأربعین من تروک الإحرام : إنّ رجلاً عجمیاً دخل المسجد‏‎ ‎‏یلبّی ، وعلیه قمیصه ، فقال لأبی عبدالله  ‏‏علیه السلام‏‏ : إنّی کنت رجلاً أعمل بیدی واجتمعت‏‎ ‎‏لی نفقة ، فجئت أحجّ لم أسأل أحداً عن شیء ، وافتونی هؤلاء أن أشقّ قمیصی‏‎ ‎‏وأنزعه من قبل رجلی ، وأنّ حجّی فاسد ، وأنّ علیّ بدنة .‏

‏فقال له : ‏«متی لبست قمیصک ، أبعدما لبّیت أم قبل ؟»‏ .‏

‏قال : قبل أن أُلبّی .‏

‏قال : ‏«فاخرجه من رأسک ؛ فإنّه لیس علیک بدنة ، ولیس علیک الحجّ من‎ ‎قابل ، أیّ رجل رکب أمراً بجهالة فلا شیء علیه»‎[1]‎‏ .‏

‏فدلّت علی أنّ الآتی بشیء عن جهل بحکمه لا بأس به .‏

وأورد علیه الشیخ الأعظم :‏ بأنّ مورد الروایة وظهورها فی الجاهل الغافل ،‏‎ ‎‏وتعمیمه إلی الجاهل الملتفت یحوج إلی إخراج الجاهل المردّد المقصّر ، ولسانه‏‎ ‎‏یأبی عن التخصیص‏‎[2]‎‏ .‏

وأیّده بعضهم :‏ بأنّ الباء فی قوله : ‏«بجهالة»‏ للسببیة ، والجهل بالحکم سبب‏‎ ‎‏للفعل فی الجاهل الغافل دون الملتفت‏‎[3]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 68
أقول :‏ قد أمر الشیخ فی آخر کلامه بالتأمّل ، وهو دلیل علی عدم ارتضائه لما‏‎ ‎‏ذکر ؛ فإنّ أمثال هذه التراکیب کثیر فی الکتاب والسنّة ؛ فانظر إلی قوله تعالی : ‏‏«‏إِنَّمَا‎ ‎التَّوْبَةُ عَلَی الله ِ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ‏»‏‎[4]‎‏ وقوله تعالی : ‏‏«‏أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً‎ ‎بِجَهالَةٍ‏»‏‎[5]‎‏ فهل تری اختصاصهما بالجاهل الغافل ؟‏

‏ومجرّد کون مورد الروایة من هذا القبیل لا یوجب التخصیص ؛ لا سیّما فی‏‎ ‎‏أمثال المقام الذی یتراءی أنّ الإمام بصدد إلقاء القواعد الکلّیة العالمیة .‏

أضف إلی ذلک :‏ ما ورد فی أبواب الصوم‏‎[6]‎‏ والحجّ‏‎[7]‎‏ من روایات تدلّ علی‏‎ ‎‏معذوریة الجاهل ، من غیر استفصال .‏

‏وأمّا ما ذکره أخیراً من أنّ التعمیم یحتاج إلی التخصیص ولسانه آبٍ عنه فیرد‏‎ ‎‏علیه ـ مضافاً إلی أنّ التخصیص لازم علی أیّ وجهٍ ؛ فإنّ الجاهل الغافل المقصّر‏‎ ‎‏خارج عن مصبّ الروایة ـ أنّ ذلک دعوی مجرّدة ؛ فإنّ لسانه لیس علی وجه‏‎ ‎‏یستهجن فی نظر العرف ورود التخصیص به ، کما لا یخفی .‏

‏وما أیّد به بعضهم مقالة الشیخ فیرد علیه : أنّ الجهل لیس علّة للإتیان‏‎ ‎‏بالشیء ؛ فإنّ وجود الشیء فی الخارج معلول لمبادئه . نعم ربّما یکون العلم بالحکم‏‎ ‎‏مانعاً ورادعاً عن حصول تلک المبادئ فی النفس .‏

‏وعلیه : فالمناسب جعـل «الباء» بمعنی «عن» . ولو سلّم کونها للسببیـة‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 69
‏فلیس المراد مـن السببیة المعنی المصطلح ـ صدور الفعل عنه ـ بل بمعنی دخالتها‏‎ ‎‏فی العمل فی الجملة ، فیصحّ أن یقال : إنّ الارتکاب یکون لجهالـة ، مع الفحص‏‎ ‎‏عـن الحکم وعدم العثور علیه .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 70

  • )) تهذیب الأحکام 5 : 72 / 239 ، وسائل الشیعة 12 : 488 ، کتاب الحجّ ، أبواب تروک الإحرام ، الباب 45 ، الحدیث 3 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 42 .
  • )) بحر الفوائد (الجزء الثانی) : 20 / السطر 18 ، نهایة الأفکار 3 : 229 .
  • )) النساء (4) : 17 .
  • )) الحجرات (49) : 6 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 10 : 180 ، کتاب الصوم ، أبواب من یصحّ منه الصوم ، الباب 2 ، الحدیث 5 و 6 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 13 : 159 ، کتاب الحجّ ، أبواب بقیة کفّارات الإحرام ، الباب 10 .