الروایة الثالثة : حدیث السعة
من الأخبار التی استدلّوا بها قوله علیه السلام : «الناس فی سعة ما لا یعلمون» .
ودلالته علی البراءة وعدم لزوم الاحتیاط واضح جدّاً ؛ فإنّه لو کان الاحتیاط
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 64
لازماً عند الجهل بالواقع لما کان الناس فی سعة ما لا یعلمون ، بل کان علیهم الاحتیاط ، وهو موجب للضیق بلا إشکال .
فإن قلت : بعد العلم بوجوب الاحتیاط یرتفع عدم العلم ، وینقلب إلی العلم بالشیء .
قلت : إنّ الظاهر المتبادر هو العلم بالواقع والجهل به ، ولیس العلم بوجوب الاحتیاط علماً بالواقع ؛ إذ لیس طریقاً إلیه .
وإن شئت قلت : إنّ العلم المستعمل فی الروایات وإن کان المراد منه المعنی الأعمّ ـ أی الحجّة لا الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ـ ولکن الحجّة عبارة عن الطرق العقلائیة والشرعیة إلی الواقع التی تکشف کشفاً غیر تامّ ، والاحتیاط لیس منها بلا إشکال .
والشاهد علی ذلک : أنّه لو أفتی أحد علی الواقع لقیام الأمارة علیه لما یقال إنّه أفتی بغیر علم ، وأمّا إذا أفتی بوجوب شیء لأجل الاحتیاط فإنّه أفتی بغیر علم .
ومن ذلک یظهر ضعف ما قیل : إنّ وجوب الاحتیاط إن کان نفسیاً یدفع المعارضة بین الحدیث وبین أدلّة الاحتیاط ؛ لحصول الغایة بعد العلم بوجوب الاحتیاط .
وجه الضعف : أنّ مفاد الحدیث هو الترخیص للناس فیما لیس لهم طریق ولا علم إلی الواقع ، فلو دلّ دلیل علی لزوم الاحتیاط فی الموارد التی لم یقف المکلّف علی حکم تلک الموارد لعدّ ذلک الـدلیل معارضاً للحـدیث الشریف ، لا رافعاً لموضوعه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 65
وإن شئت قلت : إنّ شرب التتن بملاحظة کونه مجهول الحکم مرخّص فیه حسب الحدیث ، فلو تمّ أخبار الاحتیاط ولزم وجوب الاحتیاط لعدّ ذلک منافیاً للترخیص ، من غیر فرق بین أن یکون لزوم الاحتیاط نفسیاً أو غیریاً .
نعم ، لو أمکن القول بالسعة من حیث ما لا یعلمون ـ وإن کان الضیق من حیث الاحتیاط النفسی لأجل مصلحة فی ذلک الحکم النفسی ـ لکان لما ادّعی وجه . لکنّه کما تری ؛ فإنّ جعل السعة ـ حینئذٍ ـ یکون لغواً بعد عدم انفکاک موضوعه عن موضوع الاحتیاط .
وأمّا حمل الروایة علی الشبهة الموضوعیة أو الوجوبیة فلا شاهد له . مع أنّه اعتراف علی تمامیة الدلالة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 66