المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الروایة الثانیة‏: حدیث الحَجْب

الروایة الثانیة : حدیث الحَجْب

‏ ‏

‏ممّا استدلّ به علی البراءة ما رواه الصدوق عن أحمد بن محمّد بن یحیی عن‏‎ ‎‏أبیه عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن ابن فضّال عن داود بن فرقد عن أبی الحسن‏‎ ‎‏زکریّا بن یحیی عن أبی عبدالله  ‏‏علیه السلام‏‏ ، قال : ‏«ما حجب الله علمه عن العباد فهو‎ ‎موضوع عنهم»‎[1]‎‏ . ورواه الکلینی عن محمّد بن یحیی‏‎[2]‎‏ .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 62
وأمّا فقه الحدیث :‏ فیحتمل بادئ الأمر وجوهاً :‏

‏الأوّل : أن یکون المراد ما حجب الله علمه عن مجموع المکلّفین .‏

‏الثانی : أنّ المراد ما حجب الله علمه عن کلّ فردٍ فردٍ من أفراد المکلّفین .‏

‏الثالث : أنّ المراد کلّ من حجب الله علم شیء عنه فهو مرفوع عنه ؛ سواء‏‎ ‎‏کان معلوماً لغیره أو لا .‏

‏والمطابق للذوق السلیم هو الثالث ، کما هو المراد من قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ فی حدیث‏‎ ‎‏الرفع : ‏«رفع عن اُمّتی ما لا یعلمون»‎[3]‎‏ ، علی أنّ مناسبة الحکم والموضوع یقتضی‏‎ ‎‏ذلک ؛ فإنّ الظاهر : أنّ المناط للرفع هو الحجب عن المکلّف ، وحجبه عن الغیر‏‎ ‎‏وعدمه لا دخل له لذلک ، کما لا یخفی .‏

وتقریر الاستدلال :‏ أنّ الظاهر من قوله : ‏«موضوع عنهم»‏ هو رفع ما هو‏‎ ‎‏المجعول بحسب الواقع ، کما هو المراد فی حدیث الرفع ، لا ما لم یجعل وسکت عنه‏‎ ‎‏تعالی من أوّل الأمر ؛ فإنّه ما لم یجعل من بدو الأمر فکیف یرفع .‏

‏وأنّ الظاهر من الحجب هو الحجب الخارج من اختیار المکلّف ، لا الحجب‏‎ ‎‏المستند إلی تقصیره وعدم فحصه . وعندئذٍ یعمّ کلّ حجب لم یکن مستنداً لتقصیره ؛‏‎ ‎‏لأجل ضیاع الکتب أو طول الزمان أو قصور البیان أو حدوث حوادث ونزول نوازل‏‎ ‎‏وملمّات عائقة بحسب الطبع عن بلوغ الأحکام إلی العباد علی ما هی . وعندئذٍ‏‎ ‎‏یکون إسناد الحجب إلیه علی سبیل المجاز .‏

‏ومثله کثیر فی الکتاب والسنّة ؛ فإنّ مطلق تلک الأفعال یسند إلیه تعالی‏‎ ‎‏بکثیر ، من دون أن یکون خلاف ظاهر فی نظر العرف .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 63
وممّا ذکرنا یظهر :‏ ضعف ما أفاده الشیخ الأعظم‏‎[4]‎‏ من أنّ الظاهر من‏‎ ‎‏الحدیث ما لم یبیّنه للعباد وتعلّقت عنایته تعالی بمنع اطّلاع العباد علیه ؛ لعدم أمر‏‎ ‎‏رسله بتبلیغه حتّی یصحّ إسناد الحجب إلیه تعالی ، فالروایة مساوقة لما ورد من :‏‎ ‎«أنّ الله سکت عن أشیاء لم یسکت عنها نسیاناً»‎[5]‎‏ .‏

وجه الضعف :‏ أنّ الظاهر المتبادر من قوله : ‏«موضوع عنهم»‏ هو رفع ما هو‏‎ ‎‏المجعول ، لا رفع ما لم یبیّن من رأس ولم یبلّغ ، بل لم یأمر الرسل بإظهاره ؛ فإنّ ما‏‎ ‎‏کان کذلک غیر موضوع بالضرورة ولا یحتاج إلی البیان . مع أ نّه مخالف لظاهر‏‎ ‎«موضوع عنهم»‏ .‏

أضف إلی ذلک :‏ أ نّه مخالف للمناسبة المغروسة فی ذهن أهل المحاورة .‏

‏والداعی لهم لاختیار هذا المعنی تصوّر أنّ إسناد الحجب إلی الله تعالی‏‎ ‎‏لا یصحّ إلاّ فی تلک الصورة ، وأمّا إذا کان علّة الحجب إخفاء الظالمین وضیاع‏‎ ‎‏الکتب فالحاجب نفس العباد ، لا هو تعالی . وقد عرفت جوابه ، فلا نکرّره .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 64

  • )) التوحید ، الصدوق : 413 / 9 ، وسائل الشیعة 27 : 163 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 12 ، الحدیث 33 .
  • )) الکافی 1 : 164 / 3 .
  • )) تقدّم تخریجه فی الصفحة 26 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 41 ، اُنظر کفایة الاُصول : 388 .
  • )) الفقیه 4 : 53 / 193 ، وسائل الشیعة 27 : 175 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 12 ، الحدیث 68 .