الروایة الثانیة : حدیث الحَجْب
ممّا استدلّ به علی البراءة ما رواه الصدوق عن أحمد بن محمّد بن یحیی عن أبیه عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن ابن فضّال عن داود بن فرقد عن أبی الحسن زکریّا بن یحیی عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» . ورواه الکلینی عن محمّد بن یحیی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 62
وأمّا فقه الحدیث : فیحتمل بادئ الأمر وجوهاً :
الأوّل : أن یکون المراد ما حجب الله علمه عن مجموع المکلّفین .
الثانی : أنّ المراد ما حجب الله علمه عن کلّ فردٍ فردٍ من أفراد المکلّفین .
الثالث : أنّ المراد کلّ من حجب الله علم شیء عنه فهو مرفوع عنه ؛ سواء کان معلوماً لغیره أو لا .
والمطابق للذوق السلیم هو الثالث ، کما هو المراد من قوله صلی الله علیه و آله وسلم فی حدیث الرفع : «رفع عن اُمّتی ما لا یعلمون» ، علی أنّ مناسبة الحکم والموضوع یقتضی ذلک ؛ فإنّ الظاهر : أنّ المناط للرفع هو الحجب عن المکلّف ، وحجبه عن الغیر وعدمه لا دخل له لذلک ، کما لا یخفی .
وتقریر الاستدلال : أنّ الظاهر من قوله : «موضوع عنهم» هو رفع ما هو المجعول بحسب الواقع ، کما هو المراد فی حدیث الرفع ، لا ما لم یجعل وسکت عنه تعالی من أوّل الأمر ؛ فإنّه ما لم یجعل من بدو الأمر فکیف یرفع .
وأنّ الظاهر من الحجب هو الحجب الخارج من اختیار المکلّف ، لا الحجب المستند إلی تقصیره وعدم فحصه . وعندئذٍ یعمّ کلّ حجب لم یکن مستنداً لتقصیره ؛ لأجل ضیاع الکتب أو طول الزمان أو قصور البیان أو حدوث حوادث ونزول نوازل وملمّات عائقة بحسب الطبع عن بلوغ الأحکام إلی العباد علی ما هی . وعندئذٍ یکون إسناد الحجب إلیه علی سبیل المجاز .
ومثله کثیر فی الکتاب والسنّة ؛ فإنّ مطلق تلک الأفعال یسند إلیه تعالی بکثیر ، من دون أن یکون خلاف ظاهر فی نظر العرف .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 63
وممّا ذکرنا یظهر : ضعف ما أفاده الشیخ الأعظم من أنّ الظاهر من الحدیث ما لم یبیّنه للعباد وتعلّقت عنایته تعالی بمنع اطّلاع العباد علیه ؛ لعدم أمر رسله بتبلیغه حتّی یصحّ إسناد الحجب إلیه تعالی ، فالروایة مساوقة لما ورد من : «أنّ الله سکت عن أشیاء لم یسکت عنها نسیاناً» .
وجه الضعف : أنّ الظاهر المتبادر من قوله : «موضوع عنهم» هو رفع ما هو المجعول ، لا رفع ما لم یبیّن من رأس ولم یبلّغ ، بل لم یأمر الرسل بإظهاره ؛ فإنّ ما کان کذلک غیر موضوع بالضرورة ولا یحتاج إلی البیان . مع أ نّه مخالف لظاهر «موضوع عنهم» .
أضف إلی ذلک : أ نّه مخالف للمناسبة المغروسة فی ذهن أهل المحاورة .
والداعی لهم لاختیار هذا المعنی تصوّر أنّ إسناد الحجب إلی الله تعالی لا یصحّ إلاّ فی تلک الصورة ، وأمّا إذا کان علّة الحجب إخفاء الظالمین وضیاع الکتب فالحاجب نفس العباد ، لا هو تعالی . وقد عرفت جوابه ، فلا نکرّره .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 64