المقصد السابع فی الاُصول العملیة

بحث وتحقیق فی عدم اختصاص رافعیة الإکراه بباب المعاملات بالمعنی الأخصّ

بحث وتحقیق فی عدم اختصاص رافعیة الإکراه بباب المعاملات بالمعنی الأخصّ

‏ ‏

‏إنّ بعض محقّقی العصر ‏‏قدس سره‏‏ قد قال باختصاص مجری الرفع فی قوله :‏‎ ‎«ما استکرهوا علیه»‏ بباب المعاملات بالمعنی الأخصّ ، بعکس الرفع فی‏‎ ‎‏الاضطرار ، فلا یجری فی التکلیفیات من الواجبات والمحرّمات ؛ لأنّ الإکراه علی‏‎ ‎‏الشیء یصدق بمجرّد عدم الرضا بإیجاده ، ومع التوعید الیسیر أو أخذ مال کذلک ،‏‎ ‎‏مع أنّه غیر مسوغ لترک الواجب أو الإتیان بالمحرّم . نعم لو بلغ ذلک إلی حدّ الحرج‏‎ ‎‏جاز ذلک ، ولکنّه لأجل الحرج لا الإکراه‏‎[1]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 59
وفیه :‏ ـ مضافاً إلی عدم اختصاصه بالضرورة للمعاملات بالمعنی الأخصّ ؛‏‎ ‎‏لجریانـه فی الطلاق والنکاح والوصیـة وغیرها مـن المعاملات بالمعنی الأعمّ ـ أنّ‏‎ ‎‏ما ذکره لا یوجب الاختصاص ، بل یوجب اختصاص رافعیة الإکراه لبعض مراتبه‏‎ ‎‏دون بعض .‏

‏کیف ، وقد ورد فی بعض الروایات‏‎[2]‎‏ فی تفسیر قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«رفع ما‎ ‎اُکرهوا» ‏أنّه إشارة إلی قوله تعالی : ‏‏«‏إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِیمانِ‏»‏‎[3]‎‏ الذی‏‎ ‎‏ورد فی شأن عمّار‏‎[4]‎‏ ، ومن المعلوم أنّ ما صدر من عمّار من التبرّی عن الله ورسوله‏‎ ‎‏کان حراماً تکلیفیاً قد ارتفع بالإکراه .‏

‏أضف إلی ذلک : ما ورد فی حقّ الزوجة المکرهة علی الجماع فی یوم‏‎ ‎‏رمضان‏‎[5]‎‏ ، وفی حقّ المکرهة علی الزنا‏‎[6]‎‏ : أنّه لا شیء علیهما عند الإکراه ، وهذا‏‎ ‎‏یدلّ علی عمومیة رافعیة الإکراه للوضعی والتکلیفی .‏

‏وما أفاده من أنّ الإکراه إن وصل إلی الحرج جاز ذلک ، إلاّ أنّه من جهة‏‎ ‎‏الحرج لا الإکراه ، مدفوع بأنّ التدبّر فی الروایات والآیة یعطی أنّ علّة ارتفاع الحکم‏‎ ‎‏لأجل کون المکلّف مکرهاً .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 60
‏أضف إلی ذلک : أنّ الإکراه الشدید لأجل توعیده بأمر لا یتحمّل عادة لا‏‎ ‎‏یوجب کون المکرَه فیه ـ أی متعلّق الإکراه ـ حرجیاً ، إلاّ مع التکلّف .‏

‏فلو أکرهه المکره علی شرب الخمر وأوعده بالضرب والجرح فما هو متعلّق‏‎ ‎‏الإکراه لیس حرجیاً . وکون ترکه حرجیاً لأجل ما یترتّب علیه عند الترک لا یوجب‏‎ ‎‏اتّصاف متعلّق الإکراه بالحرج إلاّ بالتکلّف ، وهذا بخلاف الإکراه ؛ فإنّ الشرب متعلّق‏‎ ‎‏للإکراه بلا ریب . وقصاری ما یمکن أن یقال : إنّ الضرورة قاضیة علی عدم کفایة‏‎ ‎‏الإکراه لارتکاب بعض المحرّمات ، وهو لیس بأمر غریب ، ولها نظائر وشواهد فی‏‎ ‎‏الفقه ؛ فإنّ بعض العظائم من المحرّمات لا یمکن رفع حکمه بالحدیث بعامّة‏‎ ‎‏عناوینها ، ولا بعنوان آخر کالتقیّة .‏

‏وقـد ذکرنا تفصیل ذلک فی الرسالة‏‎[7]‎‏ التی عملناها لبیان حال التقیّة ،‏‎ ‎‏فراجع‏‎[8]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 61

  • )) نهایة الأفکار 3 : 224 .
  • )) تفسیر العیاشی 2 : 272 / 75 ، الکافی 2 : 462 / 1 ، وسائل الشیعة 16 : 218 ، کتاب الأمر والنهی ، أبواب الأمر والنهی ، الباب 26 ، الحدیث 10 .
  • )) النحل (16) : 106 .
  • )) تفسیر العیاشی 2 : 271 / 72 ، مجمع البیان 6 : 597 .
  • )) الکافی 4 : 103 / 9 ، وسائل الشیعة 10 : 56 ، کتاب الصوم ، أبواب ما یمسک عنه الصائم ، الباب 12 ، الحدیث 1 .
  • )) راجـع وسائـل الشیعـة 28 : 110 ، کتاب الحـدود ، أبواب حـدّ الـزنا ، الباب 18 ، الحـدیث 1 و2 و4 و5 .
  • )) وهذه الرسالة جاهزة للطبع وعلّقنا علیها بعض التعالیق . [المؤلّف]
  • )) الرسائل العشرة ، الإمام الخمینی قدس سره : 12 .