القول فی المسبّبات
فلنذکر ما أفاده بعض أعاظم العصر ، ثمّ نعقّبه بما هو المختار :
قال قدس سره : المسبّبات علی قسمین ، فهی :
تارة : تکون من الاُمور الاعتباریة التی لیس بحذائها فی وعاء العین شیء ، کالملکیة والزوجیة ممّا أمضاها الشارع ، فهذا القسم من الأحکام الوضعیة یستقلّ بالجعل ؛ فلو فرض أنّه أمکن أن یقع المسبّب عـن إکراه ونحوه کان للتمسّک بحدیث الرفع مجال . فینزّل المسبّب منزلة المعدوم فی عدم ترتّب الآثار المترتّبة علی المسبّب . لا أقول : إنّ الرفع تعلّق بالآثار ، بل تعلّق بنفس المسبّب ؛ لأنّـه بنفسه ممّا تناله ید الجعل .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 57
واُخری : ما یکون المسبّب من الاُمور الواقعیة التی کشف عنها الشارع ، کالطهارة والنجاسة ؛ فإنّها غیر قابلة للرفع التشریعی ، ولا تناله ید الجعل والرفع . نعم یصحّ أن یتعلّق الرفع التشریعی بها بلحاظ ما رتّب علیها من الآثار الشرعیة .
ولا یتوهّم : أنّ لازم ذلک عدم وجوب الغسل علی من اُکره علی الجنابة ، أو عدم وجوب التطهیر علی من اُکره علی النجاسة ؛ بدعوی : أنّ الجنابة المکره علیها وإن لم تقبل الرفع التشریعی إلاّ أنّها باعتبار ما لها من الأثر ـ وهو الغسل ـ قابلة للرفع .
فإنّ الغسل والتطهیر أمران وجودیان قد أمر بهما الشارع عقیب الجنابة والنجاسة مطلقاً ؛ من غیر فرق بین الجنابة الاختیاریة وغیرها ، انتهی کلامه .
قلت : إنّ ما تفصّی به عن الإشکال غیر صحیح ؛ فإنّ کونهما أمرین وجودیین لا یوجب عدم صحّة رفعهما ، کما أنّ إطلاق الدلیل فی الجنابة الاختیاریة وغیرها لا یمنع عن الرفع ؛ ضرورة أنّ الغرض حکومة الحدیث علی الإطلاقات الأوّلیة ، بل الإطلاق مصحّح للحکومة ، کما لا یخفی .
والأولی أن یقال فی التفصّی عن الإشکال : إنّه قد تحقّق فی محلّه أنّ الغسل مستحبّ نفسی قد جعل بهذه الحیثیة مقدّمة للصلاة .
وعلی ذلک : فالمرفوع بالحدیث فی الصورة المفروضة لو کان هو الاستحباب النفسی فغیر صحیح ؛ لأنّ الحـدیث حدیث امتنان ، ولا منّـة فی رفـع المستحبّات .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 58
وإن کان المرفوع شرطیته للصلاة فلا ریب أنّ الإکراه إنّما یتحقّق إذا اُکره علی ترک الغسل للصلاة . فحینئذٍ فلو ضاق الوقت وتمکّن المکلّف من التیمّم فلا إشکال فی أنّه یتبدّل تکلیفه إلی التیمّم ، وإن لم یتمکّن منه ؛ بأن اُکره علی ترکه أیضاً صار کفاقد الطهورین . والمشهور سقوط التکلیف عن فاقده . هذا کلّه فی الطهارة الحدثیة .
وأمّا الخبثیة من الطهارة فلو أکرهه المکرِه علی ترک غسل البدن والساتر ، إلی أن ضاق الوقت فلا ریب أنّه یجب علیه الصلاة کذلک ، فیرفع شرطیة الطهارة بالحدیث . ولو أمکن أن یخفّف ثوبه ونزعه فیجب علیه ـ علی الأقوی ـ ولو لم یتمکّن فعلیه الصلاة به ، ویصیر المقام من صغریات الإکراه بإیجاد المانع ، وقد مرّ حکمه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 59