المقصد السابع فی الاُصول العملیة

القول فی الإکراه

القول فی الإکراه

‏ ‏

‏فإن تعلّق الإکراه علی ترک إیجاد السبب أو ما یعدّ أمراً مقوّماً للعقد فهو‏‎ ‎‏کالنسیان .‏

‏وأمّا المانع : فلو تعلّق الإکراه بإیجاد مانع شرعی : فإن کان العاقد مضطرّاً‏‎ ‎‏اضطراراً عادیاً أو شرعیاً لإیجاد العقد ، والمکرِه یکرهه علی إیجاده فالظاهر جواز‏‎ ‎‏التمسّک به لرفع مانعیة المانع فی هذا الظرف ـ علی ما سبق تفصیله فی مبحث‏‎ ‎‏النسیان ـ وإن لم یکن مضطرّاً للعقد فالظاهر عدم صحّة التمسّک ؛ لعدم صدق الإکراه .‏

‏وأمّا إذا تعلّق الإکراه بترک الجزء والشرط فقد بنینا سابقاً علی صحّة التمسّک‏‎ ‎‏بالحدیث علی رفع جزئیته أو شرطیته فی حال الإکراه إذا کان مضطرّاً فی أصل‏‎ ‎‏العقد عادة أو شرعاً‏‎[1]‎‏ ، غیر أنّه عدلنا عنه أخیراً .‏

‏ومحصّل المختار فیه : عدم جریان الحدیث لرفعهما فی هذه الحالة ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الإکراه قد تعلّق بترک الجـزء والشرط ، ولیس للترک ـ بما هـو هـو ـ أثر شرعی‏‎ ‎‏قابل للرفع غیر البطلان ووجـوب الإعادة ، وهـو لیس أثراً شرعیاً ، بل مـن الاُمـور‏‎ ‎‏العقلیة الواضحـة .‏

‏فإنّ ما یرجع إلی الشارع لیس إلاّ جعل الجزئیة والشرطیة تبعاً أو استقلالاً ،‏‎ ‎‏بناءً علی صحّـة جعلهما أو إسقاطهما ـ کما فی مـوارد النسیان ـ وأمّا إیجاب‏‎ ‎‏الإعادة والقضاء بعد عدم انطباق المأمور به للمأتی به فإنّما هو أمر عقلی یدرکه‏‎ ‎‏هـو عند التطبیق .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 55
‏وتوهّم : أنّ مرجع الرفع عند الإکراه علی ترک جزء أو شرط إلی رفع جزئیته‏‎ ‎‏وشرطیته فی هذه الحالة ، کما مرّ توضیحه فی رافعیة النسیان إذا تعلّق بنفس الجزء‏‎ ‎‏والشرط .‏

‏مدفوع بأنّ المرفوع لابدّ وأن یکون ما هو متعلّق العنوان ؛ ولو باعتبار أنّه أثر‏‎ ‎‏لما تعلّق به العنوان ، کالجزئیة عند تعلّق النسیان بنفس الجزء ، وأمّا المقام فلم یتعلّق‏‎ ‎‏الإکراه إلاّ بنفس ترک الجزء والشرط ، والجزئیة لیست من آثار نفس الترک . نعم لو‏‎ ‎‏کان لنفس الترک أثر شرعی یرتفع أثره الشرعی عند الإکراه .‏

‏لا یقال : إنّ وجوب الإعادة مترتّب علی بقاء الأمر الأوّل ، کترتّب عدم‏‎ ‎‏وجوبها علی عدم بقائه ، فإذا کان بقاء الأمر کحدوثه أمراً شرعیاً تناله ید الجعل‏‎ ‎‏والرفع ، فلا محذور فی التمسّک بالحدیث لنفی وجوب الإعادة .‏

‏لأنّا نقول : إنّ وجوب الإعادة لیس أثراً شرعیاً فی حدّ نفسه ، ولا أثراً‏‎ ‎‏مجعولاً لبقاء الأمر الأوّل ، بل هو أمر عقلی منتزع ، یحکم به إذا أدرک مناط حکمه .‏

‏وما یری فی الأخبار مـن الأمـر بالإعادة فإنّما هـو إرشاد إلی فساد‏‎ ‎‏المأتی به وبطلانه .‏

‏ویشهد علی ذلک : أنّ التارک للإعادة لا یستحقّ إلاّ عقاباً واحداً لأجل عدم‏‎ ‎‏الإتیان بالمأمور به ، لا لترک إعادته . واحتمال العقابین کاحتمال انقلاب التکلیف إلی‏‎ ‎‏وجوب الإعادة باطل بالضرورة .‏

فتلخّص من جمیع ما ذکر :‏ أنّ الإکراه إن تعلّق بإیجاد المانع فیمکن أن یتمسّک‏‎ ‎‏بحدیث الرفع لتصحیح المأتی به ، وأمّا إذا تعلّق بترک الجزء والشرط فلا ، کما ظهر‏‎ ‎‏الفرق بین نسیان الجزء والشرط وبین ترکهما لأجل الإکراه ، فلاحظ .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 56

  • )) أنوار الهدایة 2 : 65 .