المقصد السابع فی الاُصول العملیة

القول فی نسیان الأسباب فی المعاملات

القول فی نسیان الأسباب فی المعاملات

‏ ‏

‏إنّ ما ذکرنا کلّه فی ناحیة الجزء والشرط جارٍ فی السبب حرفاً بحرف .‏

‏غیر أنّ بعض أعاظم العصر قد أفاد فی المقام : أنّ وقوع النسیان والإکراه‏‎ ‎‏والاضطرار فی ناحیتها لا یقتضی تأثیرها فی المسبّب ولا تندرج فی حدیث الرفع ؛‏‎ ‎‏لما تقدّم فی باب الأجزاء والشرائط من أنّ حدیث الرفع لا یتکفّل تنزیل الفاقد‏‎ ‎‏منزلة الواجد . فلو اضطرّ إلی إیقاع العقد بالفارسیة أو اُکره علیه أو نسی العربیة کان‏‎ ‎‏العقد باطلاً ـ بناءً علی اشتراط العربیة ـ فإنّ رفع العقد الفارسی لا یقتضی وقوع‏‎ ‎‏العقد العربی ، ولیس للعقد الفارسی أثر یصحّ رفعه بلحاظ رفع أثره ، وشرطیة‏‎ ‎‏العربیة لیست منسیة حتّی یکون الرفع بلحاظ رفع الشرطیة‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

قلت :‏ التحقیق هو التفصیل : فإن تعلّق النسیان بأصل السبب أو بشرط من‏‎ ‎‏شرائطه العقلائیة الذی به قوام العقد عرفاً ـ کإرادة تحقّق معناه ـ فلا ریب فی بطلان‏‎ ‎‏المعاملة ؛ إذ لیس هنا عقد عرفی حتّی یتّصف بالصحّة ظاهراً .‏

‏وإن تعلّق بشرط مـن شرائط الشرعیـة ، ککونه عربیاً ، أو تقدّم الإیجاب‏‎ ‎‏علی القبول ونحـو ذلک ؛ فلا إشکال فی تصحیح العقد المذکـور بحـدیث الـرفع ؛‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 53
‏فإنّ الموضوع ـ أعنی نفس العقد ـ محقّق قطعاً فی نظر العرف ، غیر أنّه فاقـد‏‎ ‎‏للشرط الشرعی .‏

‏فلو قلنا بحکومة الحدیث علی الشرائط ؛ بمعنی رفع شرطیة العربیة أو تقدّمه‏‎ ‎‏علی القبول فی هذه الحالة یصیر العقد الصادر من العاقد عقداً مؤثّراً فی نظر الشارع‏‎ ‎‏أیضاً . والنسیان وإن تعلّق بإیجاد الشرط لا بشرطیته لکن لا قصور فی شمول‏‎ ‎‏الحدیث لذلک ؛ لأنّ معنی رفع الشرط المنسی رفع شرطیته فی هذا الحال ، والاکتفاء‏‎ ‎‏بالمجرّد منه .‏

‏وأمّا ما أفاده من أنّ رفع العقد الفارسی لا یقتضی وقوع العقد العربی فواضح‏‎ ‎‏الإشکال ؛ لأنّ النسیان لم یتعلّق بالفارسی من العقد حتّی یترتّب علیه ما ذکر ، بل‏‎ ‎‏إنّما تعلّق بالشرط ـ أعنی العربیة ـ فرفعه رفع لشرطیته فی المقام ، ورفع الشرطیة‏‎ ‎‏عین القول بکون ما صدر سبباً تامّاً .‏

‏وتوهّم : أنّ القول بصحّة العقد المجرّد عن الشرط خلاف المنّة ، بل فیه‏‎ ‎‏تکلیف المکلّف بوجوب الوفاء بالعقد ، ولا یعدّ مثل ذلک امتناناً أصلاً‏‎[2]‎‏ ، مدفوع بأنّ‏‎ ‎‏إنفاذ المعاملة وتصحیحها حسب ما تراضیا علیه امتنان جدّاً ؛ إذ لیس وجوب الوفاء‏‎ ‎‏أمراً علی خلاف رضائه ، بل هو ممّا أقدم المتعاقدان علیه بطیب نفسهما .‏

‏فإنفاذ ما صدر عن المکلّف بطیب نفسه إحسان له ، فأیّ منّة أعظم من‏‎ ‎‏تصحیح النکاح الذی مضی منه عشرون سنة ، وقد رزق الوالدان طیلة هذه المدّة‏‎ ‎‏أولاداً ؟ ! فإنّ الحکم ببطلان ما عقده بالفارسیة مع کون الحال کذلک من الاُمور‏‎ ‎‏الموحشة الغریبة التی یندهش منه المکلّف ، وهذا بخلاف القول بالصحّة .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 54

  • )) نفس المصدر 3 : 356 ـ 357 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 221 .