القول فی نسیان الجزء والشرط فی العبادات
لو نسی شرطاً أو جزءً من المأمور به فهل یمکن تصحیحها بالحدیث ـ بناءً علی عموم الآثار ـ أو لا یمکن ؛ وإن کان المرفوع هو العموم ؟
واختار الثانی بعض أعاظم العصر قدس سره ، وأوضحه بوجوه :
منها : أنّ الحدیث لا یشمل الاُمور العدمیة ؛ لأنّه لا محلّ لورود الرفع علی الجزء والشرط المنسیین ؛ لخلوّ صفحة الوجود عنهما ، فلا یمکن أن یتعلّق الرفع بهما .
ومنها : أنّ الأثرالمترتّب علی الجزء والشرط لیس إلاّ الإجزاء وصحّة العبادة ، وهما لیسا من الآثار الشرعیة التی تقبل الوضع والرفع ، بل من الآثار العقلیة .
ومنها : أنّه لا یمکن أن یکون رفع السورة بلحاظ رفع أثر الإجزاء والصحّة ؛ فإنّ ذلک یقتضی عدم الإجزاء وفساد العبادة ، وهو ینافی الامتنان وینتج عکس المقصود ؛ فإنّ المقصود من التمسّک بالحدیث تصحیح العبادة لا فسادها . هذا کلّه بالنسبة إلی الأجزاء والشرائط .
وأمّا بالنسبة إلی المرکّب الفاقد للجزء أو الشرط المنسی فهو وإن کان أمراً وجودیاً قابلاً لتوجّه الرفع إلیه إلاّ أنّه :
أوّلاً : لیس هو المنسی أو المکرَه علیه لیتوجّه الرفع إلیه .
وثانیاً : لا فائدة فی رفعه ؛ لأنّ رفع المرکّب الفاقد للجزء أو الشرط لا یثبت
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 45
المرکّب الواجد له ؛ فإنّ ذلک یکون وضعاً لا رفعاً . ولیس للمرکّب الفاقد للجزء أو الشرط أثر یصحّ رفع المرکّب بلحاظه ؛ فإنّ الصلاة بلا سورة ـ مثلاً ـ لا یترتّب علیها أثر إلاّ الفساد وعدم الإجزاء ، وهو غیر قابل للرفع الشرعی .
ولا یمکن أن یقال : إنّ الجزئیة والشرطیة مرفوعتان ؛ لأنّ جزئیة الجزء لم تکن منسیة ، وإلاّ کان من نسیان الحکم ، ومحلّ الکلام إنّما هو نسیان الموضوع . فلم یتعلّق النسیان بالجزئیة حتّی یستشکل بأنّ الجزئیة غیر قابلة للرفع ؛ فإنّها غیر مجعولة ، فیجاب بأنّها مجعولة بجعل منشأ انتزاعها ، انتهی .
وقبل الخوض فیما یرد علی کلامه نذکر ما هو المختار :
فنقول : إنّ النسیان قد یتعلّق بالجزئیة والشرطیة ، فیکون مساوقاً لنسیان الحکم الکلّی ، وقد یتعلّق بنسیان نفس الجزء والشرط مع العلم بحکمهما ، کما هو المبحوث فی المقام .
وحینئذٍ فلا مانع من أن یتعلّق الرفع بنفس ما نسوا حتّی یعمّ الرفع کلا القسمین ؛ فإنّ المنسی قد یکون الجزئیة وقد یکون نفس الجزء والشرط ؛ فلو تعلّق الرفع بنفس ذات الجزء والشرط بما لهما من الآثار یصیر المأمور به ـ عندئذٍ ـ هو المرکّب الفاقد لهما ، ویکون تمام الموضوع للأمر فی حقّ الناسی هو ذلک الفاقد ، وهو یوجب الإجزاء علی ما مرّ تفصیله فی مبحث الإجزاء .
وإن شئت قلت : إنّ الحدیث حاکم علی أدلّة المرکّبات أو علی أدلّة الأجزاء والشرائط ، وبعد الحکومة تصیر النتیجة اختصاص الأجزاء والشرائط بغیر حالة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 46
النسیان ، ویکون تمام المأمور به فی حقّ المکلّف عامّة الأجزاء والشرائط ، غیر المنسی منها .
والقول بحکومتها فی حال نسیان الحکم ـ الجزئیة ـ لا فی حال نسیان نفس الجزء والشرط تحکّم محض بعد القول بتعلّق الرفع بنفس ما نسوا ؛ أی المنسی علی نحو الإطلاق .
فإن قلت : إنّ النسیان إذا تعلّق بالموضوع ولم یکن الحکم منسیاً لا یرتفع جزئیة الجزء للمرکّب ؛ لعدم نسیانها ، فلابدّ من تسلیم مصداق واجد للجزء ؛ حتّی ینطبق علیه عنوان المأمور به .
ولا معنی لرفع الجزء والشرط من مصداق المأمور به . ولو فرض رفعه لا یکون مصداقاً للمأمور به ما لم یدلّ دلیل علی رفع الجزئیة .
وبالجملة : لا یعقل صدق الطبیعة المعتبرة فیها الجزء والشرط علی المصداق الفاقد لهما ، ولا معنی لحکومة دلیل الرفع علی الأدلّة الواقعیة مع عدم تعلّق النسیان بالنسبة إلیها ، کما أنّه لا معنی لحکومته علی مصداق المأمور به .
قلت : هذا رجوع عمّا ذکرناه أساساً لهذا البحث ؛ فإنّ عقد هذا البحث إنّما هو بعد القول برفع الآثار عامّة . وعلیه : فمعنی رفع نفس الجزء رفع جمیع آثاره الشرعیة التی منها الجزئیة .
فمرجع رفع الجزء إلی رفع جزئیة الجزء للمرکّب عند نسیان ذات الجزء ، ویتقیّد دلیل إثبات الجزء بغیر حالة النسیان ، ومرجع رفع جزئیته إلی کون المرکّب الفاقد تمام المأمور به ، و إتیان ما هو تمام المأمور به یوجب الإجزاء وسقوط الأمر ، ویکون بقاء الأمر بعد امتثاله بلا جهة ولا ملاک .
فإن قلت : لو کان مفاد رفع جزئیة المنسی مطلقاً ـ حتّی بعد التذکّر
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 47
والالتفات ـ ملازماً لتحدید دائرة المأمور به فی حال النسیان بما عدا المنسی لکان لاستفادة الإجزاء وعدم وجوب الإعادة مجال ، ولکن ذلک خارج عن عهدة حدیث الرفع ؛ حیث إنّه لیس من شأنه إثبات التکلیف بالفاقد للمنسی ، وإنّما شأنه مجرّد رفع التکلیف عن المنسی مادام النسیان .
قلت : قد ذکر ذلک الإشکال بعض محقّقی العصر ، غیر أنّه یظهر ضعفه بعد المراجعة بما حرّرناه فی مبحث الإجزاء ؛ فإنّ معنی حکومته علی الأدلّة الواقعیة لیس إلاّ تقیید الدلیل الدالّ علی جزئیته بغیر حالة النسیان ، أو تخصیصه بغیر هذه الحالة ، فلو أتی بالمرکّب الفاقد للجزء فقد امتثل الأمر الواقعی ، ولا معنی بعدم الإجزاء بعد امتثاله .
وبعد الوقوف علی ما ذکرنا یظهر لک : أنّه لا یحتاج إلی إثبات کون حدیث الرفع محدّداً لدائرة التکلیف أو متعرّضاً إلی بعد حال النسیان ، أو غیر ذلک ممّا هو مذکور فی کلامه .
إذا عرفت ذلک : یظهر لک الخلل فیما نقلناه عن بعض الأعاظم قدس سره ؛ إذ فیما أفاده مواقع للأنظار ، نشیر إلی بعضها :
منها : أنّ ما هو متعلّق الرفع إنّما هو نفس الجزء المنسی بما له من الآثار ، وقد مرّ أنّ معنی رفعه إخراجه عن حدود الطبیعة المأمور بها ، وأمّا ترک الجزء فلیس متعلّقاً له حتّی یرد علیه ما أفاد من أنّ الرفع لا یتعلّق بالأعدام .
ومنها : أنّ الأثر المترتّب علی الجزء والشرط إنّما هو الجزئیة والشرطیة ،
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 48
وهما ممّا تنالهما ید الجعل باعتبار منشأ انتزاعهما ، ولا یحتاج فی رفعهما إلی أثر آخر ؛ حتّی یقال : إنّ الإجزاء وصحّة العبادة من الآثار العقلیة ، کما لا یخفی .
ومنه یظهر النظر فی ثالث الوجوه التی ذکرها قدس سره ، فراجع .
فإن قلت : إنّما یصحّ عبادة الناسی ، ویکون المرکّب الفاقد تمام المأمور به فی حقّه فیما إذا أمکن تخصیص الناسی بالخطاب ، وأمّا مع عدم إمکانه ـ لأجل کون الخطاب بقید أنّه ناسٍ یوجب انقلاب الموضوع إلی الذاکر ـ فلا یمکن تصحیح عبادته .
قلت : قد ذکر المشایخ ـ قدّس الله أسرارهم ـ وجوهاً صحّحوا بها تخصیص الناسی بالخطاب ؛ وإن کان کلّها غیر خالٍ عن التکلّف ، إلاّ أنّ التصحیح لا یتوقّف علی تخصیصه بالتکلیف .
بل الأمر المتعلّق بالصلاة فی الکتاب والسنّة کافٍ فی التصحیح ؛ فإنّ الذاکر والناسی إنّما یقصد بقیامه وقعوده امتثال تلک الخطابات المتعلّقة بالطبیعة التی منها قوله تعالی : «أَقِمِ الصلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَیْلِ» ، والداعی إلی العمل والباعث نحو الفعل فی الذاکر والناسی أمر واحد بلا اختلاف فی هذه الجهة ، وإنّما الاختلاف فی مصداق الطبیعة ، وهو لا یوجب اختلافاً فی الأمر .
وبالجملة : أنّ الفرد الکامل والفرد الناقص کلاهما فردان من الطبیعة المأمور بها ، غیر أنّه یلزم علی الذاکر إیجادها فی ضمن ذلک الفرد الکامل ، وعلی الناسی إیجادها فی ضمن ذلک الناقص ؛ لرفع جزئیة الجزء فی حقّ الناسی لأجل حکومة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 49
الحدیث ، وإیجاد الفرد إیجاد لنفس الطبیعة المأمور بها ، وإیجادها مسقط للأمر محصّل للغرض موجب للإجزاء .
وإن شئت فنزّل المقام بما دلّ علی الاکتفاء بالطهارة الترابیة عند فقدان الماء ؛ فإنّ باعث الواجد والفاقد إنّما هو أمر واحد ؛ وهو الأوامر المؤکّدة فی الکتاب والسنّة ، والمأمور به هو الطبیعة الواحدة ـ أعنی طبیعة الصلاة ـ غیر أنّه یجب علی الواجد إیجادها بالطهارة المائیة وعلی غیر المتمکّن إیجادها بالطهارة الترابیة .
والاختلاف فی المصداق لا یوجب تعدّد الأمر والخطاب ، ولا یوجب وقوع طبیعة الصلاة متعلّقاً لأمرین .
وإذا اتّضح الحال فیها : فقس المقام علیه ؛ فإنّ حدیث الرفع یجعل الفاقد مصداق الطبیعة ، ولا یصیر الطبیعة متعلّقة لأمرین ، ولا تحتاج إلی خطابین ، ولا إلی توجّهه بحاله ، ولا إلی کون المصداق هو الناقص ؛ حتّی یبحث عن إمکان اختصاص الناسی بالخطاب .
فقد اتّضح ممّا ذکر صحّة عبادة الناسی بحدیث الرفع .
ثمّ إنّ بعض أعاظم العصر قدس سره قد أیّد ما ادّعاه ـ قصور حدیث الرفع عن إثبات صحّة عبادة الناسی ـ بأنّ المدرک لصحّة الصلاة الفاقدة للجزء والشرط نسیاناً إنّما هو قاعدة لا تعاد . فلو کان المدرک حدیث الرفع کان اللازم صحّة الصلاة بمجرّد نسیان الجزء أو الشرط مطلقاً ، من غیر فرق بین الأرکان وغیرها ؛ فإنّه لا یمکن استفادة التفصیل من حدیث الرفع . ویؤیّد ذلک : أنّه لم یعهد من الفقهاء التمسّک بحدیث الرفع لصحّة الصلاة وغیرها من سائر المرکّبات ، انتهی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 50
وفیه : أنّ استفادة التفصیل بین الأرکان وغیرهـا مـن قاعدة لا تعاد لا یوجب عـدم کون حـدیث الرفع دلیلاً لصحّة عبادة الناسی ، غایـة الأمـر یلزم مـن الجمع بین الدلیلین تخصیص أحدهما ـ أعنی حدیث الرفع ـ بما یقتضیه الآخـر من التفصیل .
وأمّا ما أفاده من عدم معهودیة التمسّک به فی کلمات القوم فکفاه منعاً تمسّک السیّدین ـ علم الهدی وابن زهرة ـ به عند البحث عن التکلّم فی الصلاة نسیاناً ، وکلامهما وإن کان فی خصوص التکلّم إلاّ أنّه یظهر من الذیل عمومیة الحدیث لجمیع الموارد إلاّ ما قام علیه دلیل :
قال الأوّل فی «الناصریات» : دلیلنا علی أنّ کلام الناسی لا یبطل الصلاة ـ بعد الإجماع المتقدّم ـ ما روی عنه صلی الله علیه و آله وسلم : «رفع عن اُمّتی النسیان وما استکرهوا علیه» . ولم یرد رفع الفعل ؛ لأنّ ذلک لا یرفع ، وإنّما أراد رفع الحکم ، وذلک عامّ فی جمیع الأحکام إلاّ ما قام علیه دلیل .
ویقرب منـه کلام ابن زهـرة فی «الغنیـة» وتبعهما العلاّمـة والأردبیلی فی مواضع .
وقد نقل الشیخ الأعظم فی مسألة ترک غسل موضع النجو عن المحقّق فی «المعتبر» أنّه تمسّک بالحدیث لنفی الإعادة فی مسألة ناسی النجاسة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 51
وقد تمسّک الشیخ الأعظم وغیره فی مواضع بحدیث الرفع لتصحیح الصلاة ، فراجع .
ثمّ إنّ ما ذکرنا من البیان جارٍ فی النسیان المستوعب للوقت وغیر المستوعب ، بلا فرق بینهما أصلاً ؛ لأنّ المفروض أنّ الطبیعة کما یتشخّص بالفرد الکامل کذلک یوجد بالناقص منه ، وبعد تحقّق الطبیعة التی تعلّق بها الأمر لا معنی لبقاء الأمر ؛ لحصول الامتثال بعد إتیانها .
والحاصل : أنّ هنا أمراً واحداً متعلّقاً بنفس الطبیعة التی دلّت الأدلّة الواقعیة علی جزئیة الشیء الفلانی أو شرطیته لها ، والمفروض حکومة الحدیث علی تلک الأدلّة ، وتخصیصها بحال الذکر أو بغیر حال النسیان ، فیبقی إطلاق الأمر المتعلّق بالطبیعة بحالها ، ویصیر الإتیان بالفرد الناقص إتیاناً بتمام المأمور به فی ذلک الحال ، وهو یلازم الإجزاء وسقوط الأمر .
وکون النسیان مستوعباً أو غیر مستوعب لا یوجب فرقاً فی الحکم ؛ فإنّ حکومة الحدیث فی جزء من الوقت کافٍ فی انطباق ما هو عنوان المأمور به علیه ، وبانطباقه یسقط الأمر بلا إشکال .
وممّا ذکرنا یظهر الإشکال فیما أفاده بعض أعاظم العصر قدس سره ؛ حیث قال : إنّه لا یصدق نسیان المأمور به عند نسیان الجزء فی جزء من الوقت مع التذکّر فی بقیّته ؛ لأنّ المأمور به هو الفرد الکلّی الواجد لجمیع الأجزاء والشرائط ؛ ولو فی جزء من الوقت . فمع التذکّر فی أثناء الوقت یجب الإتیان بالمأمور به ؛ لبقاء وقته لو کان المدرک حدیث الرفع ؛ لأنّ المأتی به لا ینطبق علی المأمور به .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 52
فلولا حدیث لا تعاد کان اللازم هو إعادة الصلاة الفاقدة للجزء نسیاناً مع التذکّر فی أثناء الوقت ، انتهی .
وأنت خبیر بمواقع النظر فیما أفاده ، فلا نطیل بتکرار ما سبق منّا .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 53