المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الأمر الخامس‏: فی شمول الحدیث للاُمور العدمیة

الأمر الخامس : فی شمول الحدیث للاُمور العدمیة

‏ ‏

‏بعدما أثبتنا : أنّ المرفوع فی الحدیث هو عموم الآثار ، فهل یختصّ بالاُمور‏‎ ‎‏الوجودیة ـ أی رفع آثار اُمور موجودة فی الخارج إذا انطبق علیها إحدی تلک‏‎ ‎‏العناوین ـ أو یعمّ ؟‏

‏مثلاً : لو نذر أن یشرب مـن ماء الفرات ، فاُکره علی الترک أو اضطـرّ إلیه أو‏

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 42
‏نسی أن یشربـه فهل یجب علیه الکفّارة ـ بناءً علی عـدم اختصاصها بصورة‏‎ ‎‏التعمّد ـ أو لا ؟‏

فیظهر عن بعض أعاظم العصر ‏قدس سره‏‏ اختصاصه بالاُمور الوجودیة ؛ حیث قال :‏‎ ‎‏إنّ شأن الرفع تنزیل الموجود منزلة المعدوم ، لا تنزیل المعدوم منزلة الموجود ؛ لأنّ‏‎ ‎‏تنزیل المعدوم منزلة الموجود إنّما یکون وضعاً لا رفعاً ، والمفروض أنّ المکلّف قد‏‎ ‎‏ترک الفعل عن إکراه أو نسیان ، فلم یصدر منه أمر وجودی قابل للرفع .‏

‏ولا یمکن أن یکون عدم الشرب فی المثال مرفوعاً وجعله کالشرب ؛ حتّی‏‎ ‎‏یقال : إنّه لم یتحقّق مخالفة النذر ، فلا حنث ولا کفّارة .‏

والحاصل :‏ أنّه فرق بین الوضع والرفع ؛ فإنّ الوضع یتوجّه إلی المعدوم‏‎ ‎‏فیجعله موجوداً ویلزمه ترتیب آثار الوجود ، والرفع بعکسه ، فالفعل الصادر من‏‎ ‎‏المکلّف عن نسیان أو إکراه یمکن ورود الرفع علیه ، وأمّا الفعل الذی لم یصدر من‏‎ ‎‏المکلّف عن نسیان أو إکراه فلا محلّ للرفع فیه ؛ لأنّ رفع المعدوم لا یمکن إلاّ‏‎ ‎‏بالوضع والجعل ، والحدیث حدیث رفع لا حدیث وضع‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه :‏ أنّ ترک الشرب بعد ما تعلّق علیه النذر وصار ذات أثر یکون له ثبوت‏‎ ‎‏فی عالم الاعتبار ؛ إذ ما لا ثبوت له ـ ولو بهذا النحو من الثبوت ـ لا یقع تحت دائرة‏‎ ‎‏الحکم ، ولا یصیر موضوعاً للوفاء والحنث .‏

‏کیف ، وقـد فرضنا أنّ الکفّارة قـد تترتّب علی ترک ذاک الترک ، وصار مـلاکاً‏‎ ‎‏للحنث ، وبعد هـذا الثبوت الاعتباری لا مانع مـن تعلّق الرفـع علیـه بما لـه مـن‏‎ ‎‏الآثار .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 43
وأمّا‏ ما أفاده من أنّ الرفع لا یمکن إلاّ بالوضع غریب جدّاً ؛ فإنّ الرفع‏‎ ‎‏قد تعلّق بحسب الجدّ علی أحکام تلک العناوین وآثارها ، فرفع تلک الآثار ـ سواء‏‎ ‎‏کانت أثر الفعل أو الترک ـ لا یستلزم الوضع أصلاً .‏

‏علی أنّ التحقیق : أنّه لا مانع من تعلّق الرفع بالاُمور العدمیة ؛ إذ الرفع رفع‏‎ ‎‏ادّعائی لا حقیقی ، والمصحّح له لیس إلاّ آثار ذلک العدم وأحکامها ، کما أنّ‏‎ ‎‏المصحّح لرفع الاُمور الوجودیة هو آثارها وأحکامها .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ مصبّ الرفع وإن کان نفس الأشیاء لکن لا بما هی هی ،‏‎ ‎‏بل بمعرّفیة العناوین المذکورة فی الحدیث ، فکلّ أمر یتعلّق علیه الاضطرار أو یقع‏‎ ‎‏مورد النسیان والإکراه فهو مرفوع الأثر لأجل تلک العناوین ، من غیر فرق ؛ سواء‏‎ ‎‏کان المضطرّ إلیه أمراً وجودیاً أو عدمیاً .‏

وربّما یقال‏ فی مقام جواب المستشکل : أنّ الرفع مطلقاً متعلّق بموضوعیة‏‎ ‎‏الموضوعات للأحکام ؛ فمعنی رفع ‏«ما اضطرّوا إلیه»‏ أنّه رفع موضوعیته للحکم ،‏‎ ‎‏وکذا فی جانب العدم والترک‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه :‏ أنّه لو رجع إلی ما قلناه فنِعْم الوفاق والاتّفاق ، وإن أراد ظاهره من‏‎ ‎‏تقدیر موضوعیة کلّ واحد لأحکامها فهو ضعیف جدّاً ؛ لأنّه یکون أسوأ حالاً من‏‎ ‎‏تقدیر الآثار ، بل لا یصیر الرفع ادّعائیاً ، مع أنّه قد اعترف القائل فی بعض کلماته :‏‎ ‎‏أنّ الرفع ادّعائی‏‎[3]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 44

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 353 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 219 .
  • )) نفس المصدر 3 : 209 .