المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الأمر الرابع‏: فی بیان المصحّح لإسناد الرفع

الأمر الرابع : فی بیان المصحّح لإسناد الرفع

‏ ‏

‏لا شکّ : أنّ الرفع تعلّق بهذه العناوین فی ظاهر الحدیث ، مع أنّها غیر مرفوع‏‎ ‎‏عن صفحة الوجود ، فیحتاج تعلّق الرفع بها إلی عنایة ومناسبة . وهل المصحّح‏‎ ‎‏للدعوی هی رفع المؤاخذة أو جمیع الآثار أو الأثر المناسب ؟ ذهب إلی کلٍّ فریق :‏

فاختار الأوّل شیخنا العلاّمة‏ ـ أعلی الله مقامه ـ حیث أفاد : مـن أنّ الظاهـر‏‎ ‎‏لـو خلّینا وأنفسنا أنّ نسبـة الرفـع إلی المذکـورات إنّما تکون بملاحظة رفع‏‎ ‎‏المؤاخذة‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 39
وفیه‏ ـ مضافاً إلی أنّ المؤاخذة أمر تکوینی لا یناسب رفعه ولا وضعه مع‏‎ ‎‏مقام التشریع ـ أنّ المؤاخذة لیست من أظهر خواصّها ؛ حتّی یصحّ رفع العناوین‏‎ ‎‏لأجل رفعها .‏

‏مع أنّ صحیحة البزنطی‏‎[2]‎‏ التی استشهد الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ فیها بهذا الحدیث علی‏‎ ‎‏رفع الحلف الإکراهی أوضح دلیل علی عدم اختصاص الحدیث برفع المؤاخذة‏‎ ‎‏فقط ، والخصم لم یتلقّ حکم الإمام أمراً غریباً ، بل أمراً جاریاً مجری الاُمور‏‎ ‎‏العادیة .‏

وأمّا رفع الأثر المناسب :‏ فقد استشکل فیه شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ‏‎ ‎‏بأنّه یحتاج لملاحظات عدیدة‏‎[3]‎‏ .‏

والظاهر :‏ أنّ ما ذکره لیس مانعاً عن الذهاب إلیه ؛ إذ لا نتصوّر فیه منعاً إذا‏‎ ‎‏ناسب الذوق العرفی ، بل الوجه فی بطلانه : أنّ رفع الموضوع برفع بعض آثاره لیس‏‎ ‎‏أمراً صحیحاً عند العرف الساذج ، بل یری العرف رفع الموضوع مع ثبوت بعض‏‎ ‎‏آثاره أمراً مناقضاً ، وإنّما یصحّ فی نظره رفع الموضوع إذا رفع جمیع آثاره تشریعاً‏‎ ‎‏حتّی یصحّ ادّعاء رفعه عن صفحة الوجود .‏

‏فإن قلت : لو کان الأثر المناسب من أشهر خواصّه وآثاره ؛ بحیث یعدّ العرف‏‎ ‎‏ارتفاعه مساوقاً لارتفاع الموضوع فمنع توافق العرف علی هذا الرفع ممنوع .‏

‏قلت : رفع الموضوع برفع بعض الآثار الظاهرة إنّما یصحّ لو نزّل غیره‏‎ ‎‏منزلة العدم .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 40
‏وإن شئت قلت : إنّ رفع الموضوع بلحاظ رفع بعض آثاره یتوقّف علی‏‎ ‎‏تصحیح ادّعائین : الاُولی دعوی أنّ رفع هذا البعض رفع لجمیع آثاره وخواصّه ،‏‎ ‎‏الثانیة دعوی أنّ رفع جمیع الآثار وخلوّ الموضوع عن کلّ أثر مساوق لرفع نفس‏‎ ‎‏الموضوع .‏

‏وهذا بخلاف ما لو قلنا : إنّ المرفوع هو عامّة الآثار ؛ فإنّه لا یحتاج إلاّ إلی‏‎ ‎‏الدعوی الثانیة فقط . هذا ، مع أنّ إطلاق الدلیل أیضاً یقتضی رفع الموضوع بجمیع‏‎ ‎‏آثاره .‏

‏لا یقال : إنّ الدعوی الاُولی ممّا لا خلاف فیه ولا إشکال ؛ فإنّ لهذه العناوین‏‎ ‎‏آثاراً غیر شرعیة ، فهی غیر مرفوعة جدّاً . فلابدّ من دعوی أنّ الآثار غیر الشرعیة‏‎ ‎‏فی حکم العدم ، أو أنّ الآثار الشرعیة جمیع الآثار ، وأیّ فرق بین أن یقال : إنّ هذا‏‎ ‎‏الأثر الشرعی جمیع الآثار الشرعیة ، أو أنّ الآثار الشرعیة تمام الآثار ؟‏

‏لأنّا نقول : لا حاجة إلی هذه الدعوی بعدما کان الرفع فی محیط التشریع ؛‏‎ ‎‏فإنّ وظیفة الشارع رفع أو وضع ما هو بیده ، وأمّا الخارج عن یده فلیس له بالنسبة‏‎ ‎‏إلیهما شأن . فالآثار التکوینیة مغفول عنها ، فلا یحتاج إلی الدعوی .‏

‏لا یقال : إنّ المرفوع بالحدیث عند طروّ الخطأ والنسیان الآثار المترتّبة علی‏‎ ‎‏ذات المعنونات ، وأمّا الآثار المترتّبة علی نفس الخطأ والنسیان فغیر مرفوع قطعاً .‏‎ ‎‏فعلی هذا یحتاج إلی الدعوی الاُولی .‏

‏لأنّا نقول : إنّ المرفوع إنّما هو آثار الخطأ والنسیان المأخوذین طریقاً إلی‏‎ ‎‏متعلّقاتهما ، وعنواناً ومرآة إلی معنونهما ؛ فإنّه المتبادر من الحدیث عند الإلقاء .‏

‏فعلی هذا فالآثار المترتّبة علی نفس الخطأ والنسیان علی نحو الموضوعیة‏‎ ‎‏مغفولة عنها ، فلا یحتاج إلی الدعوی .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 41
‏وإن شئت قلت : إنّ العرف لا یفهم من رفعهما إلاّ رفع آثار ما أخطأ ونسی ،‏‎ ‎‏کما هو المتبادر إذا قیل : «جهالاتهم معفوّة» . ویدلّ علی ذلک تعبیر الإمام فی‏‎ ‎‏صحیحة البزنطی ؛ حیث نقل الحدیث بلفظ : «ما أخطأوا» .‏

فظهر :‏ عدم شمول الحدیث للآثار المترتّبة علی نفس العناوین ، وعدم لزوم‏‎ ‎‏التفکیک بین فقرات الحدیث ؛ فإنّ أکثر العناوین المذکورة فی الحدیث مأخوذ علی‏‎ ‎‏نحو الطریقیة ؛ خصوصاً فیما نسب فیه الرفع إلی الموصول ، فیکون ذلک قرینة علی‏‎ ‎‏انتقال الذهن عند استماع إسناد الرفع إلیها إلی رفع آثار معنوناتها ، لا غیر .‏

‏نعم ، العناوین الثلاثة الأخیرة ـ الحسد ، والطیرة والوسوسة ـ عناوین نفسیة ،‏‎ ‎‏لا مناص فیها إلاّ رفع ما هو آثار لأنفسها ؛ لعدم قابلیتها علی الطریقیة ؛ وإن لزم منه‏‎ ‎‏التفکیک ، إلاّ أنّ هذا المقدار ممّا لابدّ منه .‏

‏وإن أبیت إلاّ عن وحدة السیاق یمکن أن یقال : إنّ الرفع قد تعلّق فی الجمیع‏‎ ‎‏بعناوین نفسیة حسب الإرادة الجدّیة ، إلاّ أنّ ذلک إمّا بذکر نفس تلک العناوین‏‎ ‎‏النفسیة ، أو بذکر ما هو طریق إلیها ؛ من الخطأ والنسیان ، أو بتوسّط الموصول ، من‏‎ ‎‏دون تفکیک أو ارتکاب خلاف ظاهر .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 42

  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 442 .
  • )) المحاسن : 339 / 124 ، وسائل الشیعة 23 : 226 ، کتاب الأیمان ، الباب 12 ، الحدیث 12 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 443 .