المقصد السابع فی الاُصول العملیة

الأمر الثانی‏: فی وجه تقدیم الأمارات علی الاُصول

الأمر الثانی : فی وجه تقدیم الأمارات علی الاُصول

‏ ‏

‏قد عرّف المحقّقون الحکومة بتعاریف‏‎[1]‎‏ ، ولعلّ محصّلها یرجع إلی کون‏‎ ‎‏الدلیل الحاکم متعرّضاً للمحکوم نحو تعرّض ، ولو بنحو اللزوم العرفی أو العقلی ممّا‏‎ ‎‏لا یرجع إلی التصادم فی مرحلة الظهور . وإن شئت قلت : کون الدلیل متعرّضاً‏‎ ‎‏لحیثیة من حیثیات دلیل المحکوم ممّا لا یتکفّله دلیل المحکوم ؛ توسعة وضیقاً .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 11
‏وبذلک ـ أی تعرّض الحاکم لما لم یتعرّض به المحکوم ممّا یرجع إلی حیثیة‏‎ ‎‏من حیثیاته ـ یعلم : أنّ الحکومة قائمة بلسان الدلیل الحاکم وکیفیة تأدیته ، فلا‏‎ ‎‏یتصوّر بین اللبّیة الصرفة کالإجماع أو الأدلّة العقلیة ، نعم یتصوّر بینهما الورود أو‏‎ ‎‏التخصیص وغیرهما .‏

إذا عرفت ذلک :‏ المشهور أنّ الأمارات حاکمة علی الاُصول العملیة ، والظاهر‏‎ ‎‏أنّ فی هذا التعبیر مسامحة ؛ فإنّ الحکومة إنّما هو بین أدلّة الأمارات وأدلّة الاُصول‏‎ ‎‏لا بینهما ، کما لا یخفی .‏

‏علی أنّ أدلّة الأمارات لیست علی نسق واحد حتّی یصیر الترجیح علی أدلّة‏‎ ‎‏الاُصول بمثابة واحدة بل تختلف ، وباختلافها یختلف وجه الترجیح .‏

‏فإنّ من الأمارات قول الثقة ؛ فإن کان المدرک لحجّیة قوله آیة النبأ‏‎[2]‎‏ ،‏‎ ‎‏فالترجیح إنّما هو بالحکومة ؛ فإنّ لسانها أنّ خبر العدل متبیّن ، ولیس العمل علی‏‎ ‎‏قوله عملاً بجهالة ، فیقدّم علی الاُصول ؛ لکون موضوعاتها الجهالة وعدم العلم أو‏‎ ‎‏الشکّ .‏

‏وإن کان حجّیتها لأجل بعض الأخبار الواردة فیها فلا یبعد أن یکون التقدیم‏‎ ‎‏أیضاً علی نحو الحکومة ، مثل قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«ما أدّیا إلیک عنّی فعنّی یؤدّیان»‎[3]‎‏ .‏

‏وإن کان المستند هو بناء العقلاء علی العمل به فی اُمورهم : فلا شکّ أنّ‏‎ ‎‏التقدیم لیس لأجل الحکومة ؛ لتقوّمها بلسان الدلیل ودلالته اللفظیة ، ولا لسان‏‎ ‎‏للدلیل اللبّی . فلابدّ أن یکون التقدیم بنحو الورود أو غیره .‏


کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 12
‏ومن ذلک یعلم : أنّ تقدیم دلیل أصالة الصحّة فی فعل الغیر علی الاستصحاب‏‎ ‎‏لیس بنحو الحکومة ، لکونه لبّیاً ، وهو بناء العقلاء .‏

‏وأمّا تقدیم أدلّة قاعدة التجاوز علی دلیل الاستصحاب فالظاهر : أنّه علی‏‎ ‎‏نحو الحکومة ، بناءً علی أنّ الاستصحاب أصل ؛ فإنّ مفاده عدم نقض الیقین‏‎ ‎‏بالشکّ ، ولسان الأدلّة فی القاعدة هو عدم الشکّ أو عدم شیئیته ، وهذا لسان‏‎ ‎‏الحکومة ، بل أیّ حکومة أقوی من قوله : ‏«إنّما الشکّ إذا کنت فی شیء لم‎ ‎تجزه»‎[4]‎‏ ، أو قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«فشکّک لیس بشیء»‎[5]‎‏ .‏

ثمّ‏ إنّ بعض أعاظم العصر نسب إلی الشیخ الأعظم أنّه قال هنا وفی مبحث‏‎ ‎‏التعادل والترجیح : إنّ التنافی بین الأمارات والاُصول هو التنافی بین الحکم الواقعی‏‎ ‎‏والظاهری وأنّ الجمع هو الجمع .‏

‏ثمّ أورد علیه : بأنّ المقامین مختلفان تنافیاً وجمعاً ، وأنّ الجمع بین الأمارات‏‎ ‎‏والاُصول إنّما هو بالحکومة لا بما أفاده‏‎[6]‎‏ ، انتهی .‏

‏وفیه : أنّ الشیخ الأعظم قد صرّح بحکومة الأمارات علی الاُصول فی‏‎ ‎‏کلا المقامین ، ولیس فی کلامه ما یوهم ما نسبه إلیه ، فراجع‏‎[7]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 13

  • )) راجع فرائد الاُصول، ضمن تراث الشیخ الأعظم 27 : 13 ، کفایة الاُصول : 496 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 594 ، 712 ـ 714 .
  • )) الحجرات (49) : 6 .
  • )) الکافی 1 : 329 / 1 ، وسائل الشیعة 27 : 138 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 4 .
  • )) تهذیب الأحکام 1 : 101 / 262 ، وسائل الشیعة 1 : 469 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 42 ، الحدیث 2 .
  • )) تهذیب الأحکام 2 : 352 / 1459 ، وسائل الشیعة 8 : 237 ، کتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ، الباب 23 ، الحدیث 1 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 326 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 11 و 27 : 11 .