ذکر وتنقیح
قال المحقّق الإصفهانی قدس سره: إنّ المهمّ فی هذا الأمر تحقیق أنّ الصحّة والفساد المبحوث عنهما فی هذا البحث هل التمامیّة وعدمها من حیث موافقة الأمر، أو من حیث إسقاط الإعادة والقضاء، أو من حیث استجماع الأجزاء والشرائط، أو من
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 275
حیث ترتّب الثمرة؟ إلی غیر ذلک.
ولیعلم أوّلاً أنّ المراد من الوضع للصحیح أو للأعمّ، هو الوضع لما هو الصحیح أو للأعمّ بالحمل الشائع.
والتحقیق: أنّ التمام فیه من حیث موافقة الأمر، أو من حیث إسقاط الإعادة والقضاء لم یکن محلاًّ للبحث، لا لأجل أنّ موافقة الأمر، وإسقاط الإعادة والقضاء، لایکونان إلاّ مع الإتیان بداعی الأمر، فکیف یقع فی حیّز الأمر؛ لأنّ هذا مختصّ بالتعبّدیّات، ولا یعمّ التوصّلیّات، ومحلّ البحث عامّ، بل لأجل أنّ الشیء لا یتّصف بعنوان کونه موافقاً للأمر، أو مسقطاً للإعادة والقضاء، إلاّ بعد الأمر به وإتیانه ـ تعبّدیّاً کان أو توصلیّاً ـ ومثله لا یمکن أن یقع فی حیّز الأمر.
وأمّا التامّ بمعنی ترتّب الأثر فربّما یتوهّم امتناع الوضع له أیضاً؛ لأنّ عنوان التمامیّة من حیث ترتّب الأثر منتزع عن الشیء بعد ترتّب الأثر علیه، والأثر أمر خارج عن حقیقة ذات مؤثّره، فلا یعقل أخذه فیه.
ولکن فیه أوّلاً: أنّ خروج الأثر عن مرتبة ذات المؤثّر ووجوده واستحالة دخله فیه، لا یوجب استحالة دخله فی التسمیة؛ بأن یکون اللّفظ موضوعاً للفعل القائم به الأثر، کما إذا وضعت لفظة «الصلاة» لما هو ناهٍ عن الفحشاء، بالحمل الشائع.
وثانیاً: أنّ التمامیّة من حیث ترتّب الأثر لا تنتزع عن الشیء المؤثّر بما أنـّه مؤثر بعد تأثیره، کما ینتزع عنوان المؤثر والکلی عن الشیء، بلحاظ أنـّه مؤثّر وکلی؛ لأنّ التامّ بالحمل الشائع متقوّم بالتمامیّة بلحاظ ترتّب الأثر علی المبدأ القائم بذات التامّ المصحّح لانتزاع عنوان حیثیّة التمامیّة، لا حیثیّة الأثر وإن کانت التمامیّة من حیث ترتّب الأثر لا تنفکّ عنه، کالعلّة والمعلول، فإنّ عنوان العلّة منتزع عن ذات العلّة؛ حیث بلغت حدّاً یجب بها ذات المعلول، لا من العلّة المترتّب علیها المعلول.
ومنه تبیّن: أنّ مصداق الصحیح ـ بمعنی التامّ من حیث ترتّب الأثر ـ ذات
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 276
مایترتّب علیه الأثر؛ أی هذه الحصّة لا بوصف المُترتّب؛ حتّی یُقال: إنّه لم یوضع اللّفظ لمصداق الصحیح، بل لما یلازمه.
إذا عرفت هذا فأعلم: أنّ ما تُضاف إلیه التمامیّة مختلف باختلاف الأقوال؛ فمن ذهب إلی الوضع للمرتبة العلیا والتوسّع فی البواقی، فغرضه التمامیّة من حیث استجماع جمیع الأجزاء والشرائط؛ ومن ذهب إلی الوضع لجامع یجمع جمیع المراتب، فغرضه التمامیّة من حیث فعلیّة ترتّب الأثر مطلقاً إن صحّ دخول القربة فی متعلّق الأمر، أو من حیث الترتّب بشرط ضمّ القربة، ومن ذهب إلی التفصیل بین الأجزاء والشرائط، فغرضه التمامیّة من حیث ترتّب الأثر بضمّ الشرائط، والوجه فی الجمیع واضح، فلاتغفل. انتهی محرّراً.
وفیه: أنّ من الواضح أنـّه لم یرد قدس سره أنّ اللّفظ موضوع لمفهوم ما یترتّب علیه الأثر، ولا یمکن الالتزام به؛ لأنـّه یلزم أن یکون مفهوم الصلاة هو مفهوم ما یترتّب علیه الأثر، وهو کما تری، فلو کان موضوعاً لما یکون مؤثّراً بالحمل الشائع فلا یخلو إمّا أن یرید ما یکون مؤثّراً فعلاً، أو شأناً.
وعلیٰ الأوّل: یلزم أن یکون الموضوع له خاصّاً، وهو قدس سره غیر ملتزم به؛ لأنّ مایکون مؤثّراً فعلاً هو الموجود الخارجی، مع أنّ الموضوع له للّفظ لیس إلاّ نفس الطبیعة.
هذا أوّلاً.
وثانیاً: یتوجّه علیه ما أورده علی صورة أخذ التمام بمعنی مُوافقة الأمر، أو المُسقط للقضاء والإعادة؛ لأنّ کون الشیء مؤثّراً فعلاً یتوقّف علی الإتیان المتوقّف علی الأوّل.
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 277
وإن أراد ما یکون مؤثّراً شأناً فیتوجّه علیه الإشکال الأخیر، مُضافاً إلی أنـّه علی هذا تکون نفس مقالة الشیخ الأعظم قدس سره القائل: بأنّ الصلاة ـ مثلاً ـ موضوعة لمایکون مُستجمعاً لجمیع الأجزاء والشرائط؛ من دون احتیاج إلی إتعاب النفس وتبعید المسافة.
فتحصّل من کلّ ما ذکرنا فی المقام الأوّل: أنـّه یمکن أن یکون محلّ النزاع جمیع الأجزاء والشرائط؛ من دون أن یلزم منه محذور عقلیّ.
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 278