الأمر الحادی عشر فی البحث المعروف بـ«الصحیح والأعمّ»

ذکر و تنقیح

ذکر وتنقیح

‏قال المحقّق الإصفهانی ‏‏قدس سره‏‏: إنّ المهمّ فی هذا الأمر تحقیق أنّ الصحّة والفساد‏‎ ‎‏المبحوث عنهما فی هذا البحث هل التمامیّة وعدمها من حیث موافقة الأمر، أو من‏‎ ‎‏حیث إسقاط الإعادة والقضاء، أو من حیث استجماع الأجزاء والشرائط، أو من‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 275
‏حیث ترتّب الثمرة؟ إلی غیر ذلک.‏

‏ولیعلم أوّلاً أنّ المراد من الوضع للصحیح أو للأعمّ، هو الوضع لما هو الصحیح‏‎ ‎‏أو للأعمّ بالحمل الشائع.‏

والتحقیق:‏ أنّ التمام فیه من حیث موافقة الأمر، أو من حیث إسقاط الإعادة‏‎ ‎‏والقضاء لم یکن محلاًّ للبحث، لا لأجل أنّ موافقة الأمر، وإسقاط الإعادة والقضاء،‏‎ ‎‏لایکونان إلاّ مع الإتیان بداعی الأمر، فکیف یقع فی حیّز الأمر؛ لأنّ هذا مختصّ‏‎ ‎‏بالتعبّدیّات، ولا یعمّ التوصّلیّات، ومحلّ البحث عامّ، بل لأجل أنّ الشیء لا یتّصف‏‎ ‎‏بعنوان کونه موافقاً للأمر، أو مسقطاً للإعادة والقضاء، إلاّ بعد الأمر به وإتیانه ـ تعبّدیّاً‏‎ ‎‏کان أو توصلیّاً ـ ومثله لا یمکن أن یقع فی حیّز الأمر.‏

‏وأمّا التامّ بمعنی ترتّب الأثر فربّما یتوهّم امتناع الوضع له أیضاً؛ لأنّ عنوان‏‎ ‎‏التمامیّة من حیث ترتّب الأثر منتزع عن الشیء بعد ترتّب الأثر علیه، والأثر أمر‏‎ ‎‏خارج عن حقیقة ذات مؤثّره، فلا یعقل أخذه فیه.‏

ولکن فیه أوّلاً: ‏أنّ خروج الأثر عن مرتبة ذات المؤثّر ووجوده واستحالة‏‎ ‎‏دخله فیه، لا یوجب استحالة دخله فی التسمیة؛ بأن یکون اللّفظ موضوعاً للفعل‏‎ ‎‏القائم به الأثر، کما إذا وضعت لفظة «الصلاة» لما هو ناهٍ عن الفحشاء، بالحمل الشائع.‏

وثانیاً: ‏أنّ التمامیّة من حیث ترتّب الأثر لا تنتزع عن الشیء المؤثّر بما أنـّه‏‎ ‎‏مؤثر بعد تأثیره، کما ینتزع عنوان المؤثر والکلی عن الشیء، بلحاظ أنـّه مؤثّر وکلی؛‏‎ ‎‏لأنّ التامّ بالحمل الشائع متقوّم بالتمامیّة بلحاظ ترتّب الأثر علی المبدأ القائم بذات‏‎ ‎‏التامّ المصحّح لانتزاع عنوان حیثیّة التمامیّة، لا حیثیّة الأثر وإن کانت التمامیّة من حیث‏‎ ‎‏ترتّب الأثر لا تنفکّ عنه، کالعلّة والمعلول، فإنّ عنوان العلّة منتزع عن ذات العلّة؛‏‎ ‎‏حیث بلغت حدّاً یجب بها ذات المعلول، لا من العلّة المترتّب علیها المعلول.‏

ومنه تبیّن:‏ أنّ مصداق الصحیح ـ بمعنی التامّ من حیث ترتّب الأثر ـ ذات‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 276
‏مایترتّب علیه الأثر؛ أی هذه الحصّة لا بوصف المُترتّب؛ حتّی یُقال: إنّه لم یوضع اللّفظ‏‎ ‎‏لمصداق الصحیح، بل لما یلازمه.‏

‏إذا عرفت هذا فأعلم: أنّ ما تُضاف إلیه التمامیّة مختلف باختلاف الأقوال؛ فمن‏‎ ‎‏ذهب إلی الوضع للمرتبة العلیا والتوسّع فی البواقی، فغرضه التمامیّة من حیث استجماع‏‎ ‎‏جمیع الأجزاء والشرائط؛ ومن ذهب إلی الوضع لجامع یجمع جمیع المراتب، فغرضه‏‎ ‎‏التمامیّة من حیث فعلیّة ترتّب الأثر مطلقاً إن صحّ دخول القربة فی متعلّق الأمر، أو‏‎ ‎‏من حیث الترتّب بشرط ضمّ القربة، ومن ذهب إلی التفصیل بین الأجزاء والشرائط،‏‎ ‎‏فغرضه التمامیّة من حیث ترتّب الأثر بضمّ الشرائط، والوجه فی الجمیع واضح،‏‎ ‎‏فلاتغفل‏‎[1]‎‏. انتهی محرّراً.‏

وفیه: ‏أنّ من الواضح أنـّه لم یرد ‏‏قدس سره‏‏ أنّ اللّفظ موضوع لمفهوم ما یترتّب علیه‏‎ ‎‏الأثر، ولا یمکن الالتزام به؛ لأنـّه یلزم أن یکون مفهوم الصلاة هو مفهوم ما یترتّب‏‎ ‎‏علیه الأثر، وهو کما تری، فلو کان موضوعاً لما یکون مؤثّراً بالحمل الشائع فلا یخلو‏‎ ‎‏إمّا أن یرید ما یکون مؤثّراً فعلاً، أو شأناً.‏

وعلیٰ الأوّل: ‏یلزم أن یکون الموضوع له خاصّاً، وهو ‏‏قدس سره‏‏ غیر ملتزم به؛ لأنّ‏‎ ‎‏مایکون مؤثّراً فعلاً هو الموجود الخارجی، مع أنّ الموضوع له للّفظ لیس إلاّ نفس‏‎ ‎‏الطبیعة.‏

هذا أوّلاً.

‏وثانیاً: ‏‏یتوجّه علیه ما أورده علی صورة أخذ التمام بمعنی مُوافقة الأمر، أو‏‎ ‎‏المُسقط للقضاء والإعادة؛ لأنّ کون الشیء مؤثّراً فعلاً یتوقّف علی الإتیان المتوقّف‏‎ ‎‏علی الأوّل.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 277
‏وإن أراد ما یکون مؤثّراً شأناً فیتوجّه علیه الإشکال الأخیر، مُضافاً إلی أنـّه‏‎ ‎‏علی هذا تکون نفس مقالة الشیخ الأعظم ‏‏قدس سره‏‏ القائل: بأنّ الصلاة ـ مثلاً ـ موضوعة‏‎ ‎‏لمایکون مُستجمعاً لجمیع الأجزاء والشرائط‏‎[2]‎‏؛ من دون احتیاج إلی إتعاب النفس‏‎ ‎‏وتبعید المسافة.‏

‏فتحصّل من کلّ ما ذکرنا فی المقام الأوّل: أنـّه یمکن أن یکون محلّ النزاع جمیع‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط؛ من دون أن یلزم منه محذور عقلیّ.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 278

  • )) اُنظر نهایة الدرایة 1: 98 .
  • )) مطارح الأنظار: 6 سطر 6.