الأمر الحادی عشر فی البحث المعروف بـ«الصحیح والأعمّ»

المقام الأول: فی إمکان دخول الشرائط فی محطّ البحث

المقام الأول: فی إمکان دخول الشرائط فی محطّ البحث

‏یظهر من بعضهم: أنّ الشرائط مُطلقاً ـ حتّی الشرائط التی تُؤخذ فی متعلّق‏‎ ‎‏الأمر ـ خارجة عن محطّ البحث؛ بتقریب: أنّ أجزاء الماهیّة فی رتبة تقرُّر الماهیّة،‏‎ ‎‏ولا تقرُّر للماهیّة إلاّ بها، والشرائط مطلقاً تکون فی الرتبة المتأخّرة عن تقرُّر الماهیّة.‏

وبعبارة اُخری: ‏رتبة الأجزاء رتبة المقتضی، ورتبة الشرائط متأخّرة عن رتبة‏‎ ‎‏المقتضی، ولا یسوغ إدخالها فی المسمّی لتستوی مع الأجزاء؛ للزومه دَخْل ما هو‏‎ ‎‏المتأخّر فی المتقدّم، وهو محال‏‎[1]‎‏.‏

‏ویظهر من المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏: اختصاص محطّ النزاع بالشرائط التی یمکن‏‎ ‎‏لحاظها فی مرحلة الجعل وتعیین المسمّی، التی یجمعها ما یمکن فرض الانقسام إلیها‏‎ ‎‏قبل تعیین المسمّی، ویمکن الانقسام إلیها قبل تعلّق الطلب، کالطهور والاستقبال‏‎ ‎‏والستر ونحوها، ویمتنع کون البحث فی الشرائط التی لا یمکن لحاظها فی مرحلة تعیین‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 272
‏المسمّی، بل من الانقسامات اللاّحقة لمرحلة تعلّق الطلب بها، کقصد القربة، واشتراط‏‎ ‎‏عدم کون المأمور به منهیّاً عنه، أو مأموراً به، أو غیر مزاحم بضدّه الأهمّ.‏

‏قال ‏‏قدس سره‏‏ فی بیان ذلک: إنّ الشرائط الجائیة من قِبَل الأمر ومن قِبَل المزاحمات،‏‎ ‎‏مُتأخّرة عن الطلب، وهو مُتأخّر عن المُسمّی، فما یکون مُتأخّراً عن المُسمّی برتبتین‏‎ ‎‏لایُعقل أخذه فی المُسمّی، بل لا یمکن أخذ ما یکون فی مرتبة الطلب أیضاً، فضلاً عمّا‏‎ ‎‏یکون مأخوذاً فی المُسمّی.‏

والحاصل: ‏أنّ الشرائط الکذائیّة خارجة عن محطّ البحث؛ لأنـّها متأخّرة عن‏‎ ‎‏تعیین المُسمّی رتبة، وما یکون متأخّراً عن شیء لا یمکن أخذه فیه، فما ینبغی أن یقع‏‎ ‎‏النزاع فیه، هو خصوص الأجزاء والشرائط الملحوظة عند مرحلة الجعل وتعیین‏‎ ‎‏المسمّی، التی یجمعها ما یمکن فرض الانقسام إلیه قبل تعیین المسمّی‏‎[2]‎‏. انتهی محرّراً.‏

‏وأجاب المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ عن مقالة المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ وذلک البعض: بأنّ‏‎ ‎‏الموضوع له هو نفس الأجزاء المُقترنة بالشرائط ـ أعنی تلک الحصّة من مطلق‏‎ ‎‏الأجزاء ـ ومعه یمکن جریان النزاع وترتّب الثمرة له علیه؛ بمعنی أنّ الصحیحی یدّعی‏‎ ‎‏أنّ اللّفظ موضوع للحصّة المقترنة ببعض الشرائط،فعلی الصحیح لا یصدق مفهوم‏‎ ‎‏الصلاة ـ مثلاً ـ علی المأتی به مع فَقْد بعض الشرائط، وعلی الأعمّ یمکن الصدق مع‏‎ ‎‏فَقْد بعضها، فالنزاع بالنسبة إلی الشرائط یصحّ ویمکن، ولا یلزم منه إشکال تقدّم‏‎ ‎‏ماهو المتأخّر‏‎[3]‎‏.‏

‏ولکنه یرد علی مقالة المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏: بأنـّه إمّا أراد بقوله: «بوضعها مقترنة»‏‎ ‎‏أنـّها مأخوذة بنحو الشرطیّة أو الحینیّة، فإن اُخذت بنحو الشرطیّة فیعود الإشکال؛‏‎ ‎‏لأنّ الإشکال لم یکن مخصوصاً بأخذ الشرائط فقط، بل مع أخذ الأجزاء، فیکون‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 273
‏الموضوع له أو المُسمّی الأجزاءَ المُقیّدة بالشرائط، فیرد إشکال المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏: من‏‎ ‎‏أنّ الشرائط متأخّرة عن الطلب، وإن اُخذت بنحو الحینیّة، کحال الوحدة الذی یقوله‏‎ ‎‏المحقّق القمّی ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ فی وضع الألفاظ، فلم تکن الشرائط دخیلة فی الموضوع له، بل‏‎ ‎‏الموضوع له هو نفس الأجزاء من دون اختصاصٍ بمقارنتها للشرائط وعدمها،‏‎ ‎‏ولاتصدق علیه الحصّة؛ لأنّ فی الحصّة اصطلاحین:‏

الأوّل: ‏هو الذی اصطلحه هذا الُمحقّق فی الحصّة، وهی الطبیعة الموجودة فی‏‎ ‎‏الخارج بلحاظ کونها حینئذٍ مصداقاً للطبیعة.‏

والثانی: ‏هو معنی الحصّة حقیقة، وهی الطبیعة المُتصوّرة فی الذهن.‏

وعلیٰ کلٍّ:‏ إذا لم توجد الطبیعة ـ لا فی الخارج ولا فی الذهن ـ ولکن لوحظت‏‎ ‎‏الشرائط مقارنة للأجزاء بنحو الحینیّة، فلا یصیّرها حصّة، کما لا یخفی.‏

والتحقیق: ‏هو إمکان أخذ جمیع الشرائط فی محطّ البحث، ولا یلزم منه محذور‏‎ ‎‏أصلاً، فتدبّر.‏

‏أمّا إشکال ذلک البعض فساقط من أصله؛ لأنّ الإشکال إنّما یتمّ إذا اُرید جعل‏‎ ‎‏ما هو المتأخّر متقدّماً، ولکنّه غیر مُراد وغیر مقصود؛ لأنّ المقصود هو جعل اسم‏‎ ‎‏واحد لمجموع الأجزاء والشرائط، وهو غیر ممتنع، کما لا یخفی.‏

وبعبارة اُخری: ‏التسویة فی التسمیة غیر التسویة الواقعیّة بین الأجزاء‏‎ ‎‏والشرائط، والمحال هو جعل ما هو المتأخّر واقعاً متقدّماً کذلک وبالعکس، وأمّا تصوّر‏‎ ‎‏المتأخّر والمتقدّم دفعة واحدة، ثمّ وضع لفظ واحد لهما فلا یکون محالاً، فتدبّر.‏

‏وأمّا الإشکال الذی تفطّن إلیه المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏، فإشکال متین فی نفسه،‏‎ ‎‏ولکن یمکن أن یقُال فی جوابه: إنّ القیود الجائیة من قِبَل الأمر: إمّا نقول بإمکان‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 274
‏أخذها فی المأمور به أو لا.‏

‏فإن قلنا بإمکان الأخذ ـ کما نقوله، وسنوافیک به فی محلّه إن شاء الله ـ‏‎ ‎‏فلایتوجّه الإشکال؛ لأنّ الإشکال فیما لا یمکن أخذه وإن لم یمکن الأخذ فنقول: إنّ‏‎ ‎‏الإشکال إنّما یتمّ لو قلنا بأنّ المأمور به هو عین المسمّی، وأمّا إن قلنا بالمغایرة بینهما؛‏‎ ‎‏بأن کان المسمّی الهیئةَ بجمیع أجزائها وشرائطها، والمأمور به الماهیّة بجمیع أجزائها‏‎ ‎‏والشرائط السابقة علی تعلّق الطلب، فلا یتوجّه الإشکال، کما لا یخفی.‏

وبالجملة: ‏المسمّی بما هو مسمّیً لا یکون متقدّماً علی الأمر والطلب، وما‏‎ ‎‏یکون متقدّماً علیه هو متعلّق الطلب والأمر، فیمکن التفکیک بین المسمّی ومتعلّق‏‎ ‎‏الطلب، فیقال: إنّ دائرة المسمّی هی الماهیّة بجمیع أجزائها وشرائطها، وأمّا متعلّق‏‎ ‎‏الطلب فعبارة عن الماهیّة بجمیع أجزائها والشرائط السابقة علی الطلب، فدائرة‏‎ ‎‏المسمّی أوسع من دائرة متعلّق الطلب، فمتعلّق الأمر غیر المسمّی الواقعی والموضوع له‏‎ ‎‏الحقیقی، فاستعمل اللّفظ الموضوع للمسمّی فی متعلّق الطلب والأمر بعلاقة بینهما.‏

إن قلت: ‏فعلی هذا یلزم اللغویّة فی التسمیة، ویلزم أن تکون الألفاظ موضوعة‏‎ ‎‏لمعانٍ لم تستعمل فیها أصلاً لعدم استعمال اللّفظ فی الماهیّة بجمیع أجزائها وشرائطها،‏‎ ‎‏کما لا یخفی.‏

قلت: ‏الکلام إنّما هو فی إمکان عقد البحث کذلک من دون لزوم محذور عقلیّ،‏‎ ‎‏لافی وقوع البحث کذلک عقلائیّاً، وکم فرقٍ بینهما، کما لا یخفی!‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 275

  • )) اُنظر هدایة المسترشدین: 100 سطر 6.
  • )) فوائد الاُصول 1: 61.
  • )) بدائع الأفکار 1 : 111.
  • )) قوانین الاُصول 1: 63 سطر 14.