المقام الأول: فی إمکان دخول الشرائط فی محطّ البحث
یظهر من بعضهم: أنّ الشرائط مُطلقاً ـ حتّی الشرائط التی تُؤخذ فی متعلّق الأمر ـ خارجة عن محطّ البحث؛ بتقریب: أنّ أجزاء الماهیّة فی رتبة تقرُّر الماهیّة، ولا تقرُّر للماهیّة إلاّ بها، والشرائط مطلقاً تکون فی الرتبة المتأخّرة عن تقرُّر الماهیّة.
وبعبارة اُخری: رتبة الأجزاء رتبة المقتضی، ورتبة الشرائط متأخّرة عن رتبة المقتضی، ولا یسوغ إدخالها فی المسمّی لتستوی مع الأجزاء؛ للزومه دَخْل ما هو المتأخّر فی المتقدّم، وهو محال.
ویظهر من المحقّق النائینی قدس سره: اختصاص محطّ النزاع بالشرائط التی یمکن لحاظها فی مرحلة الجعل وتعیین المسمّی، التی یجمعها ما یمکن فرض الانقسام إلیها قبل تعیین المسمّی، ویمکن الانقسام إلیها قبل تعلّق الطلب، کالطهور والاستقبال والستر ونحوها، ویمتنع کون البحث فی الشرائط التی لا یمکن لحاظها فی مرحلة تعیین
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 272
المسمّی، بل من الانقسامات اللاّحقة لمرحلة تعلّق الطلب بها، کقصد القربة، واشتراط عدم کون المأمور به منهیّاً عنه، أو مأموراً به، أو غیر مزاحم بضدّه الأهمّ.
قال قدس سره فی بیان ذلک: إنّ الشرائط الجائیة من قِبَل الأمر ومن قِبَل المزاحمات، مُتأخّرة عن الطلب، وهو مُتأخّر عن المُسمّی، فما یکون مُتأخّراً عن المُسمّی برتبتین لایُعقل أخذه فی المُسمّی، بل لا یمکن أخذ ما یکون فی مرتبة الطلب أیضاً، فضلاً عمّا یکون مأخوذاً فی المُسمّی.
والحاصل: أنّ الشرائط الکذائیّة خارجة عن محطّ البحث؛ لأنـّها متأخّرة عن تعیین المُسمّی رتبة، وما یکون متأخّراً عن شیء لا یمکن أخذه فیه، فما ینبغی أن یقع النزاع فیه، هو خصوص الأجزاء والشرائط الملحوظة عند مرحلة الجعل وتعیین المسمّی، التی یجمعها ما یمکن فرض الانقسام إلیه قبل تعیین المسمّی. انتهی محرّراً.
وأجاب المحقّق العراقی قدس سره عن مقالة المحقّق النائینی قدس سره وذلک البعض: بأنّ الموضوع له هو نفس الأجزاء المُقترنة بالشرائط ـ أعنی تلک الحصّة من مطلق الأجزاء ـ ومعه یمکن جریان النزاع وترتّب الثمرة له علیه؛ بمعنی أنّ الصحیحی یدّعی أنّ اللّفظ موضوع للحصّة المقترنة ببعض الشرائط،فعلی الصحیح لا یصدق مفهوم الصلاة ـ مثلاً ـ علی المأتی به مع فَقْد بعض الشرائط، وعلی الأعمّ یمکن الصدق مع فَقْد بعضها، فالنزاع بالنسبة إلی الشرائط یصحّ ویمکن، ولا یلزم منه إشکال تقدّم ماهو المتأخّر.
ولکنه یرد علی مقالة المحقّق العراقی قدس سره: بأنـّه إمّا أراد بقوله: «بوضعها مقترنة» أنـّها مأخوذة بنحو الشرطیّة أو الحینیّة، فإن اُخذت بنحو الشرطیّة فیعود الإشکال؛ لأنّ الإشکال لم یکن مخصوصاً بأخذ الشرائط فقط، بل مع أخذ الأجزاء، فیکون
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 273
الموضوع له أو المُسمّی الأجزاءَ المُقیّدة بالشرائط، فیرد إشکال المحقّق النائینی قدس سره: من أنّ الشرائط متأخّرة عن الطلب، وإن اُخذت بنحو الحینیّة، کحال الوحدة الذی یقوله المحقّق القمّی قدس سره فی وضع الألفاظ، فلم تکن الشرائط دخیلة فی الموضوع له، بل الموضوع له هو نفس الأجزاء من دون اختصاصٍ بمقارنتها للشرائط وعدمها، ولاتصدق علیه الحصّة؛ لأنّ فی الحصّة اصطلاحین:
الأوّل: هو الذی اصطلحه هذا الُمحقّق فی الحصّة، وهی الطبیعة الموجودة فی الخارج بلحاظ کونها حینئذٍ مصداقاً للطبیعة.
والثانی: هو معنی الحصّة حقیقة، وهی الطبیعة المُتصوّرة فی الذهن.
وعلیٰ کلٍّ: إذا لم توجد الطبیعة ـ لا فی الخارج ولا فی الذهن ـ ولکن لوحظت الشرائط مقارنة للأجزاء بنحو الحینیّة، فلا یصیّرها حصّة، کما لا یخفی.
والتحقیق: هو إمکان أخذ جمیع الشرائط فی محطّ البحث، ولا یلزم منه محذور أصلاً، فتدبّر.
أمّا إشکال ذلک البعض فساقط من أصله؛ لأنّ الإشکال إنّما یتمّ إذا اُرید جعل ما هو المتأخّر متقدّماً، ولکنّه غیر مُراد وغیر مقصود؛ لأنّ المقصود هو جعل اسم واحد لمجموع الأجزاء والشرائط، وهو غیر ممتنع، کما لا یخفی.
وبعبارة اُخری: التسویة فی التسمیة غیر التسویة الواقعیّة بین الأجزاء والشرائط، والمحال هو جعل ما هو المتأخّر واقعاً متقدّماً کذلک وبالعکس، وأمّا تصوّر المتأخّر والمتقدّم دفعة واحدة، ثمّ وضع لفظ واحد لهما فلا یکون محالاً، فتدبّر.
وأمّا الإشکال الذی تفطّن إلیه المحقّق النائینی قدس سره، فإشکال متین فی نفسه، ولکن یمکن أن یقُال فی جوابه: إنّ القیود الجائیة من قِبَل الأمر: إمّا نقول بإمکان
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 274
أخذها فی المأمور به أو لا.
فإن قلنا بإمکان الأخذ ـ کما نقوله، وسنوافیک به فی محلّه إن شاء الله ـ فلایتوجّه الإشکال؛ لأنّ الإشکال فیما لا یمکن أخذه وإن لم یمکن الأخذ فنقول: إنّ الإشکال إنّما یتمّ لو قلنا بأنّ المأمور به هو عین المسمّی، وأمّا إن قلنا بالمغایرة بینهما؛ بأن کان المسمّی الهیئةَ بجمیع أجزائها وشرائطها، والمأمور به الماهیّة بجمیع أجزائها والشرائط السابقة علی تعلّق الطلب، فلا یتوجّه الإشکال، کما لا یخفی.
وبالجملة: المسمّی بما هو مسمّیً لا یکون متقدّماً علی الأمر والطلب، وما یکون متقدّماً علیه هو متعلّق الطلب والأمر، فیمکن التفکیک بین المسمّی ومتعلّق الطلب، فیقال: إنّ دائرة المسمّی هی الماهیّة بجمیع أجزائها وشرائطها، وأمّا متعلّق الطلب فعبارة عن الماهیّة بجمیع أجزائها والشرائط السابقة علی الطلب، فدائرة المسمّی أوسع من دائرة متعلّق الطلب، فمتعلّق الأمر غیر المسمّی الواقعی والموضوع له الحقیقی، فاستعمل اللّفظ الموضوع للمسمّی فی متعلّق الطلب والأمر بعلاقة بینهما.
إن قلت: فعلی هذا یلزم اللغویّة فی التسمیة، ویلزم أن تکون الألفاظ موضوعة لمعانٍ لم تستعمل فیها أصلاً لعدم استعمال اللّفظ فی الماهیّة بجمیع أجزائها وشرائطها، کما لا یخفی.
قلت: الکلام إنّما هو فی إمکان عقد البحث کذلک من دون لزوم محذور عقلیّ، لافی وقوع البحث کذلک عقلائیّاً، وکم فرقٍ بینهما، کما لا یخفی!
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 275