الجهة الثالثة فیما ینبغی عقد عنوان البحث
لا یخفی أنّ عنوان البحث بأیٍّ من العناوین المذکورة فی الجهة الثانیة، غیر خالٍ عن النظر والإشکال؛ لأنـّهم إمّا عَنَوْا بالصحیح ما یکون صحیحاً بالحمل الأوّلی، أو ما یکون کذلک بالحمل الشائع؛ وعلی کلا التقدیرین لا یصحّ؛ وذلک لأنـّه لو اُرید أنّ لفظة «الصلاة» ـ مثلاً ـ موضوعة أو اسم أو استعملت فیما یصدق علیه مفهوم الصحیح، فیلزم أن یکون مفهوم الصلاة عین مفهوم الصحّة وهو کما تری، والظاهر أنـّهم لم یریدوا الصحیح بهذا المعنی، وإن أرادوا بالصحیح ما یُحمل علیه الصحّة بالحمل الشائع ـ والحمل الشائع کما سبق هو اتحاد المحمول مع الموضوع بحسب الوجود؛ بأن یکون الموضوع فرده ومصداقه ـ ففیه وجوه من الإشکال:
منها: أنـّه یلزم أن یکون الوضع والموضوع له خاصّین، أو الموضوع له فقط خاصّاً؛ بلحاظ عدم الاطّلاع علی کیفیّة الوضع من خصوصه أو عمومه، کما تقدّم منّا مکرّراً، وظاهر أنّ الالتزام بهذا الّلازم وإن لم یکن فیه محذور عقلیّ، لکنّه ممّا لم یلتزم به أحد.
ومنها: أنـّه یلزم لغویّة البحث؛ لأنّ موضوع الحمل الشائع هو الفرد الخارجی، وهو لا یقبل الکلّیّة والشمول، فلا یمکن الأخذ بإطلاقه علی القول الأعمّی، کما لایخفی.
ومنها: أنـّه یلزم أن یکون جلّ الاستعمالات لولا کلّها استعمالات مجازیّة مع
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 264
العنایة لأنـّها قد استعملت غالباً فی الجامع ونفس الطبیعة مثل قوله تعالی: « الصَّلاَةَ تَنْهَیٰ عَنِ ا لْفَحْشَاءِ وَا لْْمُنْکَرِ ».
وقوله علیه السلام: (الصلاة معراج المؤمن).
و (الصلاة قُربان کلّ تقیّ).
إلی غیر ذلک، وما وقع تلو الأوامر والنواهی، فإنّه لم یُرد بها الفرد، بل أُرید منها الطبیعة والجامع؛ لأنّ الخارج هو ظرف السقوط لا الثبوت، کما لا یخفی.
ومنها: أنّ المصداق الخارجی للصحیح هو الفرد الواجد لجمیع ما یعتبر فیه جزءاً وشرطاً، حتّی ما یأتی من قِبَل الأمر، مع أنّ المتراءیٰٰ من کلام أکثرهم، أنّ مُرادهم بالصحّة هو ما یکون صحیحاً قبل تعلّق الأمر، فالشرائط الآتیة من قِبَل الأمر کقصد الأمر خارجة عنه، وکذا شرائط عدم کون المأمور به مزاحماً بالضدّ الأهمّ، أو کونه غیر منهیّ عنه بالفعل، خارجان عن محلّ النزاع.
وبالجملة: محلّ النزاع عند أکثرهم فی الصحیح هو هذا المعنی من الصحّة، لا ماهو الصحیح حقیقة الحائز لجمیع ما یعتبر فیه حتّی الآتیة من قِبَل الأمر، فالقول بأنـّها أسامٍ، أو موضوعة، أو استعملت فی الصحیح، غیر صحیح.
نعم: یصحّ علی أحد الوجهین:
الأوّل: أن یراد بالصحّة التامّ المقابل للناقص.
والثانی: أن یکون للأُصولیّین اصطلاح خاصّ فی ذلک.
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 265
ولکن سنشیر إلی حال الوجه الأوّل فی الجهة التالیة، وأنـّه لا یتمّ، وأمّا الوجه الثانی فالظاهر أنـّه لم یکن لهم اصطلاح خاصّ، ومعنی مخصوص فی ذلک، ولو کان فلامشاحّة فیه.
فالأولی عقد البحث فی أنّ المسمّی بهذه الألفاظ أو المستعمل فیه فیها التامّ أو الناقص کما سیجیء الإشارة إلیه.
وبعبارة اُخری: الأولی عقد البحث فی تعیین الموضوع له فی الألفاظ المتداولة فی الشریعة المقدّسة، أو فی تعیین المسمّی لها، أو فی تعیین الأصل فی الاستعمال فیها علی اختلاف المشارب والآراء.
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 266