الأمر الثانی فی الوضـع

ذکر و تعقیب

ذکر وتعقیب

‏قال المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ما محصّله: إنّ کلّیّة المبهمات من أسماء الإشارة، والضمائر‏‎ ‎‏والموصولات تشترک فی أمر، وتفترق فی اُمور:‏

‏فأمّا ما تشترک فیه: فهو أنـّها موضوعة لمعانٍ مبهمة تنطبق علی مصادیقها‏‎ ‎‏المفصّلة بما هی علیه من الخصوصیّات، لا علی نحو انطباق الطبیعی علی فرده؛ لأنّ‏‎ ‎‏انطباق الطبیعی علی الفرد باعتبار وجود حصّة منه فیه، وأمّا المبهمات فلتوغّلها فی‏‎ ‎‏الإبهام ـ من جمیع الجهات ذاتاً وعرضاً ـ لا معنی لتحصّصها بالحصّة، بل یکون‏‎ ‎‏صدقها علی الفرد نظیر صدق المعنی المتصوّر من الشبح المرئیّ من بعید علی المنطبق‏‎ ‎‏علیه؛ بما علیه من الخصوصیّات المشخّصة، ومن خصوصیّات کونها مبهمة استعدادها‏‎ ‎‏للانطباق والصدق علی کلّ ما یصلح لها من الموجودات الذهنیّة أو الخارجیّة‏‎ ‎‏الشخصیّة، فکما أنـّها تحتاج فی المحاورة ـ من حیث الإفادة والاستفادة ـ إلی ما یرفع‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 162
‏إبهامها، فکذلک المبهمات تحتاج إلی ذلک؛ لأنّ اسم الإشارة یحتاج إلی ذکر المشار إلیه،‏‎ ‎‏والموصول یحتاج إلی الصلة، وضمیر الغیبة إلی مرجع یرجع إلیه.‏

‏وأمّا الاُمور التی تفترق فیها فبیان کلٍّ منها فی بحث یختصّ به.‏

‏فما یرتبط باسم الإشارة: هو أنـّها موضوعة لمعنیً مبهم، قابل للانطباق‏‎ ‎‏والصدق علی مورده؛ بجمیع ما یشتمل علیه ذلک المورد من الخصوصیّات المفصّلة،‏‎ ‎‏ومعنی اسم الإشارة مبهم من جمیع الجهات، إلاّ من ناحیة الإشارة، وتکون الإشارة‏‎ ‎‏دخیلة فیه نحو دخالةٍ، لا نحو دخالة القید والتقیّد، أو التقیّد فقط، بل لکون معنی اسم‏‎ ‎‏الإشارة لا ینتزع ممّا استعمل فیه إلاّ حین اقترانه بالإشارة، فدَخْل الإشارة فی معنی‏‎ ‎‏الإشارة إنّما هو باعتبار تعیین ذلک المعنی المبهم بها، الموجب لکون الموضوع له حصّة‏‎ ‎‏من ذلک المعنی المبهم، ولذا یدلّ اسم الإشارة علی الإشارة؛ لأنّ مدلوله هی الحصّة‏‎ ‎‏المتعیّنة بالإشارة‏‎[1]‎‏.‏

إلی أن قال: ‏إنّ دلالة اسم الإشارة علی الإشارة إنّما هی بالالتزام، نحو دلالة‏‎ ‎‏لفظ العمی علی البصر، فکما أنّ البصر خارج عن معنی لفظ العمی قیداً وتقیّداً،‏‎ ‎‏فکذلک ما نحن فیه.‏

‏وهذا القول الذی اخترناه جامع بین التبادر والقواعد العربیّة؛ من دون ورود‏‎ ‎‏شیء من المحاذیر العقلیّة‏‎[2]‎‏.‏

وفیه أوّلاً: ‏أنـّه لو کان الموضوع له فی اسم الإشارة معنیً مبهماً ذاتاً وصفةً،‏‎ ‎‏فلایمکن أن یوجد له فی الخارج مصداق؛ لأنّ الموجود فی الخارج لابدّ وأن یکون متعیّناً‏‎ ‎‏ومتشخّصاً، فالفرد المبهم بما هو مبهم لا وجود له فی الخارج، وفرق بین الماهیّة المبهمة‏‎ ‎‏ذاتاً وصفةً، وبین ماهیّة الإنسان ـ مثلاً ـ المعلومة ذاتاً القابلة للصدق علی الخارج،‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 163
‏فإنّها ماهیّة لا بشرط، والماهیّة اللابشرط قابلة للصدق علی الموجود الخارجی،‏‎ ‎‏ومعنی کلیّة ماهیّة الإنسان أنـّها غیر رهینة بالکلّیّة والجزئیّة، ولأجل أنـّها کلی‏‎ ‎‏وجزئیّ کلی، کما قرّر فی محلّه‏‎[3]‎‏.‏

وتوهّم: ‏أنّ مُراده ‏‏قدس سره‏‏ بإبهام المشار إلیه هو کونه مبهماً عند المتکلّم، نظیر الشبح،‏‎ ‎‏وهو قابل للصدق فی الخارج.‏

مدفوع:‏ بأنـّه خلاف صریح قوله: «المبهم ذاتاً وصفةً»، وواضح أنّ الشبح لیس‏‎ ‎‏کذلک؛ لأنـّه معلوم فی الواقع مبهم عند المتکلم.‏

وبالجملة:‏ فرق بین اللاتعیّن الذاتی والصفتی، وبین العنوان اللابشرط، فالأوّل‏‎ ‎‏لا یمکن أن یتحقّق فی الخارج، بخلاف الثانی، فتدبّر.‏

وثانیاً: ‏أنـّه لو لم تکن الإشارة دخیلة فی اسم الإشارة؛ لا علی نحو دخالة القید‏‎ ‎‏والتقیّد، ولا علی نحو التقیّد فقط، بل من باب الاتّفاق، فیکون وزان الإشارة وزان‏‎ ‎‏سائر المقارنات؛ من الزمان والمکان والوضع... إلی غیر ذلک، فما الدلیل والسبب فی‏‎ ‎‏حضور هذا المقارن دون سائر المقارنات، فلا تکون الإشارة دخیلة فی معنی اسم‏‎ ‎‏الإشارة قیداً وتقیّداً أو تقیّداً فقط.‏

وثالثاً:‏ أنّ دلالة العمی علی البصر إنّما هی من أجل التعاند والتضاد بلحاظ‏‎ ‎‏الاُنس الذهنی بینهما، لا علی نحو التلازم، کما لا یخفی، وهل یکون بین الإشارة والمعنی‏‎ ‎‏المبهم دلالة کذلک؟! حاشا.‏

‏ثمّ إنّه إذا أحطت خُبراً بما ذکرنا ـ فی مقابل هذا المحقّق ـ یظهر لک الکلام فی‏‎ ‎‏مقال المحقّق الإصفهانی ‏‏قدس سره‏‏، فإنّه قریب من مقال هذا المحقّق ‏‏قدس سره‏‏؛ لأنـّه قال: إنّ أسماء‏‎ ‎‏الإشارة والضمائر موضوعة لنفس المعنی؛ عند تعلّق الإشارة به خارجاً أو ذهناً بنحو‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 164
‏من الأنحاء، فقولک: «هذا» لا یصدق علی زید ـ مثلاً ـ إلاّ إذا صار مشاراً إلیه بالید أو‏‎ ‎‏العین مثلاً ... إلی آخره‏‎[4]‎‏.‏

‏فیتوجّه علیه ـ مضافاً إلی بعض ما ذکرناه علی مقال المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ـ : بأنّ‏‎ ‎‏لفظة «هذا» لو کانت موضوعة لنفس المعنی عند تعلّق الإشارة به خارجاً أو ذهناً،‏‎ ‎‏لزم أن لا یفهم منها معناها إذا قالها النائم أو الساهی، کما لا یخفی، وهو کما تری.‏

فتحصّل: ‏أنّ الحق فی ألفاظ الإشارة وضمائر الغیبة أن یقال: أنـّها موضوعة‏‎ ‎‏لنفس الإشارة وإیقاع الإشارة نظیر إشارة الأخرس، غایة الأمر ألفاظ الإشارة‏‎ ‎‏وضعت للإشارة إلی الحاضر بمراتبه؛ من القریب أو المتوسط أو البعید، کـ «ذا وذاک»،‏‎ ‎‏وضمائر الغیبة وضعت للإشارة إلی الغائب بأقسامه؛ من المفرد والتثنیة والجمع،‏‎ ‎‏کـ «هو، وهما، وهم».‏

وأمّا کیفیّة وضعها: ‏فأمّا بالنسبة إلی المعنی الملحوظ حال الوضع فقد ظهر لک‏‎ ‎‏أنـّه لا طریق لنا إلی إحرازه، وأمّا بالنسبة إلی کون الموضوع له خاصّاً أو عامّاً،‏‎ ‎‏فالظاهر أنـّه خاصّ حتّی فیما کان منها اسماً، کضمائر: «أنا»، و «أنت»، و «کاف»‏‎ ‎‏المخاطب؛ لأنـّها وإن کان معناها اسماً، لکنّها لم توضع لکلّیّ المخاطب أو المتکلّم، بل‏‎ ‎‏للمخاطب بهویّته الشخصیّة، وللمتکلّم بهویّته الشخصیّة، فتدبّر.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 165

  • )) بدائع الأفکار 1: 70 ـ 71.
  • )) نفس المصدر 1: 74.
  • )) الحکمة المتعالیة 2 : 3 ـ 4.
  • )) نهایة الدرایة 1 : 63 .