تتمیم وإرشاد
تقدّم أنّ المشهور بینهم: امتناع کون الوضع خاصّاً والموضوع له عامّاً، فقال المحقّق الخراسانی والمحقّق العراقی فی وجه الامتناع، ما حاصله:
إنّ الخصوصیّة المقوِّمة للخاصّ تُناقض العموم وتنافیه، والشیء لا یحکی ولا یکون مرآة لما یباینه.
نعم، ربّما یُوجب الخاصّ انتقال الذهن إلی العامّ، کما قد یکون لحاظ الضدّ سبباً
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93
لانتقال الذهن إلی ضدّ آخر، ولکنّه حینئذٍ یکون الوضع کالموضوع له عامّاً.
وبالجملة: تصوّر المصداق بما له من الخصوصیّة المقوِّمة له ـ حیث یکون مُبایناللکلّی ـ لا یکون مرآةً وحاکیاً عنه، وسببیّة انتقال الذهن إلی الکلی أحیاناً لا توجب کونه خاصّاً، بل الملحوظ عند ذلک حال الوضع هو المعنی الثانی المنتقل إلیه، وهو عامّ.
وقال المحقّق النائینی قدس سره فی وجه امتناع تصویر هذا القسم: بأنّ الخاصّ جزئیّ، ومن هنا قیل: إنّ الجزئیّ لا یکون کاسباً ولا مُکتَسباً .
أقول: لا یخفی أنّ ما ذکروه لا یخلو عن نظر:
أمّا ما ذکره العَلَمان ففیه: أنـّه ـ کما أشرنا إلیه آنفاً ـ أنّ وزان الوضع الخاصّ والموضوع له العامّ وزان عکسه فی الامتناع والإمکان، ویرتضعان من ثدی واحد، وذلک: إن کان عدم الحکایة لمباینة الخاصّ بخصوصیّته الفردیّة مع العامّ فی عالم المفهومیّة، ومُباینة المصداق ـ لما له من الخصوصیّات ـ مع الکلی، فلیکن فی عکسه کذلک؛ بداهة أنّ لحاظ الإنسان ـ مثلاً ـ وتصوّره مُجرّداً عن الخصوصیّات لا یحکی إلاّ عن نفس الطبیعة، فیمتنع وضع اللّفظ لمصادیقه؛ لکونها مجهولة حال الوضع، ولابدّ لوضع اللّفظ لشیء أن یکون ملحوظاً ولو بوجه، والمفروض أنـّه لم تلحظ الخصوصیّات بوجه.
إن قلت: إنّ لحاظ الطبیعة وإن لم یکن وجهاً للحاظ مصادیقه، إلاّ أنـّه آلة لانتقال الذهن منها إلیها، دون العکس.
ففیه أوّلاً: أنـّه لو کفی ذلک فی وضع العامّ والموضوع له الخاصّ، فلیکن لحاظ الخاصّ کافیّاً لانتقال الذهن منه إلی العامّ، فیوضع اللّفظ للعامّ.
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 94
وثانیاً: أنّ العامّ کما یکون آلة ووجهاً للخاصّ بوجه، فأمکن وضع اللّفظ للخاصّ، فکذلک ربّما یکون الخاصّ آلة ووجهاً للعامّ ولو بوجه، کما فی صورة الغفلة عنه.
وبالجملة: الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ وعکسه، یشترکان فی إمکان الوضع وامتناعه، فالتفریق بینهما بـإمکان أحدهما دون الآخر لا یرجع إلی محصّل.
وأمّا ما ذکره العَلَم الثالث ففیه:
أوّلاً: أنّ قاعدة عدم کون الجزئی کاسباً ولا مُکتسباً، أجنبیّة عن باب الوضع، بل جاریة فی باب المعرِّف والمعرَّف.
وحاصلها: أنّ الجزئی حیث یکون مقروناً ومشوباً بالخصوصیّات، فلا یحکی عمّا وراء نفسه، فلا یصلح أن یکون معرِّفاً وقولاً شارحاً لأمر، ولا معرَّفاً ومکتسباً من شیء، فأنّی لها ولباب الوضع؟!
وثانیاً: لو انطبقت القاعدة علی باب الوضع، فلابدّ وأن یُمنع عکس الفرض ـ وهو ما إذا کان الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً ـ فإنّه علی زعمه قدس سره یکون الجزئی مُکتسَباً، مع أنـّه لا یقول به، فتدبّر.
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 95