الأمر الثانی فی الوضـع

تتمیم وإرشاد

تتمیم وإرشاد

‏تقدّم أنّ المشهور بینهم: امتناع کون الوضع خاصّاً والموضوع له عامّاً، فقال‏‎ ‎‏المحقّق الخراسانی والمحقّق العراقی فی وجه الامتناع، ما حاصله:‏

‏إنّ الخصوصیّة المقوِّمة للخاصّ تُناقض العموم وتنافیه، والشیء لا یحکی‏‎ ‎‏ولا یکون مرآة لما یباینه.‏

‏نعم، ربّما یُوجب الخاصّ انتقال الذهن إلی العامّ، کما قد یکون لحاظ الضدّ سبباً‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93
‏لانتقال الذهن إلی ضدّ آخر، ولکنّه حینئذٍ یکون الوضع کالموضوع له عامّاً.‏

وبالجملة: ‏تصوّر المصداق بما له من الخصوصیّة المقوِّمة له ـ حیث یکون‏‎ ‎‏مُبایناللکلّی ـ لا یکون مرآةً وحاکیاً عنه، وسببیّة انتقال الذهن إلی الکلی أحیاناً‏‎ ‎‏لا توجب کونه خاصّاً، بل الملحوظ عند ذلک حال الوضع هو المعنی الثانی المنتقل‏‎ ‎‏إلیه، وهو عامّ‏‎[1]‎‏.‏

‏وقال المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ فی وجه امتناع تصویر هذا القسم: بأنّ الخاصّ جزئیّ،‏‎ ‎‏ومن هنا قیل: إنّ الجزئیّ لا یکون کاسباً ولا مُکتَسباً ‏‎[2]‎‏.‏

أقول: ‏لا یخفی أنّ ما ذکروه لا یخلو عن نظر:‏

‏أمّا ما ذکره العَلَمان ففیه: أنـّه ـ کما أشرنا إلیه آنفاً ـ أنّ وزان الوضع الخاصّ‏‎ ‎‏والموضوع له العامّ وزان عکسه فی الامتناع والإمکان، ویرتضعان من ثدی واحد،‏‎ ‎‏وذلک: إن کان عدم الحکایة لمباینة الخاصّ بخصوصیّته الفردیّة مع العامّ فی عالم‏‎ ‎‏المفهومیّة، ومُباینة المصداق ـ لما له من الخصوصیّات ـ مع الکلی، فلیکن فی عکسه‏‎ ‎‏کذلک؛ بداهة أنّ لحاظ الإنسان ـ مثلاً ـ وتصوّره مُجرّداً عن الخصوصیّات لا یحکی إلاّ‏‎ ‎‏عن نفس الطبیعة، فیمتنع وضع اللّفظ لمصادیقه؛ لکونها مجهولة حال الوضع، ولابدّ‏‎ ‎‏لوضع اللّفظ لشیء أن یکون ملحوظاً ولو بوجه، والمفروض أنـّه لم تلحظ‏‎ ‎‏الخصوصیّات بوجه.‏

إن قلت: ‏إنّ لحاظ الطبیعة وإن لم یکن وجهاً للحاظ مصادیقه، إلاّ أنـّه آلة‏‎ ‎‏لانتقال الذهن منها إلیها، دون العکس.‏

ففیه أوّلاً:‏ أنـّه لو کفی ذلک فی وضع العامّ والموضوع له الخاصّ، فلیکن لحاظ‏‎ ‎‏الخاصّ کافیّاً لانتقال الذهن منه إلی العامّ، فیوضع اللّفظ للعامّ.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 94
وثانیاً: ‏أنّ العامّ کما یکون آلة ووجهاً للخاصّ بوجه، فأمکن وضع اللّفظ‏‎ ‎‏للخاصّ، فکذلک ربّما یکون الخاصّ آلة ووجهاً للعامّ ولو بوجه، کما فی صورة‏‎ ‎‏الغفلة عنه.‏

وبالجملة: ‏الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ وعکسه، یشترکان فی إمکان‏‎ ‎‏الوضع وامتناعه، فالتفریق بینهما بـإمکان أحدهما دون الآخر لا یرجع إلی محصّل.‏

‏وأمّا ما ذکره العَلَم الثالث ففیه:‏

أوّلاً: ‏أنّ قاعدة عدم کون الجزئی کاسباً ولا مُکتسباً‏‎[3]‎‏، أجنبیّة عن باب الوضع،‏‎ ‎‏بل جاریة فی باب المعرِّف والمعرَّف.‏

وحاصلها: ‏أنّ الجزئی حیث یکون مقروناً ومشوباً بالخصوصیّات، فلا یحکی‏‎ ‎‏عمّا وراء نفسه، فلا یصلح أن یکون معرِّفاً وقولاً شارحاً لأمر، ولا معرَّفاً ومکتسباً من‏‎ ‎‏شیء، فأنّی لها ولباب الوضع؟!‏

وثانیاً: ‏لو انطبقت القاعدة علی باب الوضع، فلابدّ وأن یُمنع عکس الفرض ـ‏‎ ‎‏وهو ما إذا کان الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً ـ فإنّه علی زعمه ‏‏قدس سره‏‏ یکون الجزئی‏‎ ‎‏مُکتسَباً، مع أنـّه لا یقول به، فتدبّر.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 95

  • )) کفایة الاُصول: 24، بدائع الأفکار 1: 39 ـ 40.
  • )) فوائد الاُصول 1: 31.
  • )) شروح الشمسیّة 1: 241.