الأمر الثانی فی الوضـع

ذکر وتعقیب

ذکر وتعقیب

‏تصدّی المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ علی ما فی تقریر بحثه لدفع هذا الإشکال، فإنّه بعد أن‏‎ ‎‏ذکر: أنّ حقیقة کون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً عبارة عن تصوّر الواضع ـ حین‏‎ ‎‏إرادته الوضع ـ معنیً عامّاً ـ أی معنیً لا یمتنع فرض صدقه علی کثیرین ـ ثمّ یضع‏‎ ‎‏اللّفظ بـإزاء أفراد ذلک العامّ ومصادیقه.‏

قال ما حاصله: ‏إنّ العناوین العامّة المُنتزعة علی أنواع:‏

فمنها:‏ عنوان ینتزع من جهة ذاتیّة مشترکة بین الأفراد المتّحدة وجوداً معها،‏‎ ‎‏کعنوان الإنسان المنتزع عن الجامع الذاتی المشترک بین أفراده، کزید وعمرو وبکر...‏‎ ‎‏وهکذا، المتّحد معها وجوداً.‏

ومنها: ‏عنوان ینتزع من جهة خارجة عن ذات الأفراد وذاتیّاتها؛ سواء کان لها‏‎ ‎‏ما بحذاء فی الخارج کالأبیض؛ حیث إنّه ینتزع عنوان الأبیض من البیاض الموجود فی‏‎ ‎‏الجسم، أو لم یکن کذلک کالممکن؛ حیث إنّه ینتزع عنوان الإمکان ولم یکن له مابحذاء‏‎ ‎‏فی الخارج.‏

‏ولا یخفی أنـّه فی هذین النوعین لا یحکی شیء منهما عن خصوصیّات الأفراد،‏‎ ‎‏بل مُتمحّضان للحکایة عن الجامع الساری فی الأفراد.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 90
ومنها: ‏عنوان یحکی عن الخصوصیّات:‏

‏وهو تارة یحکی عن جهات قلیلة، کعنوان الشخص والفرد؛ حیث یحکی عن‏‎ ‎‏بعض الجهات، ویُسمّی هذا بالعنوان الإجمالی.‏

‏واُخری عن جهات کثیرة، کعنوان الشبح لما یتراءی من بعید، ویُسمّی هذا‏‎ ‎‏بالعنوان المُبهم.‏

‏والفرق بین العنوان الثالث والعنوانین الأوّلین من وجهین:‏

الأوّل: ‏أنّ العنوان الثالث یحکی عن الخصوصیّات الفردیّة بالإجمال والإهمال،‏‎ ‎‏ولذا لو تصوّرنا فرداً مُبهماً بتوسّط هذا العنوان، ثمّ انکشف الفرد المُبهم، لوجدنا ذلک‏‎ ‎‏العنوان المُبهم مُنطبقاً علیه، انطباق العنوان التفصیلی الجامع لخصوصیّات الفرد علیه،‏‎ ‎‏بخلاف العنوانین الأوّلین؛ إذ هما لا یحکیان عن الفرد بما هو علیه من الخصوصیّات، بل‏‎ ‎‏یحکیان عن معنونهما الموجود فی الفرد.‏

ویتفرّع علی هذا: ‏صحّة التقرّب بالخصوصیّات الفردیّة و تعلّق الأمر بشیء‏‎ ‎‏بعنوان مُبهم، کما لو قال: «صلّ فی أحد هذه المساجد»، فإنّه یصح أن یتقرّب المُکلّف‏‎ ‎‏بـإتیان الصلاة فی مسجد مُعیّن بخصوصه، بخلاف ما لو تعلّق الأمر بها مطلقة؛ بأن‏‎ ‎‏قال: «صل»، فإنّه لا یصح منه التقرّب بخصوصیّة المکان الذی توقع الصلاة فیه؛ لعدم‏‎ ‎‏تعلّق الأمر به تفصیلاً أو إجمالاً، کما هو شأن العنوانین.‏

والثانی: ‏هو أنّ العنوانین ینتزعان من الموجود الخارجی بما أنـّه مُشتمل علی‏‎ ‎‏مطابق ذلک العنوان، بخلاف العنوان الثالث فإنّه من أنحاء المعانی الاختراعیّة التی‏‎ ‎‏تُنشئها النفس، وتشیر إلی بعض الوجودات الخاصّة الخارجیّة.‏

‏إذا عرفت حال هذه العناوین اتّضح لک: أنـّه لا یمکن تصویر الوضع العامّ‏‎ ‎‏والموضوع له الخاصّ بأحد العنوانین الأوّلین: لعدم حکایة شیء منهما ـ ولو بنحو‏‎ ‎‏الإجمال ـ عن خصوصیّات الموضوع له لیتمکّن من الوضع له بعد تصوّره، نعم یتأتی‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 91
‏ذلک للواضع بنحو العنوان الُمجمل أو المُبهم الُمخترع للنفس، المُطابق لما تحاول الحکایة‏‎ ‎‏به عن الاُمور الخاصّة بما هی خاصّة ولو إجمالاً ‏‎[1]‎‏.‏

وفیه أوّلاً:‏ أنّ عدّ النوع الثالث عنواناً اختراعیّاً قبال العنوانین الأوّلین‏‎ ‎‏ـ حیث یکونان منتزعین: إمّا من جهة ذاتیّة مُشترکة بین ذوات الأفراد، أو جهة‏‎ ‎‏خارجة عن ذواتها ـ لا یلائم ما صرّح به فی صدر کلامه؛ حیث قال: إنّ العناوین‏‎ ‎‏المُنتزعة علی أنواع.‏

وثانیاً: ‏أنّ تصویر الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ بالعنوان المبهم‏‎ ‎‏الاختراعی، فرار عن عنوان البحث الذی ذکره أساطین الفنّ، وما فسّره ‏‏قدس سره‏‏ به؛ وذلک‏‎ ‎‏لأنّ عنوان البحث: هو أن یتصوّر الواضع حین الوضع معنیً لا یمتنع صدقه علی‏‎ ‎‏کثیرین، ثمّ یضع اللّفظ بـإزاء مصادیق ذلک المعنی‏‎[2]‎‏، ومن الواضح أنّ اختراع العنوان‏‎ ‎‏المُبهم المُشار به إلی بعض الوجودات غیر العنوان الکلی ومصادیقه، فإن تمّ الوضع‏‎ ‎‏العامّ والموضوع له الخاصّ باختراع العنوان المشیر، فهو شیء آخر غیر عنوان البحث‏‎ ‎‏الذی صرّح به أساطین الفن، وهذا المحقّق، کما لا یخفی، فتدبّر.‏

وثالثاً: ‏أنّ عنوان الشخص أو الفرد أو الشبح من العناوین المُنتزعة، لاالعناوین‏‎ ‎‏الُمخترعة، والأولی أن یمثّل لذلک بلفظ «کلّ»؛ حیث یدلّ علی الکثرة الإجمالیّة،‏‎ ‎‏ولا یخفی أنّ هذا مناقشة فی المثال.‏

ورابعاً: ‏أنـّه ‏‏قدس سره‏‏ مثّل للعنوان الإجمالی بالشخص أو الفرد، وللعنوان المُبهم‏‎ ‎‏بالشبح، ولا یخفی أنـّه معنیً واحد، فیصدق عنوان الشبح ـ مثلاً ـ علی هذا الشخص‏‎ ‎‏وذاک الشخص... وهکذا، وهذا العنوان إمّا یُشیر إلی الجامع بین الأفراد أو إلی‏‎ ‎‏الخصوصیّات، فعلی الأوّل یلزم کون الوضع والموضوع له عامّاً، وعلی الثانی یستحیل‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 92
‏الوضع کذلک، ومجرّد کونه عنواناً اختراعیّاً لا یصحّحه؛ لأنّ ملاک عدم الجواز هو‏‎ ‎‏عدم حکایة العامّ بما هو عامّ عن الخصوصیّات، والعنوان الاختراعی والانتزاعی فی‏‎ ‎‏هذا سیّان.‏

وبالجملة: ‏لو کان العنوان المُشیر عنواناً واحداً اختراعیّاً جامعاً للأفراد،‏‎ ‎‏فلا یمکن أن یشیر إلی الخصوصیّات الفردیّة، وإن أمکن ذلک فلیجز فی الانتزاعیّات‏‎ ‎‏أیضاً، فالتفرقة بین العنوان الاختراعی والانتزاعی؛ بالجواز فی الأوّل دون الثانی‏‎ ‎‏لا یرجع إلی محصّل.‏

‏فتحصّل ممّا ذکرنا بطوله: أنّ المشهور‏‎[3]‎‏ قائلون بـإمکان تصویر الوضع العامّ‏‎ ‎‏والموضع له الخاصّ.‏

ودلیلهم: ‏أنّ العامّ وجه للخاصّ وتصویر الشیء بوجه یکفی لوضع اللّفظ له.‏

واُشکل علیهم: ‏أنـّه غیر تام، ولو تمّ فلیجز فی عکسه، وهو کون الوضع‏‎ ‎‏خاصّاً والموضوع له عامّاً، وما تکلّف به المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ لدفع الإشکال، لا یُسمن‏‎ ‎‏ولا یُغنی شیئاً.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93

  • )) بدائع الأفکار 1: 37 ـ 39.
  • )) هدایة المسترشدین: 30 سطر 17، کفایة الاُصول: 24.
  • )) هدایة المسترشدین: 30 سطر 17، کفایة الاُصول: 24، فوائد الاُصول 1: 31.