بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم کن لولیک الحجة بن الحسن صلواتک علیه وعلی آبائه فی هذه الساعة وفی کل ساعة ولیّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودلیلاً وعیناً حتی تُسکنه أرضک طوعاً وتُمتّعه فیها طویلاً
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 9
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 10
تمهید من المؤلّف
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الذی هدانا لهذا وما کنّا لنهتدی لولا أن هدانا الله ، ونحمده علی ما هدانا إلی شرائع الاسلام بتمهید قواعد الأحکام ، وأرشدنا إلی غایة المرام باتباع مسالک الأفهام ، ووفّقنا لتحصیل معالم الدین ، وقوانین شریعة سیّد المرسلین ، وبلَّغنا إلیٰ معرفة فصول الدین بإتقان ضوابط أحکام خیر النبیین وشرّفنا بنهایة المسؤول إلیٰ فرائد الاُصول .
ونُصلّی ونُسلّم علی المبعوث لتتمیم مکارم الأخلاق وإحکام دعائم الإسلام، وإعلان معالم الحلال والحرام وإحیاء ما درس من شرائع المُرسلین ، وإبطال أفکار الکفار والمُلحدین ، وقمع بدع أهل الضلال والمشرکین ، وعلی آله الأئمة الغُر المیامین ، مفاتیح الرحمة ، ومصابیح الهدایة ، لاسیّما خاتمهم وقائمهم المُدّخر لتجدید ما درس من الفرائض والسُنن ، والمُدّخر لإعادة الملّة والشریعة ، المُؤمّل لإحیاء الکتاب وحدوده، ومُحیی معالم الدین وأهله ، قاصم شوکة المعتدین ، وقاطع حبائل الکذّابین والمنحرفین ، مُعزّ الأولیاء ، ومُذلّ الأعداء ، جامع الکلمة علی التقوی ، اللهمَّ عجّل فرجه ، وسهّل مخرجه ، واجعلنا من أنصاره والذابین عنه ، واجعلنا من المُستشهدین بین یدیه
آمین یا ربّ العالمین .کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 11
واللعنة الدائمة الأبدیّة علی أعدائهم وغاصبی حقوقهم ومُنکری فضائلهم ومناقبهم .
وبعد : فإنّه من البدیهی أنّ علم الفقه من أشرف العلوم الإسلامیة ، إذ به یُعرف معالم الدین وقوانینه وأحکامه ، حلاله وحرامه ، رُخَصه وعزائمه ، بل جمیع ما یرتبط بتکالیف العباد ، ونظام المجتمع ، والاُمّة الإسلامیة ، لتأمین سعادتهم ومصالحهم فی النشأتین .
وغیر خفی علی مَن له إلمام بالفقه والفقاهة واستنباط الأحکام الشرعیة ، أنّ کثیراً من الأحکام الشرعیة والوظائف المُقرّرة ـ بل جلّها ـ غیر ضررویّة وغیر یقینة، وتحتاج معرفتها إلی مبادئ ومُقدّمات . ومن أهم ما یحتاج إلیها ومن مبادئها القریبة ، وما یکون دخیلاً فی معرفة الأحکام الشرعیة والوظائف العملیة ، وتشخیصها فی کلّ مورد، قواعد تعرف باُصول الاستنباط واُصول الفقه .
ولیس للمُتدرّب فی الفقه ومُستنبط الأحکام عن مصادرها عدم معرفتها ، وعدم تنقیح مجاریها . ویکون لمعرفة قواعده موقفاً عظیماً لاستنباط الأحکام الشرعیة ، والوظائف المُقرّرة للشاک ، بل تدور رُحی الاستنباط علیها .
وذلک لأنّ جُلّ الأحکام ـ لو لم تکن کلّها ـ مُستفادة من الکتاب العزیز ، وما صدر عن النبی الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم ، وأئمة أهل البیت علیهم السلام ، فلابُدَّ من إثبات حُجّیة ظاهر الکتاب والسنّة ، وحُجّیة خبر الثقة ، ومعرفة الأوامر الصادرة فی الشریعة ومعانیها ، والنواهی الواردة فی مطاویها ، ومنطوق ما فیها ومفهومها ، عمومها وخصوصها ، مُطلقها ومُقیّدها ، مُجملها ومُبیَّنها ، ناسخها ومنسوخها ، ومعرفة کیفیة الجمع بین الدلیلین عند تعارض النص والظاهر ، والأظهر مع الظاهر ، والعام مع خاصه ، والمُطلق مع مُقیّده ، والُمجمل مع المُبیّن . ومعرفة مجری الأصل والوظیفة
الفعلیة عند الشک فی أصل الوظیفة ، أو مع ثبوتها والشک فی بقائها ، أو مع العلمکتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 12
بالوظیفة والشک فی المُتعلّق ، إلی غیر ذلک من المسائل المُعنونة فی علم الاُصول .
فلابُدَّ من معرفة کلّ ذلک علی نحو الاستدلال اجتهاداً ، حسبما یسوقه الدلیل لا علی نحو التقلید .
وبعبارة اُخری لابُدَّ لاستنباط الأحکام عن أدلّتها التفصیلیة ، من معرفة حُجّیة خبر الثقة ، والظاهر ، والأوامر ، والنواهی ، والمُطلقات والمُقیّدات ، والعُمومات والخصوصات ، والتعادل والتراجیح ، واجتماع الأوامر والنواهی ، ومجاری الاُصول العملیة من البراءة والاشتغال والتخییر والاستصحاب ، إلی غیر ذلک ممّا هی دارجة فی الفقه وهی من مُهمّات مسائل اُصول الفقه .
ولا یسوغ لمرید الاستنباط الاستغناء عن تنقیح هذه المباحث وما شاکلها ، کما لا یسوغ للأخباری الخبیر دعوی الاستغناء عنها ، ولو أنکرها فإنّما هو بلسانه فقط وقلبه مُطمئن بما ذکرنا .
وتوهم عدم ملائمة تدوین کتاب مُستقل فی الاُصول حاوٍ لتلک المسائل ، بل لابُدَّ من التعرّض لها خلال عنوان المسائل الفقهیة کما عن صاحب الحدائق رحمه الله، غیر وجیه ، لا یُصغی إلیه ، کما لا یخفی علی البصیر الخبیر .
فظهر أنّه لابدّ فی استنباط الأحکام الشرعیة عن أدلّتها التفصیلیة من الإحاطة بمهمات مسائل اُصول الفقه ممّا هی دخیلة فی فهمها ، ولا یسوغ للأخباری الاستغناء عن تنقیح هذه المسائل والمباحث القیّمة .
وحیث إنَّ شرافة علم اُصول الفقه ومعرفة اُصول الاستنباط بشرافة علم الفقه وکرامته بکرامته ، فمن الحری جداً أن یکون نظر الباحث والمُتدرّب فی هذا العلم نظراً آلیّاً تبعیّاً لا استقلالیّاً أصلیّاً ، فلابدّ وأن یکون ذلک علی وجه الاقتصاد والاعتدال، فلا یکون علی نحو الإفراط الذی ابتلیت به الحوزات العلمیّة ، ولا علی طریق
التفریط الذی ذهب إلیه الأخباریون ، فانّ کلاًّ منهما انحراف عن الجادة ، وقد اُمرناکتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 13
بالطریقة الوسطی والصراط المُستقیم .
وقد ألّف وصنّف اصحابنا الإمامیة رضوان الله تعالی علیهم فی اُصول الفقه کتباً وزُبراً مفصّلة ، ومتوسطة ، ومختصرة ـ قدیماً وحدیثاً ـ فشکر الله مساعیهم الجمیلة فرتّبوا فصوله ، ونقّحوا مسائله ، وشیّدوا أرکانه .
ولکن فی کثیر منها بعض مسائل لا یکاد ینفع المُفتی فی فتواه ، والمجتهد فی استنباطه ، والحاکم فی قضائه ، بل ربّما یقع المتدرّب فی الاجتهاد فی الحیرة والضلالة ، فکم قد سهر روّاد العلم لیالٍ فیها ، وصرفوا أوقاتهم الشریفة فی معرفتها کالبحث عن مقدّمات الانسداد مثلاً ، فکم حقّقوا فی مقدّماتها ؟!! ، وبحثوا فی مجراها بحیث یصعب فهمها إلاّ للأوحدی من المُشتغلین من طلاّب العلوم الإسلامیة .
ثمّ بحثوا فی أنّ مقتضی مقدّماتها هل هی حکم العقل بحجّیة الظن مطلقاً ، أو کشفه عن حجّیة الظن شرعاً ؟
ثمّ تکلّفوا فی بیان الثمرات المُترتّبة علی حُجّیة الظن علی الحکومة أو علی الکشف ، مع أنّ بابی العلم والعلمی بمصراعیهما مفتوحان فنحن فی غنی عن جریان مقدّمات الانسداد وثمراتها .
وکالبحث عن المعانی الحرفیّة بأدقّ معانیها ، والبحث عن مباحث المُشتق بتفاصیلها غیر النافعة ... إلی غیر ذلک من المباحث .
ومن المؤسف جدّاً ما یُشاهد فی زماننا وعصرنا هذا أنّ بعض اساتذة علم الاُصول یطنب فی المباحث الاُصولیّة ، بحیث یستوعب درسه سنین مُتمادیة من أوقات روّاد العلم والُمحصلین فی مباحث الألفاظ ، بل سنین فی مقدّمات المباحث الاُصولیة مع أنّه کما أشرنا أنَّ علم الاُصول من العلوم الآلیة لا الأصلیة ، فلابدّ من الاقتصاد فی طرح مسائلها ، والاقتصار علی ما ینفع الباحث فی الفقه منها ، وما یتوقف استنباط
الأحکام علیها ، التی هی الغایة القصوی من علم اُصول الفقه ، ثم حذف الزوائدکتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 14
والمطالب غیر النافعة حول المسائل المطروحة .
وأری وأعتقد أنّ التوغّل فی المسائل الاُصولیة ، ربّما یُوجب انحراف الذهن عن الاستقامة المطلوبة فی فهم الکتاب والسنّة ؛ کما أنّ التوغّل فی العلوم العقلیة وإعمالها فی القواعد الاُصولیة ربّما لا یسلم عن اعوجاج السلیقة فی معرفة الکتاب والسنّة کما لا یخفی ، وقد شاهدنا من مشایخ العصر ومن قارب عصرنا بل من کانوا فی الأعصار المتقدّمة أیضاً ما یُؤیّد المقال .
نعم کان من الجهابذة وأساطین الفن مَن لم یطرحوا تلک المسائل غیر النافعة بل غیر الدخیلة فی استنباط الأحکام ، ولم یتعرّضوا للمباحث غیر الدخیلة حول الموضوعات المعنونة ، بل اقتصروا علی طرح مهامّ المسائل المُبتلی بها ، وترک غیر المهم وغیر النافع منها فاعتنوا بذکر لُباب ما قیل فی تلک المسائل ، ورفض کلّ ما قیل فیها والحواشی والفضول فشکر الله مساعیهم الجمیلة .
فاذاً من الحری جدّاً أن یکون نظر الباحث والمتدرّب فی مسائل علم الاُصول نظراً آلیّاً تبعیّاً لا استقلالیّاً أصلیّاً ، فیقتصر فیه علی البحث والتنقیب عن مسائل ما یحتاج إلیها فی معرفة الأحکام الشرعیّة ، ویصرف تمام همّه وحده ویشمّر ذیله إلی ذی الآلة والغایة القصوی ـ وهو علم الفقه ـ الذی کما أشرنا انّه قانون المعاش والمعاد ، ونظام الاُمّة الاسلامیة المحتاج إلیه فی العمل لیلاً ونهاراً ، ویوجب معرفته والعمل به الوصول إلی قرب من الحق تعالی والفوز بالجنّة .
وإیّاک أن تتوهم أن علم اُصول الفقه علم شریف فی نفسه ، وتحصیله کمال للنفس والعاقلة ، وصرف العمر فی مسائله ومباحثه ـ عدم المحتاج إلیها ـ کمال للنفس ویوجب تشحیذ الذهن واُنسه بدقائق الفن وهو کمال للعاقلة ، لأنّه موجب لصرف العمر فی غیر ما هو المهم ، بل کما أشرنا أنّه ربّما یوجب الغور فی دقائق مسائله غیر
المحتاج إلیها إخلالاً فی فهم ما یرتبط بالغایة القصوی ، وتشویشاً فی استنباطکتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 15
الأحکام، وانحرافاً عمّا هو المُتفاهم عرفاً فی معرفة الکتاب والسنّة .
فلابُدَّ للمتدرّب فی علم اُصول الفقه من عطف النظر إلی ما هو المهم فی استنباط الأحکام وتشخیص ما هو الأصل فی استخراج الوظائف المُقرّرة ، وتدقیق النظر وإعمال الفکر والرویّة فیها حتّی یکون ذا نظر ثاقب واجتهاد صحیح، ورفض ما لیس بمهم فیها ، وعطف النظر إلی علم الفقه واستنباط الأحکام الشرعیّة ومعرفة الوظائف المُقرّرة . عصمنا الله وإیّاکم من الخطأ والزلل بحق محمّد وآله الطاهرین .
وکیف کان لعلّ ما بین یدیک من جملة متوسطات ما قُرّر واُلّف فی هذا العلم، وقد أسقطت فیه ثلّة من مباحث غیر هامّة ، کمسألة الانسداد مع مقدّماتها بعرضها العریض لأن بابی العلم والعلمی بمصراعیهما مفتوحان ، وبعض مباحث المُشتق ، والمعانی الحرفیة ، وغیرها من المباحث غیر الضروریة ، یجدها المتدرّب بمقایسة هذا الکتاب مع المُفصلات المؤلّفة فی هذا الفن .
وعلی کلّ حال فممّا أنعم الله علی هذا العبد ان وفقت لإدراک ما یقرب من دورة کاملة ونصف من المباحث الاُصولیة التی کان یُلقیها من اُلقی إلیه سنام الاُمّة الإسلامیّة ، قائد الثورة الإسلامیّة فی إیران الإسلامیّة ، جامع المعقول والمنقول ، آیة الله العظمی نائب الإمام علیه السلام سماحة الحاج السیّد روح الله الموسوی الإمام الخمینی قدس سره.
ولشخصیّة سماحة الاُستاذ قدس سره أبعاد مختلفة یندر اجتماعها فی شخص واحد إلاّ للأوحدی من العلماء فی طول التاریخ ، فقد کان فقیهاً اُصولیّاً ، حکیماً بارعاً ، عارفاً کاملاً ، مُفسراً خبیراً ، أخلاقیّاً فریداً ، سیاسیاً مُتضلّعاً ، مُدیراً مُدبّراً، شجاعاً بطلاً ، فقد جمعت فیه الفضائل والمآثر ، فجدیر أن یُقال فی حقّه ما قاله أبوالعلاء المعرّی فی حقِّ عَلَم الهدی السیّد الأجل المرتضی قدس سره:
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 16
یا سائلی عنه فیما جئت تسأله
ألا هو الرجل العاری من العار
لو جئته لرأیت الناس فی رجل
والدهر فی ساعة والأرض فی دار
وحیث إنَّ المیسور لا یسقط بالمعسور ، وما لا یدرک کلّه لا یترک کلّه ، وإنّ المقدّمة حیث تکون مرتبطة باُصول الفقه ینبغی الإشارة الإجمالیّة إلی منهجه الشریف فی علم الاُصول وإلی بعض مبانیه فأقول واُجمل :
إنَّه قدس سره کان سلس البیان ، طلق اللسان ، یبیّن ویحرّر المسائل ببیان واضح یعرفه المتوسطون من روّاد العلم ، والعالون منهم ، بل المبتدؤن ، کلّ علی حسب استعداده وکفاءته ، وکان یتعرّض لکلمات مشایخ عصره فیلقی حاصل ما هو الدخیل فی فهمها ، ویحذف الزوائد وفضول الکلام ثمّ یردّ علیه ما ساقه نظره الشریف ، فاُصوله مع احتوائه لکلمات أساطین الفن وکبراء القوم کان اُصولاً فی حدّ الاعتدال ، لا مختصر مُخلّ ، ولا مبسوط مُمِلّ ، ومع ذلک حاوٍ لعُمَد أفکار أساطین الفن بحیث یستغنی المتدرّب فیه عن المراجعة إلی کتب المفصلات.
وینبغی الإشارة الإجمالیّة إلی بعض آرائه المُقدَّسة ، فهو قدس سره مع کونه حکیماً مُتضلّعاً ، وعارفاً کاملاً ، لا یخلط مباحثه الاُصولیّة بشیءٍ من الدقائق الفلسفیّة واللطائف العرفانیّة ، بل کان یُحذّر حاضری بحثه أن یُدخلوا المباحث العقلیّة الدقیقة فی المسائل الاُصولیّة المُبتنیة غالباً علی الأنظار والأفهام العرفیة ، وبناء العقلاء وسیرتهم ، وکثیراً ما یوبّخ إدخال المسائل العقلیّة فی المسائل الاُصولیّة :
1 ـ کقاعدة الواحد ویری أنّ إدخالها فیها ممّن لعلّه لا خبرویّة له فی علم الحکمة والمعارف الإلهیّة ، ولا یدری أنّ مجری القاعدة عند مُثبتیها إنّما هو فی الواحد البسیط الحقیقی من جمیع الجهات الذی لا تشوبه شائبة الکثرة لا خارجاً ولا ذهناً ولا عقلاً ، لا فی الواحد والبسیط الخارجی فضلاً عن الواحد الاعتباری وموضوعیّة الشیء للحکم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 17
2 ـ وکان قدس سره یقول :
إنّ مُراد الحکماء بقولهم : «إنّ المهیّة من حیث هی هی لیست إلاّ هی لا موجودة ولا معدومة» أنّ المهیّة فی مرتبة ذاتها لیست إلاّ نفس ذاتها من جنسها وفصلها ، ولا یکون فی مرتبة ذاتها أمر آخر حتی الوجود أو العدم ؛ لا ما یظهر من المحقّق الخراسانی قدس سره وغیره :
أنّ مُرادهم بذلک أنَّ المهیّة من حیث هی هی لیست إلاّ هی موجودة ، ولا معدومة ، ولا مطلوبة ، ولا غیر مطلوبة ، حتی یتوجّه علیهم أنّ مُقتضی ذلک عدم إمکان تعلّق الأحکام التکلیفیّة بنفس الصانع والمهیّات کما لا یخفی .
فاذاً علی ما أفاده سماحة الاُستاد قدس سره فی مرادهم یمکن توجّه الخطاب والتکالیف بنفس المهیّات ، فیمکن انحدار والتکالیف بنفس المهیّات فیصح انحدار الخطاب إلی مهیّة الصلاة مثلاً فتکون مهیّة الصلاة واجبة ، لا بحیث یکون الوجوب جزءاً لمهیّتها ، بل بمعنی کونها معروضة للوجوب فتدبّر .
3 ـ وکان یری مقتبساً من استاده العلاّمة الإصفهانی صاحب الوقایة قدس سره معنیً لطیفاً فی الاستعمالات المجازیة یقبله الطبع السلیم یشبه ما یقوله السکاکی فی خصوص باب الاستعارة لا عینه حاصله :
أنّه فی جمیع الاستعمالات المجازیّة یستعمل اللفظ فی المعنی الحقیقیّ ولکن مع ادّعاء فی البین وتطبیق المعنی الحقیقی علی المدّعی .
وبالجملة یری باب المجاز باب التلاعب بالمعانی ووضع معنی مکان معنی، وهذا هو الذی یورث الکلام ملاحة ویصیّره بلیغاً فصیحاً ، لا وضع اللفظ مکان لفظ آخر، لأنّ الألفاظ مُتکافئة غالباً فی إفادة معانیها ، وظاهر أنّ اللطافة والملاحة التی فی قوله
تعالی کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 18
«واسئل القریة» وهی ادّعاء أنّ القضیة بمرتبة من الوضوح یعرفه کلّ موجود حتی القریة التی من الجمادات فکیف ینکره العاقل الذی له شعور وإدراک لا تراها ولا تجدها إذا قیل واسأل أهل القریة کما لا یخفی .
وکذا تری اللطافة والبلاغة فی قول الفرزدق شاعر أهل البیت فی مدح الإمام السجاد علیه السلام بقوله :
هذا الذی تعرف البطحاء وطأته
والبیت یعرفه والحلّ والحرم
إلی آخر أبیاته الأنیفة ، حیث یُرید إثبات أنّه علیه السلام بمرتبة من الشهرة والمعروفیة بحیث یعرفه أرض البطحاء ، وبیت الله الحرام ، والحل والحرم ، فکیف لا تعرفه أنت یا هشام ؟!
وکذا فی الاستعمالات التی یصرّح فیها بنفی معنی وإثبات معنی آخر کقوله فی قصة یوسف علی نبیّنا وآله وعلیه السلام : «ما هذا بشراً إن هذا إلاّ ملک کریم» وکقولک لوجه حسن : ما هذا بشر بل هو بدر ، إلی غیر ذلک من الاستعمالات التی یعدّونها استعمالات مجازیّة،ففی جمیعها لم تستعمل الألفاظ إلاّ فی معانیها الموضوع لها، ولکن مع ادّعاء فی البین وتطبیق المعنی الحقیقی علی المدّعی.
4 ـ وکان قدس سره یری أنّ شرائط الخطابات القانونیّة مُخالف لشرائط الخطابات الشخصیة ، وأنّه لا یشترط فی صحة توجّه الخطاب القانونی انبعاث جمیع آحاد المُکلّفین ، وقدرتهم ، بل إذا تمکّنت وانبعثت جملة مُعتدة بهم ، وکان لهم قدرة علی الانبعاث یصلح توجّه الخطاب القانونی ، کما هو الشأن فی جعل القوانین العالمیة ، ومن أجل ذلک أنکر قدس سره الخطاب الترتّبی وأنّ الخطاب المهم لم یکن مشروطاً بعصیان
خطاب الأهم ، وتفصیله یطلب من محلّه من هذا الکتاب وغیره .کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 19
5 ـ وکان قدس سره یری أنّ الأحکام الشرعیّة غیر مُقیّدة بقدرة المکلّف لا عقلاً ولا شرعاً ، وإن کان حکم العقل بالإطاعة والعصیان فی صورة القدرة .
وذلک لأنّ الأحکام الشرعیّة عاریة بحکم الإطلاق عن التقیید بالقدرة شرعاً، ولا سبیل إلی التقیید بالقدرة فتشمل العاجزین بإطلاقها ، ولا یُعقل التقیید بها لا من قبل الشرع ولا من قبل العقل ، لأنّه علی التقیید من قبل الشرع یلزم القول بالبراءة عند الشک فی القدرة . وهم لا یلتزمون به ، بل قائلون بالاشتغال عند ذلک ، ولا یلزم جواز إحداث ما یعذر به اختیاراً ، ولا یلتزمون به ، ومنه یُعلم عدم استکشاف التقیید بالقدرة شرعاً من ناحیة العقل .
مضافاً إلی أنّ التقیید بالقُدرة لا یجامع ما اتّفقوا علیه من بطلان اختصاص الأحکام بالعالمین ، بل یشترک کلّ من العالمین والجاهلین فیها ؛ لأنّ التفکیک بین العلم والقدرة غیر صحیح . فلو کشف العقل التقیید بالقدرة شرعاً ، فلابدّ وأن یکشف عن التقیید بالعلم ؛ لأنّهما یرتضعان من ثدی واحدٍ ؛ لأنّ المناط فیهما واحد وهو قُبح خطاب العاجز والجاهل .
وأمّا عدم التقیید من قبل العقل مُستقلاً ، فلأنَّ تصرّف العقل بالتقیید فی حکم الغیر وإرادته مع کون المُتشرّع غیره باطل ؛ ضرورة أنّه لا معنی لأن یتصرّف أحد فی حکم غیره ویضیقه .
وبالجملة تصرف العقل فی إطلاق الأدلّة لا یرجع إلی مُحصل ، بل تصرّفه فی إرادة الشارع وجعله غیر معقول ؛ لأنّ التقیید والتصرّف لا یُعقل إلاّ لجاهل الحکم ، لا لغیره ، وهو غیر العقل فتدبّر .
نعم للعقل فی مقام الإطاعة والعصیان ، وتشخیص أنَّ مُخالفة الحکم فی أیّ موردٍ یُوجب استحقاق العقوبة وفی مورد آخر لا یوجب ذلک .
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 20
فغایة ما یقتضیه حکم العقل هو تشخیص أنَّ الجاهل ، أو العاجز ، أو الساهی والغافل ونظرائهم معذورون فی ترک الواجب ، أو إتیان الحرام من غیر أن یتصرّف فی دلیل الحکم أو إرادة الشارع فتدبّر .
6 ـ وکان قدس سره ینکر علی الُمحقّق الخراسانی قدس سره وغیره حیث یرون أنَّ للأحکام مراتب أربعة :
1 ـ مرتبة الاقتضاء .
2 ـ مرتبة الإنشاء .
3 ـ مرتبة الفعلیة .
4 ـ مرتبة التنجّز .
ویری أنّه لیس للأحکام إلاّ مرتبتین . وإن شئت قلت لیس لها إلاّ قسمین :
1 ـ الحکم الإنشائی .
2 ـ الحکم الفعلی .
کما هو الشأن فی الأحکام المجعولة فی الملل الراقیة ، فإنّه قد ینشأ القانون ویصوّب ولکن لیس بحیث یکون علیه العمل فی الخارج ، وقد یصیر بحیث یکون بید الإجراء والعمل فلک أن تقول إنَّ للأحکام الشرعیة أیضاً مرتبتین :
1 ـ مرتبة الإنشاء .
2 ـ مرتبة الفعلیة .
لأنّه قد تکون الأحکام المجعولة فعلیّة واقعة فی جریان العمل ولزوم تطبیق العمل علیها ـ وهو جلّ الأحکام ـ .
وقد تکون باقیة فی مرحلة الإنشاء ولم تصل بعد إلی المرتبة الفعلیة ، بل تکون باقیة فی مرتبة الإنشاء إلی أن تطلع شمس فلک الهدایة صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه الشریف وجعلنا من کلّ مکروه فداه ، والاقتضاء والتنجیز حاشیتا الحکم ،
ذاک من مبادئ الحکم وسبباً ومُقتضیاً له ، والأخیر حکم العقل بعد فعلیة الحکمکتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 21
وصیرورته لازم الإجراء من غیر أن تمس کرامة الحکم .
7 ـ وکان قدس سره یری أنّه إذا تعلّق النذر وشبهه بعبادة کصلاة اللیل ـ مثلاً ـ لا تصیر صلاة اللیل واجبة کما هو المعروف . بل تکون صلاة اللیل بعد النذر وشبهه کقبلها مُستحبة ، فلو قلنا باعتبار قصد الوجه فی صحة العبادة فلابدّ له من قصدها ندباً ، لأنّ غایة ما یقتضیه النذر ـ مثلاً ـ هو وجوب الوفاء بعنوان النذر ، والوفاء بالنذر یتحقّق بصلاة اللیل المستحبة فتدبّر .
8 ـ وکان قدس سره یورد علی المحقّق النائینی قدس سره حیث کان یری أنَّ النذر واجب توصلّی ، فإذا تعلّق بأمر عبادی فیکتسب العبادیة من متعلّقه ، کما أنَّ متعلّقه یکتسب الوجوب من النذر بما حاصله :
ما هذا الکسب والاکتساب ؟!! ویری أنّ هذه المقالة أشبه بالخطاب من البرهان ، لأنّ النذر بعد تعلّقه بأمرٍ عبادی باقٍ علی توصلیّته کما أنّ الأمر العبادی باقٍ علی ما هو علیه .
هذا إجمال المقال ، والإشارة الإجمالیة إلی بعض مبانی سماحة الاُستاد قدس سره وتفصیلها یطلب من محالّها من هذا الکتاب وغیره .
کما یجد المُتدرّب فیما صدر من قلمه الشریف وما قرّر من أبحاثه أفکاره القیّمة وأنظاره السدیدة فی المسائل الاُصولیة .
وکیف کان فما بین یدیک نتیجة ما ألقاه سماحة الاُستاد علی جمٍّ غفیرٍ من الأفاضل وعدّة من الأعلام فی الدورة الأخیرة فی المسائل الاُصولیة ، وکان تاریخ شروع سماحته یوم الأربعاء عاشر ربیع المولود من سنة ألف وثلاثمائة وثمان وسبعون (1378) هجریة قمریة فلّما تمّ نظامه سمّیته بـ «جواهرالاُصول» .
وقد کان رأیی حفظ المطالب فی مجالس الدرس ثمّ البحث والمُذاکرة حولها ، ثمّ
تحریرها ، وربّما لم أکن حاضراً مجلس البحث ، ولم أحصل علی ما أفاد سماحة الاُستادکتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 22
فاقتبست المطلب من بعض أجلاّء تلامذة الاُستاد دامت برکاته ، ومع ذلک لا آمن السهو والنسیان والاشتباه ، فإن کان فیها نحو قصورٍ واضطراب ونقص ، فردّه واستناده إلی المُقرّر أولی من أن ینسب إلی سماحته ، والتمس من الناظر فیها أن یکون نظره بعین الإنصاف والرضا ، لا بعین الإشکال والاعتراض والسخط ، لأنّ الإنسان محلّ الخطأ والنسیان ، والعصمة لأهلها .
ولیعلم القارئ الکریم أنّ ما بین یدیه صحف لم یقدّر لها أن تُنشر قبل الیوم، لأنـّها قد حُرّرت وخرجت من السواد إلی البیاض منذ عهد بعید لا یقلّ عن ست وثلاثین سنة، ولم تسع الفرصة طبعها ونشرها بین روّاد العلم ومحبّی أفکار سماحة الأستاد قدس سره، وإن التمس منّا ثلّة من الأجلاّء وطلبة العلم طبعها ونشرها؛ لیعمّ نفعها ویکثر فیضها ، فإنّ الاُمور مرهونة بأوقاتها ، وجاریة علی ما تقتضیه مصالحها . إلی أن منّ الله تعالی علینا فی هذا الزمان ، وهیّأ لنا وسیلة طبعها ونشرها حیث أشار بعض عُمَد مؤسّسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی قدس سره فرع قم ـ دامت إفاضاته ـ إلی طبعها ونشرها، وألحّ علینا فی ذلک ، فلم یکن فی وسعی مخالفته فی هذا المشروع المقدّس، فأجبت مسؤوله، فشکر الله مساعیهم الجمیلة . ولله درّ المؤسّسة الجلیلة حیث قامت بنشر الآثار والتآلیف والتصانیف القیّمة الراجعة إلی سماحة الاُستاد قدس سره تصنیفاً وتألیفاً وتقریراً .
وحیث إنّه مرّت علی هذا التقریر أعوام وعهود بعیدة؛ فربّما یوجب ذلک تغییراً فی الاُسلوب والعبارة ، أو تقدیم ما حقّه التأخیر أو بالعکس، وکان من الحریّ تجدید النظر فیها، کما لا یخفی، ولکن من المؤسف جدّاً أنـّه لم یساعدنی الحال ولم یتسع لی المجال؛ لانحراف المزاج والابتلاء بعوارض قلبیّة وغیرها، واضطراب الفکر ، والاشتغال بالبحث والمذاکرة ، إلی غیر ذلک من الشواغل .
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 23
ولکن حیث إنّ المیسور لا یسقط بالمعسور ، وما لا یدرک کلّه لا یترک کلّه ، فبمقدار المیسور اُجدّد النظر فیها إجمالاً ، ومن الطبیعی أنّ ذلک یوجب تغییراً فی بعض ألفاظ الکتاب ، وتقدیماً وتأخیراً فی بعض المطالب ، بل ربّما یُوجب ذلک إضافة بعض ما سقط عنه ممّا یکون دخیلاً فی المطلب ، أو مُخِلاًّ بالمقصود ، أو إسقاط ما لا یکون محتاجاً إلیه .
عصمنا الله وإیّاکم من الخطأ والزلل بحقّ محمّد وآله الطاهرین.
وکان الفراغ من تحریر المقدّمة فی مدینة قم المحمیّة ، عش آل محمّد وحرم أهل البیت علیهم السلام صانها الله عن الحوادث والتهاجم ، لیلة الاربعاء لتسع عشر من شهر رمضان المبارک ، إحدی لیالی القدر ، وهی اللیلة التی ضرب فرق جدّی مولی الکونین علی بن أبی طالب علیه السلام فی محراب عبادته ضربه أشقی الأشقیاء ، الموافقة لسنة ألف وأربعمائة وسبعة عشر (1417) هجریة قمریة .
حرّره العبد الفانی السید محمد حسن المرتضوی اللنگرودی الجیلانی ابن فقیه أهل البیت آیة الله العظمی الحاج السید مرتضی الحسینی اللنگرودی قدس سره
والحمد لله أولاً وآخراً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 24