المقصد الأوّل فی الأوامر

إشکال ودفع

إشکال ودفع

‏ ‏

‏قـد أشرنا : أ نّه بعد رفـع الجزئیة أو الشرطیـة أو المانعیة عنـد الشکّ فیها‏‎ ‎‏بحـدیث الرفـع تکـون البقیـة مأمـوراً بها ، ولا نحتاج لإثبات أنّ البقیـة مأمـور بها‏‎ ‎‏إلیٰ دلیل ، ومقتضیٰ ذلک الاجتـزاء بما أتیٰ به ، ولا یحتاج إلی الإعادة أو القضاء بعـد‏‎ ‎‏کشف الخلاف .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 355
‏ولکن ربّما یذکر فی المقام إشکال عقلی فی الإجزاء بما أتیٰ به ، ویقرب الإشکال‏‎ ‎‏بوجهین :‏

الوجه الأوّل :‏ هو أ نّه لا یمکن جعل الجزئیة أو الشرطیة أو المانعیة ولا نفیها إلاّ‏‎ ‎‏بتبع منشأ انتزاعها ، فرفع الجزء غیر المعلوم ـ مثلاً ـ برفع منشأ انتزاعه ؛ وهو الأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بالمجموع المرکّب الذی منه هذا الجزء ، فتحتاج فی کون البقیة مأموراً بها إلیٰ‏‎ ‎‏تعلّق أمر آخر بالمجموع المرکّب بغیر ذلک الجزء .‏

‏وبالجملة : رفع الجزئیة عن السورة المشکوکة کونها جزءً للصلاة ـ مثلاً ـ لا‏‎ ‎‏یصحّ إلاّ برفع نفس التکلیف بأصل الصلاة ، فلابدّ لإثبات کون ما عدی السورة‏‎ ‎‏مأموراً بها إلیٰ دلیل آخر . فإذاً لم یمکن رفع الجزئیة ـ مثلاً ـ إلاّ بنفی منشأ انتزاعه ،‏‎ ‎‏والأمر بالصلاة تعلّق بالمجموع المرکّب مع هذا الجزء ، فإذا رفع الأمر بالمجموع المرکّب‏‎ ‎‏فی الشکّ فی جزئیة السورة فنحتاج إلیٰ کون البقیة مأموراً بها إلیٰ دلیل آخر یُحدِّد‏‎ ‎‏المأمور به بما عدا ذلک ، ولا یمکن إثبات ذلک بالأصل ؛ فمقتضی القاعدة عدم الإجزاء‏‎ ‎‏برفع جزئیة السورة ـ مثلاً ـ بحدیث الرفع .‏

وفیه أوّلاً :‏ أ نّه تقدّم ـ ولعلّه بما لا مزید علیه ـ إمکان جعل الجزئیة أو‏‎ ‎‏الشرطیة أو المانعیة ، وعلیه لا إشکال فی الإجزاء بمقتضیٰ حدیث الرفع ، کما اعترف به‏‎ ‎‏المستشکل أیضاً .‏

وثانیاً :‏ أنّ مرجع ما ذکر فی الإشکال إلی الفسخ أو البداء المستحیل ؛ وذلک‏‎ ‎‏لأنّ مقتضیٰ ما ذکر فی الإشکال أنّ المطلوب أوّلاً بالإرادة الجدّیة هو المرکّب من جمیع‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط مع عدم الموانع ، ثمّ اُرید فی صورة الشکّ فی الجزئیة ـ مثلاًـ‏‎ ‎‏بالإرادة الجدّیة خلافه . والبداء الممکن هو جعل قوانین ویریدها بالإرادة الاستعمالیة ،‏‎ ‎‏وهو یعلم بعلمه الأزلی انطباق القانون فی مورد دون مورد . والفسخ الصحیح هو‏‎ ‎‏انتهاء أمد الحکم الذی جعل بصورة یتوهّم بقاؤه إلی الأبد .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 356
‏وهکذا الکلام فی العموم ؛ فإنّه لم یرد العموم بالإرادة الجدّیة ، بل أراده بالإرادة‏‎ ‎‏الاستعمالیة .‏

‏نعم قبل الظفر بالمخصِّص یتخیّل تطابق الإرادتین ـ الجدّیة والاستعمالیة ـ وبعد‏‎ ‎‏الظفر بالمخصِّص یستکشف عن أ نّه من أوّل الأمر کان المراد غیر المخصّص ؛ ولذا نقول :‏‎ ‎‏إنّ قوله ـ مثلاً ـ صلّ مع الأجزاء والشرائط علیٰ نحو الجعل القانونی والإرادة‏‎ ‎‏الاستعمالیة ، فإذا نفیٰ جزءً أو شرطاً عند الشکّ بلسان الرفع لا یکون رفعاً حقیقیاً بل‏‎ ‎‏ادعائیاً حتّی بالنسبة إلی التکلیف ، بل یستکشف من ذلک أنّ الوظیفة لمن جهل الجزء‏‎ ‎‏أو الشرط أن یأتی الصلاة بدونهما .‏

‏وما ذکرناه هنا موجود فی القوانین العرفیة أیضاً فإنّه قد توضع أوّلاً القوانین‏‎ ‎‏الکلّیة ، ثمّ یعقّبونها بمخصّصات ومقیّدات ویرفعها عن بعض ، کما لا یخفیٰ ، فلو أمکن‏‎ ‎‏ذلک فی القوانین العرفیة فما ظنّک فی القوانین الکلّیة الإلهیة !‏

‏فظهر : أنّ الإشکال المزبور لم یکن إشکالاً عقلیاً فی المسألة ، کما لا یخفیٰ .‏

الوجه الثانی :‏ ما أفاده المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ، وحاصله : أنّ الاُصول العدمیة تکون‏‎ ‎‏مقتضاها نفی التکلیف بالجزء أو الشرط المشکوک فیه ، فبعد نفی التکلیف بالنسبة إلیه‏‎ ‎‏لا یمکن إثبات التکلیف بباقی الأجزاء والشرائط بأدلّتها ؛ لأ نّه لا إطلاق لها من هذه‏‎ ‎‏الجهة ، فإثبات وجوب الباقی لابدّ وأن یکون بالأصل العدمی ، وذلک یتوقّف علیٰ‏‎ ‎‏مقدّمتین ، بل مقدّمات :‏

‏الاُولیٰ : أن تکون من الاُصول التنزیلیة العدمیة ؛ بأن ینزّل المشکوک فیه منزلة‏‎ ‎‏العدم فی ترتّب أثر العدم علیه ، لا حلّیة الترک فی مرحلة الظاهر ؛ لأ نّه علیه لا یسوغ‏‎ ‎‏الاکتفاء بالباقی ؛ لمکان الارتباطیة بین الأجزاء .‏

‏الثانیة : أن یکون وجوب الباقی من الآثار الشرعیة لنفی المشکوک فیه لیترتّب‏‎ ‎‏علیٰ نفیه .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 357
‏وکلتا المقدّمتان لا تخلوان عن النظر :‏

‏أمّا الاُولیٰ : فلأنّ ظاهر دلیل اعتبار أمثال هذه الاُصول أ نّها وظائف شرعت‏‎ ‎‏فی ظرف الجهل ، ولا تکون ناظرة إلیٰ نفی التکلیف فی مرحلة الواقع .‏

‏وأمّا الثانیة : فلأنّ أصل الوجوب وإن کان مجعولاً شرعیاً ، ولکن تحدیده‏‎ ‎‏بالأقلّ لازم عقلی لعدم جزئیة المشکوک فیه أو شرطیته ، فترتّب الوجوب المحدود‏‎ ‎‏بالأقلّ علیٰ نفی المشکوک فیه یکون من الأصل المثبت .‏

‏ثمّ إنّه بعـد تمامیة المقدّمتین وجـواز الاکتفاء بالباقی ببرکة القاعـدة تصل‏‎ ‎‏النوبـة إلیٰ مسألة الإجـزاء وعـدمه بعد انکشاف الخـلاف ، وقد عرفت ـ هـذه هی‏‎ ‎‏المقدّمـة الثالثة ـ ممّا سبق : أنّ التنزیل فی تلک الاُصـول ناظر إلیٰ ترتیب الأثر تعبّداً ،‏‎ ‎‏وأنّ إرادة ترتیب أثر الواقـع واقعاً منها خـلاف الظاهـر ، ولا أقلّ مـن الشکّ ؛‏‎ ‎‏فالنتیجة عدم الإجزاء ، انتهی‏‎[1]‎‏ .‏

‏وفیه أوّلاً : أنّ عدّ البراءة مـن الاُصـول العدمیة لا تخلو عـن شیء ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الأصل العـدمی عند القوم عبارة عـن استصحاب العـدم ونحوه ، والبراءة لـم تکن‏‎ ‎‏مقتضاها ذلک ، فتدبّر .‏

‏وثانیاً : أنّ قوله فی المقدّمة الاُولی : تنزیل المشکوک فیه منزلة العدم فی ترتیب‏‎ ‎‏الأثر ، لا یخلو عن تسامح ؛ لأنّ العدم باطل محض لا أثر له .‏

‏وثالثاً ـ وهو المهمّ فی الإشکال ، دون الأوّلین ـ وهو منعه ‏‏قدس سره‏‏ المقدّمات ، مع أنّ‏‎ ‎‏المقدّمة الاُولی والثالثة تامّتان والمقدّمة الثانیة غیر محتاجة إلیها .‏

‏وذلک لأنّ ظاهر لسان حدیث الرفع ، رفع المشکوک فیه تکویناً ، وحیث لم‏‎ ‎‏یمکن إرادة الرفع التکوینی فالمراد رفعه تنزیلاً وادّعاءً ، وهو لیس إلاّ تنزیل المشکوک‏‎ ‎‏فیه منزلة العدم ، ومقتضاه أنّ الجزء المشکوک فیه غیر معتبر فی حقّ الجاهل به ، وقد‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 358
‏سبق أنّ العرف یحکم بعد ملاحظة حدیث الرفع ودلیل اعتبار الأجزاء والشرائط‏‎ ‎‏بأ نّها إنّما تعتبر فی حقّ العالم بها ، ولا نحتاج إلی تجشّم إثبات أنّ غیر الجزء المشکوک‏‎ ‎‏فیه ـ مثلاً ـ مأموراً به ، فراجع .‏

‏ولو سلّم أنّ لسان تلک الأدلّة الأمر بترتّب الآثار فمقتضاها أیضاً الإجزاء ؛ لما‏‎ ‎‏عرفت أنّ الظاهر منها هو ترتّب آثار الواقع ، ومجرّد جواز الدخول فی العمل ـ مضافاً‏‎ ‎‏إلیٰ عدم کونه أثراً شرعیاً ، بل حکم العقل کما أشرنا ـ لم یکن بحیث یکون أثراً‏‎ ‎‏ظاهریاً ، فتدبّر .‏

‏هذا کلّه فی الاُصول غیر المحرزة .‏

‏وأمّا الاُصول المحرزة فمنها وهو :‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 359

  • )) بدائع الأفکار 1 : 305 .