المقصد الأوّل فی الأوامر

المورد الأوّل‏: فی أصالتی الطهارة والحلّیة

المورد الأوّل : فی أصالتی الطهارة والحلّیة

‏ ‏

‏لا یخفیٰ : أنّ لسان قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء طاهر حتّیٰ تعلم أنّه قذر»‎[1]‎‏ ‏‎ ‎‏وقوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء حلال حتّی تعرف الحرام منه بعینه»‎[2]‎‏ لسانهما واحد‏‎ ‎‏یحتملان أحد معنیین :‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 339
المعنی الأوّل :‏ أن یکونا بصدد جعل الطهارة أو الحلّیة الظاهریتین علی‏‎ ‎‏المشکوک بما هو مشکوک ، قبال الطهارة والحلّیة الواقعیتین المجعولتین علیٰ نفس الشیء‏‎ ‎‏وذاته . ومعنیٰ جعلهما قبالهما هو أنّه کلّما یعتبر فیه الطهارة الواقعیة أو الحلّیة الواقعیة‏‎ ‎‏یجزیه الطهارة والحلّیة الظاهریتین ، نظیر جعل المماثل الذی قد قیل فی الطرق‏‎ ‎‏والأمارات‏‎[3]‎‏ . وهذا المعنی لم یصحّ فی الطرق والأمارات کما سبق بیانه ، ولکن لا ضیر‏‎ ‎‏فیه فی باب الاُصول .‏

المعنی الثانی :‏ أن یکونا بصدد بیان ترتیب آثار الطهارة الواقعیة أو الحلّیة‏‎ ‎‏الواقعیة علی الشیء المشکوک ما دام شاکّاً .‏

‏والمترائیٰ فی بدء النظر من لسانهما المعنی الأوّل ، ولکن لا یبعد أن یکون‏‎ ‎‏المنسبق إلی أذهان العرف والعقلاء هو المعنی الثانی ؛ لأنّهم لم یفهموا من ذاک اللسان‏‎ ‎‏أنّ للشارع طهارتین ـ مثلاً ـ طهارة واقعیة مجعولة علیٰ ذات الشیء ، وفی مقابلها‏‎ ‎‏طهارة ظاهریة مجعولة علی الشیء بما أنّه مشکوک فیه . بل غایة ما یستفیدونه هی‏‎ ‎‏ترتیب آثار الطهارة الثابتة علیٰ ذات الشیء علی المشکوک فیه ، فتدبّر .‏

‏وکیف کان : علی أیّ المعنیین لو جعلت أصالة الطهارة ـ مثلاً ـ قبال ما دلّ علی‏‎ ‎‏اعتبار الطهارة فی الصلاة ، وعرضتا علی العرف والعقلاء فلا ریب ولا إشکال فی أنّهم‏‎ ‎‏یفهمون منه أنّ الطهارة المعتبرة فی الصلاة أعمّ من الطهارة الواقعیة ، فیکون نطاقه‏‎ ‎‏التوسعة فی دلیل اشتراط الطهارة فی الصلاة .‏

‏وبالجملة : ظاهر قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا صلاة إلاّ بطهور»‎[4]‎‏ ـ بناءً علیٰ شموله للطهارة‏‎ ‎‏الخبثیة أیضاً ـ لو خلّیت ونفسه اشتراط الطهارة الواقعیة فی الصلاة . ولکن لو قُرِن به‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 340
‏قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء طاهر حتّیٰ تعلم أنّه قذر»‏ فیستفاد منه أنّ الطهارة المعتبرة فیها‏‎ ‎‏أعمّ من الواقعیة والظاهریة ، ولا أقلّ یستفاد منه ترتیب آثار الطهارة الواقعیة علی‏‎ ‎‏المشکوک فیه ، ومقتضاه هو الإجزاء .‏

‏وعدم قولنا بالإجزاء فی الطرق والأمارات إنّما هو لأجل عدم اقتضاء لسان‏‎ ‎‏اعتبارها ذلک ؛ لما عرفت أنّه لو کان مفاد دلیل اعتبار الأمارة تنزیل المؤدّیٰ منزلة‏‎ ‎‏الواقع وترتیب آثار الواقع علیه یکون مقتضاها أیضاً الإجزاء .‏

‏ولکنّه قد عرفت : أنّه خلاف فرض الأماریة ؛ لأنّ اعتبار الأمارة لابدّ وأن‏‎ ‎‏تکون بلحاظ کشفها عن الواقع ؛ ولذا قد تطابقه وقد لا تطابقه ، وذلک بخلاف اعتبار‏‎ ‎‏الأصل فإنّه عبارة عن حکم ووظیفة للشاکّ فی ظرف الشکّ ، من دون أن یکون له‏‎ ‎‏کاشفیة وطریقیة إلی الواقع ؛ ولذا لا یکون له کشف خلاف .‏

‏فظهر لک ممّا ذکرنا : الفرق الواضح بین لسان اعتبار الأصل ولسان اعتبار‏‎ ‎‏الأمارة ، فلا وجه لما قد یقال : إنّ لسان اعتبار الأصل والأمارة واحد‏‎[5]‎‏ .‏

‏وظهر لک : أنّ مقتضی لسان اعتبار أصالة الطهارة أو الحلّیة تحکیمهما علی أدلّة‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط ، فتدبّر واغتنم .‏

‏ ‏

إشکالات وأجوبة

‏ ‏

‏أورد المحقّق النائینی  ‏‏قدس سره‏‏ إشکالات أربع علی القول بالإجزاء فی العمل علیٰ‏‎ ‎‏طبق الاُصول العملیة ـ کقاعدة الطهارة واستصحابها ـ ویریٰ ‏‏قدس سره‏‏ أنّ إشکاله الثالث‏‎ ‎‏عمدتها ؛ ولذا نَبدء بذکره :‏

فقال ما حاصله :‏ أنّ الحکومة علیٰ نحوین : حکومة واقعیة وحکومة ظاهریة ،‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 341
‏والحکومة الواقعیة هی حکومة الأدلّة الواقعیة بعضها علیٰ بعض ، وحیث إنّ المجعول‏‎ ‎‏فی دلیل الحاکم فی عرض دلیل المحکوم فیوجب ذلک التوسعة أو التضییق فی دلیل‏‎ ‎‏المحکوم ، کقوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا شکّ لکثیر الشکّ»‎[6]‎‏ ، حیث إنّه یکون فی عرض مثل‏‎ ‎‏قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«إن شککت فابن علی الأکثر»‎[7]‎‏ ، فیکون حاکماً علیه ، فهو تخصیص‏‎ ‎‏بلسان الحکومة . والتعبیر عنه بالحکومة دون التخصیص إنّما هو باعتبار عدم‏‎ ‎‏ملاحظة النسبة بین الدلیلین .‏

‏والحکومة الظاهریة هی حکومة الطرق والأمارات والاُصول بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الأحکام الواقعیة ، وحیث إنّ المجعول فیها فی طول المجعول الواقعی وفی الرتبة المتأخّرة‏‎ ‎‏عنه ـ خصوصاً بالنسبة إلی الاُصول التی اُخذ الشکّ فی موضوعها ـ فلا یمکن‏‎ ‎‏أن یکون المجعول الظاهری موسّعاً أو مضیّقاً للمجعول الواقعی .‏

‏وبالجملة : المجعول الظاهری إنّما هو واقع فی مرتبة إحراز الواقع ، والبناء العملی‏‎ ‎‏علیه بعد جعل الواقع وانحفاظه علیٰ ما هو علیه من التوسعة والتضییق ، فلا یمکن‏‎ ‎‏أن یکون المجعول موسّعاً أو مضیّقاً للمجعول الواقعی ، ولا توجب تصرّفاً فی الواقع‏‎ ‎‏أبداً . وغایة ما هناک حکومة ظاهریة یترتّب الآثار مادام شاکّاً ، فأنّیٰ له وللإجزاء‏‎ ‎‏عن المجعول الواقعی بعد زوال الشکّ‏‎[8]‎‏ ؟ !‏

وفیه أوّلاً :‏ أنّ للحکومة معنی واحداً ، وتقسیمها إلی الواقعیة والظاهریة‏‎ ‎‏غیر وجیه ، واختلافهما إنّما هو فی المتعلّق ، وهو لا یوجب اختلافاً فی معنی الحکومة .‏‎ ‎‏ولو صحّ تقسیم الشیء بلحاظ متعلّقه یلزم أن لا یَقف تقسیم الحکومة بالواقعیة‏‎ ‎‏والظاهریة ، بل لابدّ وأن تنقسم بلحاظ متعلّقات الأحکام ، وهو کما تریٰ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 342
وثانیاً :‏ أنّ دعوی استحالة الحکومة فی الأمارات والاُصول کما تریٰ ؛ لأنّ‏‎ ‎‏غایة ما یلزم من ذلک فی الشبهات الموضوعیة هی خلف الفرض ؛ لأنّ ذات البول‏‎ ‎‏ـ مثلاً ـ نجسة ؛ معلومة کانت أم مشکوکة ، وقاعدة الطهارة اقتضت علیٰ أنّ البول‏‎ ‎‏المعلوم نجس ، فلم یلزم من الحکومة المذکورة فی الشبهات الموضوعیة محذور عقلی .‏‎ ‎‏نعم یکون خلاف الفرض ، حیث إنّ النجاسة ـ مثلاً ـ کانت متعلّقة بذات البول ، لا‏‎ ‎‏الشیء بوصف کونه معلوماً .‏

‏نعم ، یلزم فی الشبهات الحکمیة محذور عقلی علیٰ بعض الوجوه ؛ من استلزام‏‎ ‎‏اعتبار العلم فی المتعلّق الدور ، ومحذور شرعی علیٰ بعض اُخر ؛ من قیام الإجماع علی‏‎ ‎‏اشتراک الکلّ فی التکلیف ، فتدبّر جیّداً .‏

وثالثاً :‏ لو سلّم استحالة الحکومة فإنّما هی إذا کان الأصل حاکماً علی أدلّة‏‎ ‎‏نجاسة الأشیاء وطهارتها ؛ لکون الشکّ متأخّراً عنهما . ولکنّه خارج عن محطّ البحث ؛‏‎ ‎‏لأنّ محطّ البحث ـ کما عرفت ـ هو تحکیم أدلّة الاُصول علی أدلّة الأجزاء والشرائط ،‏‎ ‎‏فأصالة الطهارة ـ مثلاً ـ حاکمة علیٰ شرطیة الطهارة من الخبث فی الصلاة المستفادة‏‎ ‎‏من قوله : ‏«صلّ فی الطاهر»‏ مثلاً . ولیس أحدهما فی طول الآخر ، بل هما فی عرض‏‎ ‎‏واحد ورتبة واحدة . ومعنی تحکیم قاعدة الطهارة ـ مثلاً ـ علیٰ شرطیة الطهارة فی‏‎ ‎‏الصلاة هو أنّه عند الشکّ فی طهارة الثوب لو صلّیٰ فیه یکون آتیاً بالوظیفة ؛ لعدم‏‎ ‎‏اعتبار الطهارة الواقعیة فیها وکفایة الطهارة الظاهریة فیها .‏

‏وبالجملة : لا یرید القائل بالإجزاء تحکیم أدلّة الاُصول بالنسبة إلی اعتبار‏‎ ‎‏أحکام النجاسات ، بل یریٰ أنّ البول ـ مثلاً ـ نجس ؛ علم به أو لم یعلم ، بل ولو علم‏‎ ‎‏بالخلاف . وإنّما یرید تحکیمها بالنسبة إلی أدلّة الأجزاء والشرائط ، وتوسعتها بأنّ‏‎ ‎‏الطهارة المعتبرة فی الصلاة أعمّ من الطهارة الواقعیة والظاهریة ، ولا یلزم من ذلک أیّ‏‎ ‎‏محذور أصلاً .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 343
‏فالإشکال نشأ من الخلط بین تحکیم الاُصول لأدلّة الأجزاء والشرائط وبین‏‎ ‎‏تحکیمها علی أحکام النجاسات الواقعیة ، فتدبّر جیّداً .‏

‏فخلاصـة حکـومة الاُصـول : أنّ ما هـو نجـس واقعاً ـ مثلاً ـ یجـوز ترتیب‏‎ ‎‏آثار الطـهارة علیـه فـی ظـرف الشکّ ، ومـن تلک الآثار إتیان الصـلاة المشروطـة‏‎ ‎‏بها بلسان تحقّق الطـهارة ، ولازمـه تحقّق مصـداق المأمـور بـه ، فتدبّر جیّداً .‏

ثمّ إنّ إشکاله الرابع‏ لم یکن إشکالاً مستقلاًّ ، بل هو من تتمّة إشکاله الثالث ،‏‎ ‎‏ویکون تقریراً آخر له ، وبما ذکرنا فی دفعه یظهر ضعفه أیضاً ؛ وذلک لأنّ حاصل‏‎ ‎‏إشکاله الرابع هو أنّه لو کانت الطهارة المجعولة بأصالة الطهارة واستصحابها موسّعة‏‎ ‎‏للطهارة الواقعیة یلزم الحکم بطهارة ملاقی مستصحب الطهارة ، وعدم القول بنجاسته‏‎ ‎‏بعد انکشاف الخلاف ، وعدم کون الملاقیٰ ـ بالفتح ـ نجساً ؛ لأنّه حین الملاقاة کان‏‎ ‎‏طاهراً بمقتضی التوسعة ، وبعد انکشاف الخلاف لم یحدث ملاقاة اُخریٰ توجب نجاسة‏‎ ‎‏الملاقی ، فینبغی القول بطهارته ، وهو کما تریٰ‏‎[9]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنت خبیر بأنّ ذلک إنّما یلزم لـو قلنا بحکومـة القاعـدة أو استصحابها‏‎ ‎‏ـ مثلاًـ علی أدلّة أحکام النجاسات الواقعیـة ، ولم یرده القائل بالإجـزاء ، وهـو‏‎ ‎‏خـلاف ضـرورة الفقه ، لا ینبغی للفقیه أن یتفوّه بها أو یحتملها .‏

‏فهـو یری البول ـ مثلاًـ نجـساً ولو فی ظـرف الشکّ ، وإنّما أراد حکومتها‏‎ ‎‏علـیٰ شرطیـة الطـهارة مـن الخبث فی الصلاة ـ مثلاً ـ وأنّ الصلاة فی مشکوک‏‎ ‎‏الطهارة صحیحة .‏

‏فإشکاله الرابع کإشکاله الثالث ناشٍ عن الغفلة والخلط بین المقامین .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 344

ذکر وتعقیب

‏ ‏

‏یظهر من المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ تمامیة إشکال رابع المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ، بل تصدّی‏‎ ‎‏لدفع جمیع الإشکالات الواردة علی اقتضاء الاُصول للإجزاء سویٰ هذا الإشکال ،‏‎ ‎‏وصرّح بأنّ الالتزام بالحکومة یوجب فقهاً جدیداً ؛ لأنّه یلزم :‏

‏1 ـ أن یکون ملاقی الماء النجس الواقعی الطاهر الظاهری طاهراً واقعاً ـ ولو‏‎ ‎‏بعد انکشاف نجاسة الماء واقعاً ـ للحکومة المزبورة .‏

‏2 ـ ویلزم طهارة المغسول بماء نجس واقعاً طاهـر ظاهـراً ، وإن انکشفت‏‎ ‎‏نجاسة الماء .‏

‏3 ـ وتلزم صحّة الغُسل أو الوضوء بماء نجس واقعاً طاهر ظاهراً ، وإن‏‎ ‎‏انکشفت نجاسة ذلک الماء .‏

‏إلی غیر ذلک من التوالی التی لم یلتزم بشیء منها فقیه‏‎[10]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ بعض ما ذکره غیر لازم علی القول بالإجزاء ، وبعض منه وإن یلزم‏‎ ‎‏علی القائل بالإجزاء ولکن لا یلزم فقه جدید ؛ وذلک لأنّ الفرعین الأوّلین ـ وهما‏‎ ‎‏طهارة ملاقی الماء وطهارة المغسول بالماء النجس ـ إنّما یلزم لو قلنا بحکومة قاعدة‏‎ ‎‏الطهارة علی أدلّة أحکام النجاسات الواقعیة ، ولکن عرفت غیر مرّة أنّ ذلک خارج‏‎ ‎‏عن محطّ البحث ، ولم یدعه القائل بالإجزاء ، بل محطّ البحث إنّما هو تحکیمها علیٰ أدلّة‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط ، فملاقی النجس والمغسول بالماء النجس نجس واقعاً ، حتّیٰ فی حال‏‎ ‎‏الشکّ ، ولکن لا تنافی النجاسة الواقعیة الطهارة الظاهریة فی ظرف الشکّ .‏

‏والالتزام بالفرع الأخیر ـ وهو صحّة الغسل والوضوء بالماء الکذائی ـ لا‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 345
‏محذور بالالتزام به ، وکیف یوجب الالتزام به فقهاً جدیداً مع ذهاب المشهور إلیٰ‏‎ ‎‏زمان الشهید ‏‏قدس سره‏‏ ـ علیٰ ما قیل‏‎[11]‎‏ ـ إلی الإجزاء فی الطرق والأمارات والاُصول ؟ !‏

‏فالمتوضّی أو المُغتسل بالماء الکذائی یجب علیه بعد کشف الخلاف تطهیر بدنه‏‎ ‎‏من النجاسة ، ولکن وضوؤه أو غسله یکون صحیحاً ، فتدبّر جیّداً .‏

فتحصّل لک ممّا ذکرنا إلی الآن :‏ أنّ الإشکال الثالث والرابع اللذین أوردهما‏‎ ‎‏المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ علی القول بالإجزاء ، ووافقه المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ فی الإشکال الأخیر‏‎ ‎‏غیر واردین علیه .‏

‏وأمّا إشکاله الثانی فحاصله : أنّ التوسعة والتحکیم إنّما یستقیمان لدلیل بالنسبة‏‎ ‎‏إلی دلیل آخر إذا کان لدلیل الحاکم موضوع ثابت حین حکومته ، ویکون ناظراً إلیه‏‎ ‎‏نفیاً وإثباتاً ، ودلیل الحکم الظاهری لا یتکفّل إلاّ لإثبات الموضوع الذی حکم علیه‏‎ ‎‏بالشرطیة ، ویستحیل أن یکون فی هذا الحال حاکماً علیٰ دلیل الشرط أو الجزء‏‎ ‎‏بإثبات أنّ مدلوله ـ وهو الحکم الظاهری ـ فرد من أفراد ذلک الشرط أو الجزء .‏‎ ‎‏فالدلیل المتکفّل لجعل الحکم الظاهری لا یمکن أن یکون حاکماً علی أدلّة الأجزاء‏‎ ‎‏والشرائط ومبیّناً أنّ الشرط هو الأعمّ من الطهارة الواقعیة والظاهریة .‏

‏وبعبارة اُخریٰ : لا یمکن أن یتکفّل دلیل واحد الجعل البسیط والجعل التألیفی ،‏‎ ‎‏ومفاد قاعدة الطهارة الجعل البسیط ـ وهو الحکم بطهارة المشکوک ـ فلا یمکن‏‎ ‎‏أن یثبت بذلک کون الطهارة شرطاً للصلاة التی هو الجعل التألیفی‏‎[12]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ تحکیم دلیل علیٰ آخر لا یحتاج إلیٰ جعلین بدلیل واحد حتّیٰ یتوجّه‏‎ ‎‏علیه الإشکال ، بل هو مقتضیٰ فهم العرف بعد ملاحظة الدلیلین ، وظاهر أنّ العقلاء‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 346
‏إذا سمعوا قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا صلاة إلاّ بطهور»‎[13]‎‏ وسمعوا قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء طاهر‎ ‎حتّی تعلم أنّه قذر»‎[14]‎‏ لفهموا أنّ الطهارة المعتبرة فی الصلاة أعمّ من الطهارة الواقعیة‏‎ ‎‏والظاهریة ، ولا نعنی بالتحکیم أزید من ذلک ؛ فلا نحتاج إلی دفع الإشکال إلی تجشّم‏‎ ‎‏الاستدلال کما ارتکبه بعض .‏

‏ ‏

نقل وتعقیب

‏ ‏

‏تصدّیٰ المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ لدفع الإشکال الثانی بأنّه إنّما یتمّ فیما لو کانت‏‎ ‎‏الحکومة بنحو القضیة الخارجیة ، حیث إنّ النظر فیها فی مقام الحکم إلی الاُمور المحقّقة‏‎ ‎‏الوجود فی الخارج ، فلا یمکن أن یتحقّق الحکم علیٰ شیء لا یتحقّق إلاّ بنفس الحکم .‏

‏وأمّا إن کانت الحکومة بنحو القضیة الحقیقیة ـ کما هو شأن الأحکام الشرعیة ـ‏‎ ‎‏فلا یتمّ الإشکال ؛ لأنّ الحکم فی القضیة الحقیقیة إنّما یتعلّق بالأفراد محقّقة الوجود ،‏‎ ‎‏ومقدّرة الوجود المقصودة بتوسّط العنوان ، أو الطبیعی الذی ینطبق علیها حیث‏‎ ‎‏یتحقّق ، وعلیه لا مانع من سرایة الحکم إلی الفرد الذی یتحقّق بنفس الحکم ؛ لأنّه‏‎ ‎‏من بعض الأفراد المقدّرة الوجود .‏

‏ثمّ أورد علیٰ نفسه إشکالاً : بأنّه لا یمکن إنشاء حکمین طولیین فی خطاب‏‎ ‎‏واحد ، کإنشاء الحکم الواقعی وإنشاء الحکم الظاهری بخطاب واحد ؛ لاستلزامه‏‎ ‎‏التقدّم والتأخّر فی اللحاظ من حیث الطولیة ، والتساوی فیه من حیث وحدة الإنشاء ،‏‎ ‎‏هذا خلف . فإذا امتنع ذلک امتنعت الحکومة المذکورة ؛ لأنّ الحکم الظاهری‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 347
‏ـ کالطهارة الظاهریة ـ بنفسها موضوع للحکم علیه بالشرطیة ، فإذا تکفّل بإنشائهما‏‎ ‎‏دلیل واحد ـ ولو بلسان الحکومة ـ استلزم المحذور .‏

‏فأجاب ‏‏قدس سره‏‏ عنه : بأنّ الممتنع إنشاء حکمین طولیین بإنشاء واحد حقیقة ، وأمّا‏‎ ‎‏إنشاؤهما بإنشاءین متعدّدین حقیقة متّحدین دلیلاً فلا مانع منه ولا محذور فیه .‏

‏وما نحن فیه من قبیل الثانی ؛ لأنّ الحکومة المزبورة عبارة عن دلیل واحد‏‎ ‎‏تکفّل بإنشاءین فی نفس الواقع ، فیرجع حاصله إلیٰ جمع الاُمور المتعدّدة فی اللفظ‏‎ ‎‏الواحد المتکفّل بالدلالة علیها ، وهذا ممّا لا إشکال فیه ؛ سیّما إذا اختلف وجه الدلالة‏‎ ‎‏بأن یکون أحدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام ، کما فیما نحن فیه ، انتهی‏‎[15]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ تفسیر قضیتی الحقیقیة والخارجیة بما ذکره غیر صحیح ؛ لأنّ القضیة‏‎ ‎‏الحقیقیة والخارجیة کلتیهما من القضایا البتّیة الکلّیة المسوّرة ، ویتعلّق الحکم فی‏‎ ‎‏الخارجیة بالعنوان لا الأفراد ، کما یتعلّق الحکم فی الحقیقة علی العنوان . والفرق بینهما‏‎ ‎‏هو أنّ العنوان المأخوذ فی الحقیقیة اُخذ بنحو ینطبق علیٰ ما یکون موجوداً بالفعل وما‏‎ ‎‏سیوجد بعد ، بخلاف العنوان المأخوذ فی الخارجیة فإنّها بلحاظ اعتبار قیود فیها لا‏‎ ‎‏ینطبق إلاّ علی الموجودین فی الخارج ؛ ولهذا یقال : إنّ القضیة الخارجیة حکم علی‏‎ ‎‏الموجود الخارجی .‏

‏ولعلّ هذه الجملة صارت منشأ للقول بأنّ القضیة الخارجیة حکم علی‏‎ ‎‏الأفراد ، وهو کما تریٰ .‏

‏وبالجملة : أنّ کلاًّ من الخارجیة والحقیقیة تشترکان فی تعلّق الحکم علی‏‎ ‎‏العنوان لا الأفراد ، والفرق بینهما إنّما هو من جهة أنّه اُخذ العنوان فی القضیة الخارجیة‏‎ ‎‏بنحو لا ینطبق إلاّ علی الموجودین فی الخارج ، بخلاف القضیة الحقیقیة فإنّها اُخذ علیٰ‏‎ ‎‏نحو ینطبق علی الأعمّ من الموجودین فعلاً وما سیوجدون .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 348
فظهر :‏ أنّ القول بأنّ الحکم فی القضیة الحقیقیة علی الأفراد المحقّقة والمقدّرة‏‎ ‎‏ـ کما قد یوجد فی بعض العبائر ، بل فی کلمات بعض أرباب الفنّ ـ غیر وجیه ؛ لأنّ‏‎ ‎‏القضیة الحقیقیة من القضایا البتّیة ، وقد تعلّق الحکم فیها علی العنوان ، ولفظة «کل»‏‎ ‎‏سور القضیة ، ولا تفید إلاّ تکثیر الطبیعة . وأمّا علیٰ ما ذکره فلم تکن من القضایا‏‎ ‎‏البتّیة ، بل تکون بعضها تنجیزی وبعضها تقدیری .‏

‏هذا إجمال الکلام فی القضیة الحقیقیة والخارجیة ، وسیجیء منّا بعض الکلام‏‎ ‎‏فیهما فی مستقبل الأمر إن شاء الله ، وتفصیل الکلام فیهما یطلب من محلّه . فلو تمّ‏‎ ‎‏کلامه ‏‏قدس سره‏‏ فی القضیة الحقیقیة نقول به فی القضیة الخارجیة .‏

‏ولکن الذی یقتضیه التدبّر والتحقیق عدم تمامیة کلامه فی الحقیقیة ، ولعلّ هذا‏‎ ‎‏الکلام منه نشأ من مقایسة ما نحن فیه بمسألة «کلّ خبری صادق» ، فکما أنّه حکم‏‎ ‎‏فیها علیٰ نحو الحقیقیة بأنّ کلّ ما یخبره یکون صادقاً فعند قوله ذلک یوجد مصداق‏‎ ‎‏وفرد بالحمل الشایع لعنوان خبره ، وینطبق العنوان علیه انطباقاً تکوینیاً .‏

‏وأمّا ما نحن فیه فلا یوجد مصداق للشرطیة بنفس جعل الطهارة الظاهریة ؛‏‎ ‎‏لوضوح أنّ غایة ما یقتضیه قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء طاهر حتّیٰ تعلم أنّه نجس»‏ هو‏‎ ‎‏جعل الطهارة علی المشکوک فیه ، وأمّا إثبات الشرطیة لها مضافاً إلی جعل أصل‏‎ ‎‏الطهارة فلا ، ولا یمکن تتمیم ذلک بالقضیة الحقیقیة ، کما لا یخفیٰ .‏

‏والـذی یسهّل الخطب ـ کما أشرنا إلیـه آنفاً ـ هـو أنّ تحکیم دلیل علـیٰ آخـر‏‎ ‎‏لایحتاج إلـی جعلین حتّیٰ یلزم منه المحـذور ، بل مقتضی الفهم العرفـی من جمـع‏‎ ‎‏دلیلین تحکیم أحـدهما علی الآخـر توسعـة أو تضییقاً ، ویستکشف فیما نحـن فیه‏‎ ‎‏بعـد ملاحظـة قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا صلاة إلاّ بطهور»‏ وقولـه ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء طاهر حتّی‎ ‎تعلم أنّه قـذر» ‏أنّ الطهارة المعتبرة فـی الصلاة أعمّ مـن الطهارة الواقعیـة والطهارة‏‎ ‎‏الظاهریة .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 349
‏إذا أحطت خبراً بما ذکرنا عرفت : أنّه لا معنی لإنشاء الحکومة بین الدلیلین ،‏‎ ‎‏بل الإنشاء یتعلّق بما یکون حاکماً بالحمل الشایع ، مثلاً جعل الشارع حکماً لمن شکّ‏‎ ‎‏بین الأقلّ والأکثر ، ثمّ جعل حکماً آخر بقوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا شکّ لکثیر الشکّ»‏ ، والعرف‏‎ ‎‏والعقلاء یحکمون قوله ‏‏علیه السلام‏‏ هذا علیٰ أدلّة الشکوک .‏

‏وبما ذکرنا تعرف النظر فیما أجابه عن الإشکال ، ولا نحتاج إلی الإعادة .‏

‏نعم ما ذکره أخیراً ـ من أنّه یمکن جمع الاُمور المتعذّرة فی اللفظ الواحد إذا‏‎ ‎‏اختلف وجه الدلالة ؛ بأن یکون أحدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام ـ یرجع إلیٰ‏‎ ‎‏ما ذکرنا فی دفع الإشکال ولا غبار علیه ، فتدبّر جیّداً .‏

‏ ‏

ذکر وإرشاد

‏ ‏

‏ثمّ إنّ المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ قال : إنّ المجعول فی الاُصول لو کان حکماً شرعیاً‏‎ ‎‏لاستلزم ذلک حکومة دلیله علیٰ دلیل الشروط الأوّلیة ، ولا یتوجّه علیه شیء من‏‎ ‎‏الإشکالات إلاّ أحدها ؛ وهو محذور لزوم الفقه الجدید . ولکن کون المجعول فیها حکماً‏‎ ‎‏شرعیاً موقع للنظر بل المنع .‏

‏وذلک لأنّ المجعول فی الاُصول المحرزة هو الأمر بترتّب آثار الیقین علی الشکّ‏‎ ‎‏ـ کالاستصحاب مثلاً ـ ومن لوازم الجعل المزبور جواز الأخذ بها والجری علیٰ طبقها‏‎ ‎‏فی مورد الشکّ بالواقع وعدم الإجزاء بعد انکشاف الخلاف .‏

‏وأمّا المجعول فی الاُصول غیر المحرزة ـ کقاعدتی الطهارة والحلّ ـ هو الأمر‏‎ ‎‏بترتّب آثار الواقع فی ظرف الشکّ ؛ لأنّ لسان قاعدة الطهارة ـ مثلاًـ وإن کان یوهم‏‎ ‎‏أنّ المجعول فیها هی الطهارة فی ظرف الشکّ بها إلاّ أنّ التأمّل فی أطرافها ـ خصوصاً‏‎ ‎‏بملاحظة مناسبة الحکم والموضوع ـ ینفی ذلک التوهّم ، ویوجب للملتفت استظهار أنّ‏‎ ‎‏المراد تعبّد المکلّف بترتیب آثار الطهارة فی ظرف الشکّ بها ، کجواز الدخول فی‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 350
‏الصلاة ونحوها من الأعمال المشروطة بالطهارة ، ولازم ذلک هو عدم الإجزاء بعد‏‎ ‎‏انکشاف الخلاف‏‎[16]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه أوّلاً :‏ أنّه ـ کما ذکرنا ـ تحکیم دلیل علی آخر أمر عرفی ، فلابدّ وأن‏‎ ‎‏یعرض فهمه علیهم ؛ فإن کان مفاد أصل المحرز ترتیب آثار الواقع علی المشکوک فیه ،‏‎ ‎‏وفی غیر المحرز بلسان جعل الموضوع بأنّه طاهر وحلال ، فالقاعدة تقتضی الإجزاء‏‎ ‎‏وإن انکشف الخلاف .‏

‏وذلک لأنّه إذا قال الشارع : إنّ الفقّاع ـ مثلاً ـ خمر فبعد وضوح أنّه لم یرد‏‎ ‎‏الإخبار التکوینی بأنّه خمر فیفهم العرف من إطلاق الهوهویة وعموم التنزیل أنّ جمیع‏‎ ‎‏الأحکام والآثار الواقعیة التی للخمر ثابتة للفقّاع .‏

‏نعم ، إن کانت هناک قرائن خارجیة علی أنّ التنزیل بلحاظ ترتّب بعض‏‎ ‎‏الآثار ، أو ثبتت من الخارج قرینة علی أنّ ذاک البعض من أظهر خواصّها فیؤخذ به .‏

‏وبالجملة : العرف أصدق شاهد ـ وهو ببابک ـ علی أنّ مقتضیٰ تنزیل شیء‏‎ ‎‏منزلة شیء آخر والحمل الهوهوی ادّعاءً إذا لم تکن هناک قرینة علی أنّه بلحاظ بعض‏‎ ‎‏الآثار ، أو أنّ ذاک البعض من أظهر خواصّه هو عموم التنزیل وترتیب جمیع الآثار‏‎ ‎‏المترتّبة علی المنزّل علیه علی المنزّل . ففیما نحن فیه حیث أثبتت الطهارة علی المشکوک‏‎ ‎‏فیه ، وعلمنا أنّه لا یرید جعل الطهارة علی المشکوک فیه واقعاً فیستفاد منه ترتیب‏‎ ‎‏آثار الطهارة الواقعیة علیه ؛ ومنها أنّه لو صلّی مع الطهارة الواقعیة لا یحتاج إلی‏‎ ‎‏الإعادة أو القضاء ، فکذلک لابدّ وأن یجزیه من صلّی بالطهارة المشکوکة فانکشف‏‎ ‎‏الخلاف ، فتدبّر .‏

وثانیاً :‏ لوتنزّلنا عن ذلک وقلنا :إنّ تنزیل شیء منزلة آخر لا یقتضی ترتّب‏‎ ‎‏جمیع آثاره علیه ، بل غایة ما تقتضیه هو ترتّب أظهر خواصّه علیه ، فنقول : إنّ الإجزاء‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 351
‏وعدم الإعادة فی الوقت أو القضاء خارجه ، من آثاره البارزة ، وأمّا جواز الدخول فی‏‎ ‎‏الصلاة فلم یکن من الآثارالشرعیة ، فضلاًعن کونه من أظهرالآثار ، بل هوحکم العقل .‏

وثالثاً :‏ ولو سلّم أنّ مقتضی لسان قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«کلّ شیء طاهر . . .»‏ مثلاً ترتّب‏‎ ‎‏الطهارة فی ظرف الشکّ فلازمه ترتّب آثاره الشرعیة علیه ، ومن آثاره البارزة‏‎ ‎‏الشرعیة ـ لو لم تکن أظهرها ـ الإجزاء وعدم الإعادة أو القضاء ، لا جواز الدخول فی‏‎ ‎‏الصلاة ؛ لما عرفت أنّه لم یکن أثراً شرعیاً ، بل حکماً عقلیاً .‏

‏إن قلت : فعلیٰ هذا یلزم أن یکون مقتضی اعتبار الأمارة الإجزاء أیضاً ؛ لأنّ‏‎ ‎‏مقتضیٰ دلیل اعتبارها ترتیب آثار الواقع علیٰ خبر الثقة مثلاً .‏

‏قلت : إنّه لو کان مفاد دلیل اعتبار الأمارة ذلک یکون الحقّ وإیّاکم ونقول‏‎ ‎‏بالإجزاء بلا إشکال ، إلاّ أنّک قد عرفت ـ لعلّه بما لا مزید ـ أنّ ترتیب الآثار خلاف‏‎ ‎‏مقتضیٰ دلیل اعتبارها ، کما أنّ تنزیل المؤدّیٰ منزلة الواقع أیضاً خلاف مقتضاه ، بل‏‎ ‎‏غایة ما یقتضیه اعتبارها کشفها وإراءتها للواقع ، فیکون وزانها وزان القطع ، فتدبّر .‏

‏ ‏

ذکر وهدایة

‏ ‏

ثمّ إنّ المحقّق العراقی ‏قدس سره‏‏ ذکر فی أصالة الحلّ تنبیهاً ؛ وهو أنّ التمسّک بقاعدة‏‎ ‎‏الحلّ لإحراز الشرط فی مثل الصلاة یتوقّف علیٰ مقدّمة ؛ وهی أنّ الظاهر من اشتراط‏‎ ‎‏وقوع الصلاة فی وبر ما یؤکل لحمه هو کون الحیوان حلال الأکل فی الشریعة بعنوانه‏‎ ‎‏الأوّلی الذاتی ، لا مطلق ما کان حلالاً أکله ولو بعنوان ثانوی أوجب طروّ الحلّیة علیه‏‎ ‎‏بعدما کان أکله حراماً بعنوانه الأوّلی الذاتی ، کالمیتة حال الاضطرار إلی أکلها .‏

‏وعلیه : لو کان المجعول فی قاعدة الحلّ هو الأمر بترتّب آثار الحلّیة الأوّلیة‏‎ ‎‏لکان أثر ذلک جواز الدخول فی الصلاة بشیء من أجزاء حیوان محکوم بحلّیة أکله‏‎ ‎‏بقاعدة الحلّ ، وعدم الإجزاء لو انکشف الخلاف .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 352
‏ولو کان المجعول فیها الحلّیة الواقعیة ـ بمعنی أنّ الشارع حکم بالحلّیة علیٰ کلّ‏‎ ‎‏حیوان شکّ فی حلّیة أکله فی حال الشکّ ـ لکان اللازم حینئذٍ عدم جواز الدخول فی‏‎ ‎‏الصلاة بشیء من أجزاء الحیوان المحکوم بحلّیة أکله بقاعدة الحلّ ؛ لأنّ الشرط فی‏‎ ‎‏جواز الدخول فی الصلاة بشیء من أجزاء الحیوان هی حلّیة أکله بعنوانه الأوّلی‏‎ ‎‏الذاتی ، لا مطلق الحلّیة .‏

‏نعم ، إن قلنا بحکومة قاعدة الحلّ علیٰ دلیل ذلک الشرط فلا محالة توجب‏‎ ‎‏توسعة من حیث الحلّیة الواقعیة ، فلا مانع من الدخول فی الصلاة بشیء من تلک‏‎ ‎‏الأجزاء ، إلاّ أنّ القول بذلک یستلزم توالی فاسدة لا یمکن الالتزام بها ،‏‎ ‎‏انتهی محصّلاً‏‎[17]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ ما أفاده ‏‏قدس سره‏‏ أوّلاً ـ من أنّ الظاهر من اشتراط وقوع الصلاة فی وبر ما‏‎ ‎‏یؤکل لحمه کون الحیوان حلال الأکل فی الشریعة بعنوانه الأوّلی الذاتی ـ لا غبار‏‎ ‎‏علیه ، إلاّ أنّ قوله ‏‏قدس سره‏‏ : إنّه قد تطرء الحلّیة علی شیء بعدما کان حراماً بعنوانه‏‎ ‎‏الاضطراری ـ کالمیتة حال الاضطرار ـ لا یخلو عن نظر ؛ لأنّها عند الاضطرار‏‎ ‎‏لایکون حراماً ، لا أنّها محکومة بالحلّیة ، بل مقتضی الآیات والروایات ـ کقوله‏‎ ‎‏تعالی : ‏‏«‏فَلاَ إثْمَ عَلَیْهِ‏»‏‏ أو ‏‏«‏إنَّ الله َ غَفُورٌ رَحِیمٌ‏»‏‎[18]‎‏ إلی غیر ذلک من الآیات‏‎ ‎‏والروایات ـ أنّ ارتکاب ما اضطرّ إلیه لا یکون إثماً وحراماً ، فلم تثبت الحلّیة علی‏‎ ‎‏المیتة حال الاضطرار حتّیٰ یقال : إنّ مقتضیٰ قاعدة الحلّ ترتّب آثار الحلّیة الثابتة‏‎ ‎‏للشیء بعنوانه الأوّلی أو بعنوانه الثانوی ، هذا ‏أوّلاً‏ .‏

وثانیاً :‏ أنّه لو کان المجعول فی قاعدة الحلّ هو الأمر بترتّب آثار الحلّیة الأوّلیة‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 353
‏فلابدّ وأن یکون بلحاظ ترتّب الآثار الشرعیة ، وواضح أنّ جواز الدخول فی الصلاة‏‎ ‎‏لم یکن أثراً شرعیاً ، بل إنّما هو حکم العقل ، فلا أقلّ من ترتّب آثار الجزئیة أو‏‎ ‎‏الشرطیة ، ولازمه الإجزاء عند کشف الخلاف ، کما لا یخفیٰ .‏

وثالثاً :‏ أنّ قوله ‏‏قدس سره‏‏ لو کان المجعول فیها الحلّیة الواقعیة . . . إلیٰ آخره ، فإن‏‎ ‎‏لم یرجع إلی النسخ ؛ بأن کان موضوعه الشیء المشکوک فیه لا ذات الشیء حتّیٰ ینافی‏‎ ‎‏الحرمة الثابتة له لذاته أوّلاً فلا مانع منه ، ولکن مقتضاه ترتّب جمیع آثار الحلّیة الثابتة‏‎ ‎‏للشیء بعنوانه الأوّلی ، فیکون مقتضاه الإجزاء .‏

ورابعاً :‏ أنّ مراده بما ذکره أخیراً ـ من لزوم التوالی الفاسدة ـ هو الفقه الجدید ،‏‎ ‎‏وقد عرفت آنفاً أنّه لا یلزم منه ذلک ، وقد سبق‏‎[19]‎‏ أنّه قیل : إنّ المشهور إلیٰ زمن‏‎ ‎‏الشهید قائلون بالإجزاء فی العمل بالطرق والأمارات والاُصول ، نعم لعلّه یلزم ذلک‏‎ ‎‏فی المعاملات ، فتدبّر .‏

‏فتحصّل ممّا ذکرنا فی هذا المورد : أنّ مقتضی لسان دلیل أصالتی الطهارة‏‎ ‎‏والحلّیة تحکیمهما علی أدلّة الأجزاء والشرائط ، ومقتضاه الإجزاء عند کشف الخلاف‏‎ ‎‏فی الوقت أو فی خارجه .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 354

  • )) قلت : کذا یعبّر فی الألسنة ، والأولی أن یقال تبعاً للنصّ : «کلّ شیء نظیف حتّی تعلم أنّه قذر»(أ) ، والوارد فی النصّ : «الماء کلّه طاهر حتّی تعلم أنّه قذر»(ب) ، أو «کلّ ماء طاهر إلاّ ما علمت أنّه قذر»(ج) .وإن شئت قلت : هنا قاعدتان : قاعدة الطهارة وموضوعها الماء ، وقاعدة النظافة وموضوعها الشیء ، فتدبّر . [المقرّر حفظه الله ] .
  • )) الکافی 5 : 313 / 40 ، وسائل الشیعة 12 : 86 ، کتاب التجارة ، أبواب ما یکتسب به ، الباب4 ، الحدیث4 .ــــــــــــــــــــــــــأ ـ تهذیب الأحکام 1 : 284 / 832 ، وسائل الشیعة 2 : 1054 ، کتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب37 ، الحدیث4 .ب ـ تهذیب الأحکام 1 : 216 / 621 ، وسائل الشیعة 1 : 100 ، کتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب1 ، الحدیث5 .ج ـ الفقیه 1 : 6 / 1 ، وسائل الشیعة 1 : 99 ، کتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب1 ، الحدیث2 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 392 .
  • )) الفقیه 1 : 35 / 129 ، تهذیب الأحکام 1 : 49 / 144 ، وسائل الشیعة 1 : 256 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب1 ، الحدیث 1 و 6 .
  • )) نهایة الاُصول : 144 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 5 : 329 ، کتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ، الباب16 .
  • )) تقدّم تخریجه فی الصفحة 330 .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 250 .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 251 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 301 .
  • )) اُنظر نهایة الاُصول : 141 ، وفیه «إلی زمن الشیخ قدس سره» .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 249 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 340 .
  • )) المقنع : 15 ، مستدرک الوسائل 2 : 583 ، کتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب30 ، الحدیث4 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 301 ـ 302 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 303 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 304 .
  • )) البقرة (2) : 173 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 346 .