المقصد الأوّل فی الأوامر

إیضاح مقال وتضعیف مبانٍ

إیضاح مقال وتضعیف مبانٍ

‏ ‏

‏ولتوضیح المقال نعود ونرجع ونقول : إنّ الکلام فی الإجزاء فی الأمارات تارة‏‎ ‎‏علیٰ مذهب المختار فی اعتبار الأمارات ، واُخریٰ علیٰ مذهب ما یقال فی ذلک :‏

‏أمّا علـیٰ مـذهب المختار فیها : فهـو أنّ الـذی حصل لنا بالتحقیق فیها هـو أنّ‏‎ ‎‏الشارع الأقـدس لم یجعل أمارة تأسیسیـة ، بل أمضی الأمارات الدارجـة عند‏‎ ‎‏العقلاء ؛ إمّا بالسکوت وعـدم الردع عمّا هم علیه واستکشفنا رضاه مـن سکوته ، أو‏‎ ‎‏أمرهـم وقرّرهم علیٰ ما هم علیه ، وعلـی أیٍّ منهما لابدّ مـن ملاحظة العقلاء فـی‏‎ ‎‏العمل بالأمارة .‏

‏وواضح : أنّه إذا لاحظنا حالهم نراهم یعملون بخبر الثقة ـ مثلاً ـ نظیر عملهم‏‎ ‎‏بالقطع فی أنّها طریق محض إلی الواقع ، من دون أن توجب تغییراً وتصرّفاً فیه ،‏‎ ‎‏ولیس عملهم بخبر الثقة لأجل قیام خبر الثقة مقام القطع ، أو تتمیم کشفه عن الواقع ،‏‎ ‎‏أو قیام المؤدّیٰ مقام الواقع ، أو تنزیل ذلک منزلة الواقع ، إلیٰ غیر ذلک ممّا ذکروه فی‏‎ ‎‏هذا المضمار ، بل لأجل وثوقهم بمطابقة مؤدّاه للواقع أو لکشفه عنه نوعاً من دون‏‎ ‎‏تصرّف فیه ، نظیر ما إذا شاهدت شیئاً وتخیّلت أنّه زید ـ مثلاً ـ فانکشف أنّه عمرو ،‏‎ ‎‏فکما لا توجب المشاهدة تصرّفاً فی الواقع فکذلک عند قیام الأمارة ، فلا یکتفون بما‏‎ ‎‏إذا عملوا بها عند کشف الخلاف ، ولیس هذا إلاّ عدم الإجزاء .‏

‏ولو فرض أنّ للشارع أمارة تأسیسیة فمعناه لیس إلاّ وجوب العمل علیٰ طبقها‏‎ ‎‏بلحاظ کشفها عن الواقع ، نظیر الأمارات الدارجة عند العقلاء . ولا یستفاد من‏‎ ‎‏قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«ما أدّیٰ إلیک عنّی فعنّی یؤدّی»‏ وقوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لا عذر فی التشکیک فیما‎ ‎یرویه عنّا ثقاتنا»‏ لو فرض أنّهما بصدد تأسیس أمارة شرعیة ، إلاّ أنّ العمل بخبر الثقة‏‎ ‎‏لأجل کاشفیته عن الواقع .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 327
‏ولا ینقدح فی الذهن منهما غیر ما ینقدح من قولک : «اعمل بقطعک» ، فکما‏‎ ‎‏لایستفاد من ذلک تصرّف فی الواقع وتنزیل مؤدّی القطع منزلة الواقع ، فکذلک‏‎ ‎‏لایستفاد منهما . وواضح أنّ ما هذا شأنه یقتضی عدم الإجزاء عند کشف الخلاف .‏

فحاصل الکلام :‏ أنّه لا فرق فی الأمارة الإمضائیة أو التأسیسیة فی أنّ مقتضاها‏‎ ‎‏عدم الإجزاء عند کشف الخلاف ، فکما أنّ العرف والعقلاء لا یرون أنّ الأمارة‏‎ ‎‏تتصرّف فی الواقع وتوجب انقلاب الواقع علیٰ طبقها ـ ألا تریٰ أنّ من کتب لصدیقٍ‏‎ ‎‏مقالاً له ظهور فی معنی ، یعمل الصدیق بظاهر کلامه بلا إشکالٍ ، ولکن لایریٰ أنّ‏‎ ‎‏ظاهره یوجب تصرّفاً فی الواقع وینقلب الواقع علیٰ طبقه ـ فکذلک الکلام فیما أسّسه‏‎ ‎‏الشارع وأوجب العمل علیٰ طبقه إنّما هو لأجل کاشفیته عن الواقع ؛ لوضوح أنّ‏‎ ‎‏الشارع اعتبر أمارة بحیثیة معلومة عندهم ، ولا ینقدح فی ذهن أحد من ذلک أنّ‏‎ ‎‏الشارع یرید التصرّف فی الواقع ، بل غایة ما یستفاد من ذلک هی ازدیاد أمارة علی‏‎ ‎‏الأمارات الدارجة بینهم بعدما لم تکن موجودة عندهم .‏

فظهر :‏ أنّ معنی تأسیس الشارع أمارة هو ازدیاد مصداق علی المصادیق‏‎ ‎‏الدارجة عندهم .‏

فإذن :‏ الأمارات ـ تأسیسیة کانت أو إمضائیة ـ تکون نظیر القطع من جهة‏‎ ‎‏أنّها منجِّز للواقع عند المصادفة ومعذِّر عند المخالفة ، فإذا انکشف الخلاف انتهی أمد‏‎ ‎‏العذر ، فیجب إتیان الواقع بالإعادة فی الوقت لو انکشف الخلاف فی الوقت ، والقضاء‏‎ ‎‏خارج الوقت لو انکشف الخلاف بعد انقضاء الوقت .‏

‏هذا کلّه علیٰ مذهب المختار فی اعتبار الأمارات . ولعلّه إذا أحطت خبراً بما‏‎ ‎‏ذکرنا تقدر علیٰ دفع ما ربّما یقال فی المقام للإجزاء ، ولا یلزم تجشّم ذکره ودفعه .‏‎ ‎‏ولکن استیفاء البحث فی ذلک یقتضی الإشارة إلیٰ غایة ما قیل أو یمکن أن یقال‏‎ ‎‏للإجزاء فی العمل بالطرق والأمارات .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 328