إیضاح مقال وتضعیف مبانٍ
ولتوضیح المقال نعود ونرجع ونقول : إنّ الکلام فی الإجزاء فی الأمارات تارة علیٰ مذهب المختار فی اعتبار الأمارات ، واُخریٰ علیٰ مذهب ما یقال فی ذلک :
أمّا علـیٰ مـذهب المختار فیها : فهـو أنّ الـذی حصل لنا بالتحقیق فیها هـو أنّ الشارع الأقـدس لم یجعل أمارة تأسیسیـة ، بل أمضی الأمارات الدارجـة عند العقلاء ؛ إمّا بالسکوت وعـدم الردع عمّا هم علیه واستکشفنا رضاه مـن سکوته ، أو أمرهـم وقرّرهم علیٰ ما هم علیه ، وعلـی أیٍّ منهما لابدّ مـن ملاحظة العقلاء فـی العمل بالأمارة .
وواضح : أنّه إذا لاحظنا حالهم نراهم یعملون بخبر الثقة ـ مثلاً ـ نظیر عملهم بالقطع فی أنّها طریق محض إلی الواقع ، من دون أن توجب تغییراً وتصرّفاً فیه ، ولیس عملهم بخبر الثقة لأجل قیام خبر الثقة مقام القطع ، أو تتمیم کشفه عن الواقع ، أو قیام المؤدّیٰ مقام الواقع ، أو تنزیل ذلک منزلة الواقع ، إلیٰ غیر ذلک ممّا ذکروه فی هذا المضمار ، بل لأجل وثوقهم بمطابقة مؤدّاه للواقع أو لکشفه عنه نوعاً من دون تصرّف فیه ، نظیر ما إذا شاهدت شیئاً وتخیّلت أنّه زید ـ مثلاً ـ فانکشف أنّه عمرو ، فکما لا توجب المشاهدة تصرّفاً فی الواقع فکذلک عند قیام الأمارة ، فلا یکتفون بما إذا عملوا بها عند کشف الخلاف ، ولیس هذا إلاّ عدم الإجزاء .
ولو فرض أنّ للشارع أمارة تأسیسیة فمعناه لیس إلاّ وجوب العمل علیٰ طبقها بلحاظ کشفها عن الواقع ، نظیر الأمارات الدارجة عند العقلاء . ولا یستفاد من قوله علیه السلام : «ما أدّیٰ إلیک عنّی فعنّی یؤدّی» وقوله علیه السلام : «لا عذر فی التشکیک فیما یرویه عنّا ثقاتنا» لو فرض أنّهما بصدد تأسیس أمارة شرعیة ، إلاّ أنّ العمل بخبر الثقة لأجل کاشفیته عن الواقع .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 327
ولا ینقدح فی الذهن منهما غیر ما ینقدح من قولک : «اعمل بقطعک» ، فکما لایستفاد من ذلک تصرّف فی الواقع وتنزیل مؤدّی القطع منزلة الواقع ، فکذلک لایستفاد منهما . وواضح أنّ ما هذا شأنه یقتضی عدم الإجزاء عند کشف الخلاف .
فحاصل الکلام : أنّه لا فرق فی الأمارة الإمضائیة أو التأسیسیة فی أنّ مقتضاها عدم الإجزاء عند کشف الخلاف ، فکما أنّ العرف والعقلاء لا یرون أنّ الأمارة تتصرّف فی الواقع وتوجب انقلاب الواقع علیٰ طبقها ـ ألا تریٰ أنّ من کتب لصدیقٍ مقالاً له ظهور فی معنی ، یعمل الصدیق بظاهر کلامه بلا إشکالٍ ، ولکن لایریٰ أنّ ظاهره یوجب تصرّفاً فی الواقع وینقلب الواقع علیٰ طبقه ـ فکذلک الکلام فیما أسّسه الشارع وأوجب العمل علیٰ طبقه إنّما هو لأجل کاشفیته عن الواقع ؛ لوضوح أنّ الشارع اعتبر أمارة بحیثیة معلومة عندهم ، ولا ینقدح فی ذهن أحد من ذلک أنّ الشارع یرید التصرّف فی الواقع ، بل غایة ما یستفاد من ذلک هی ازدیاد أمارة علی الأمارات الدارجة بینهم بعدما لم تکن موجودة عندهم .
فظهر : أنّ معنی تأسیس الشارع أمارة هو ازدیاد مصداق علی المصادیق الدارجة عندهم .
فإذن : الأمارات ـ تأسیسیة کانت أو إمضائیة ـ تکون نظیر القطع من جهة أنّها منجِّز للواقع عند المصادفة ومعذِّر عند المخالفة ، فإذا انکشف الخلاف انتهی أمد العذر ، فیجب إتیان الواقع بالإعادة فی الوقت لو انکشف الخلاف فی الوقت ، والقضاء خارج الوقت لو انکشف الخلاف بعد انقضاء الوقت .
هذا کلّه علیٰ مذهب المختار فی اعتبار الأمارات . ولعلّه إذا أحطت خبراً بما ذکرنا تقدر علیٰ دفع ما ربّما یقال فی المقام للإجزاء ، ولا یلزم تجشّم ذکره ودفعه . ولکن استیفاء البحث فی ذلک یقتضی الإشارة إلیٰ غایة ما قیل أو یمکن أن یقال للإجزاء فی العمل بالطرق والأمارات .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 328