الخاتمة فی حکم صورة الشکّ
ولا یخفیٰ : أنّ محطّ البحث فی مسألة الإجزاء حیث إنّه فی أنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری مجزٍ عن المأمور به بالأمر الواقعی ، فلابدّ من حفظ عنوان المأمور به فی البحث ، والبحث فی حکم صورة الشکّ حیث إنّه فی الشکّ فی کونه مأموراً به خارج عن موضوع البحث ، لکن یکون داخلاً فی ملحقات البحث ، فینبغی البحث فیه لبعض الفوائد المترتّبة علیه ، فنقول :
قـد عرفت مقتضی الحال علی المختار فی مسألة الاضطـرار من وحـدة الأمـر وعلیٰ مختار المشهـور مـن تعدّد الأمـر فی صـورة إطلاق الأدلّة ، وأمّا مـع إهمال الأدلّة فـی المبدل والبدل إذا وقـع الشکّ فی إجزاء المأتی به حال الاضطـرار عـن المأمـور به بالأمـر الواقعی .
فعلی المختار ـ من وحدة الأمر وکون المأمور به طبیعة واحدة فی حالتی الاختیار والاضطرار ـ أو قلنا بتعدّد الأمر ولکن لم یکونا مطلوبین مستقلّین ، فالقاعدة تقتضی الاشتغال ؛ لأنّ التکلیف المتعلّق بنفس الطبیعة معلوم ، وحیث لم یکن إطلاق فی البین فی أنّ الإتیان بالفرد الاضطراری مسقط للأمر المتعلّق بالطبیعة أم لا ، فالقاعدة الاشتغال .
وبعبارة اُخریٰ : یشکّ فیما أتیٰ به أنّه مصداق للطبیعة التی تکون مأموراً بها أم لا ؟ مثلاً الأمر فی قوله تعالی : «أقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلیٰ غَسَقِ اللَّیلِ»
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 316
تعلّق بنفس طبیعة الصلاة بین الحدّین ، ودلیل اشتراط الطهارة دلّ علی أنّه إذا کنتَ واجداً للماء فیجب الطهارة المائیة ، وإلاّ فالطهارة الترابیة ، وفرض أنّه لم یکن لدلیل الشرط فی حالتی وجدان الماء وفقدانه إطلاق . فلو اضطرّ وأتیٰ بالفرد الاضطراری ، ثمّ ارتفع الاضطرار فشکّ فی إسقاط التکلیف المعلوم فالقاعدة تقتضی بقاء الخطاب المحدود بین الحدّین .
وأمّا علیٰ تعدّد الأمر بحیث تعلّق أحدهما بالصلاة مع الطهارة المائیة والآخر بالصلاة مع الطهارة الترابیة فلا یخلو إمّا أن نقول فی مورد العذر ـ سواء کان عقلیاً محضاً کعدم القدرة علی الامتثال ، أو عقلیاً غیر محض ؛ بأن تصرّف الشارع فیه ، کعدم وجدان الماء المأخوذ فی قوله تعالی : «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً» فإنّ المراد به عدم الوجدان العرفی لا العقلی ـ بسقوط التکلیف عند العذر ویُحییٰ عند القدرة ، أو نقول ببقاء التکلیف وفعلیته ، إلاّ أنّ المکلّف معذور عند ذلک .
والحقّ عندنا ـ کما سنذکره فی مبحث الترتّب مفصّلاً ـ الأخیر ؛ لأنّ الأحکام القانونیة تتعلّق بالطبائع ، فإذا وقعت فی معرض الإجراء تکون فعلیة من دون لحاظ حالات آحاد المکلّفین ، ولا یکون الحکم فعلیاً بلحاظ حالة شخص وإنشائیاً بلحاظ حالة شخص آخر .
فالأحکام التی بلّغها النبی الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة المعصومین علیهم السلام ، وصارت فی معرض عمل الاُمّة الإسلامیة کلّها أحکام فعلیة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 317
نعم فی بعض الموارد یکون بعض آحاد المکلّفین معذورین فی مخالفتها .
فإن قلنا بالأوّل فالقاعدة لو خلّیت ونفسها تقتضی البراءة ؛ وذلک لأنّ الأمر المتعلّق بالصلاة مع الطهارة المائیة سقط بالتعذّر ـ حسب الفرض ـ وصار الحکم الفعلی فی حقّه فی ذلک الحال الصلاة مع الطهارة الترابیة ، وبعد زوال العذر یحتمل استیفاء ما أتیٰ به لتمام المصلحة ، ویحتمل عود التکلیف الساقط ، فالقاعدة تقتضی البراءة . ولا فرق فی جریان البراءة بین الشکّ فی أصل التکلیف وبین عود ما سقط .
وأمّا إن قلنا ببقاء التکلیف عند الاضطرار ، وغایة ما تقتضیه أدلّة الاضطرار هی معذوریة المکلّف عند ذلک ، فبعد ارتفاع الاضطرار فالقاعدة تقتضی الاشتغال .
تذییل
ثمّ إنّه قد یقرّر للاشتغال بأنّ المقام من باب دوران الأمر بین التعیین والتخییر . والحقّ ـ کما قرّر فی محلّه ـ أنّه لا مجال عند ذلک للتخییر ، بل التعیین ؛ وذلک لأنّ من اضطرّ فی بعض الوقت حیث یحتمل فی فعلیة الحکم الاضطراری فی حقّه استیعاب الاضطرار فیدور أمره بین لزوم الانتظار تعییناً إلی أن یرفع الاضطرار حتّیٰ یأتی المأمور به بجمیع أجزائه وشرائطه خالیاً عن الموانع ، وبین جواز البدار والإتیان بما له من الاضطرار ؛ لاحتمال عدم لزوم استیعاب الاضطرار .
فلو أتیٰ بالاضطراری ثمّ تبدّلت حالته إلی الاختیار یجب علیه الإتیان بالاختیاری أیضاً ؛ لأنّه لا یعلم خروج عهدته عن التکلیف القطعی بفعل الاضطراری ، فتدبّر .
ولکن التحقیق أن یقال : إنّ المقام إنّما یکون من باب دوران الأمر بین التعیین والتخییر لو قلنا بتنجیز العلم الإجمالی فی التدریجیات ؛ فعلیه ففی أوّل الوقت یکون
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 318
مکلّفاً بتکلیف فعلی ، ولکن یشکّ فی کونه مخیّراً بین التکلیف الاضطراری أو الاختیاری ، وبین وجوب الانتظار وتعیّن التکلیف الاختیاری .
فلو قلنا : إنّ المرجع فی الدوران بین التعیین والتخییر ، الاشتغال ـ کما هو الحقّ ، کما قرّر فی محلّه ـ فلا محیص عن الاشتغال ، حیث لا إطلاق لشیء من الدلیلین حتّیٰ یرفع الشکّ به ، کما هو المفروض .
وأمّا لو لم نقل بتنجیز العلم الإجمالی فی التدریجیات فلا محیص عن البراءة ؛ لأنّه فی وقت الاضطرار لا تکلیف جزمی علیه أصلاً ؛ أمّا التکلیف الاختیاری فواضح للاضطرار ، وأمّا الاضطراری فلاحتمال لزوم الاستیعاب فیه ، فلا یقطع بالاندراج تحته . فمع ذلک لو أتیٰ به اعتماداً علیٰ عدم لزومه ، ثمّ تبدّل حاله بالاختیار ، فیشکّ فی حدوث الأمر الاختیاری فی حقّه . نعم لو لم یأت به إلی زوال الاضطرار یجب علیه الاختیاری .
وبالجملة : أنّ المقام إنّما یکون من باب الدوران بین التعیین والتخییر إذا قلنا بتنجّز العلم الإجمالی فی التدریجیات ، وعلیه لابدّ من الاشتغال ، بناءً علیٰ ما هو الحقّ من الأخذ بالتعیین عند الدوران . وأمّا لو قلنا بعدم تنجّز العلم الإجمالی فیها فالبراءة ، فتدبّر جیّداً .
فحاصل المقال : أنّ الحقّ فی صورة الشکّ فیما إذا کان الأمر واحداً حقیقةً أو حکماً هو الاشتغال ، وفیما إذا کان الأمر متعدّداً هو الاشتغال أیضاً علیٰ بعض الوجوه ، والبراءة علیٰ بعضها الآخر .
هذا حال الإعادة فی الوقت مع الإهمال وعدم الإطلاق .
وأمّا القضاء خارج الوقت بعد إتیانه بالاضطراری فالأصل الجاری فی المقام هو البراءة ، إلاّ إذا دلّ دلیل علیٰ لزوم الإتیان ؛ لأنّ موضوع وجوب القضاء ـ کما أشرنا ـ هو عنوان الفوت ، ولا یکاد یصدق بعد إتیان الاضطراری .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 319
وتوهّم إثبات الفوت باستصحاب عدم إتیان الفریضة فی الوقت المقرّر لها مبنی علیٰ حجّیة الاُصول المثبتة ؛ لأنّ عنوان الفوت غیر عنوان عدم الإتیان مفهوماً ، وإن کانا متلازمین فی الخارج . وإثبات عنوان الفوت باستصحاب عدم الإتیان کإثبات أحد المتلازمین باستصحاب الآخر ، فتأمّل جیّداً .
إذا أحطت خُبراً بما ذکرنا تعرف النظر فیما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی قدس سره ، حیث اختار البراءة عند الإهمال وعدم الإطلاق من دون تفصیل ، کما أشرنا .
ذکر وتعقیب
أورد المحقّق العراقی قدس سره علیٰ ما ذهب إلیه اُستاذه المحقّق الخراسانی قدس سره ـ من القول فی البراءة علیٰ سبیل الإطلاق من دون تفصیل عند إهمال الأدلّة وعدم الإطلاق لها ـ بما حاصله :
أنّ البراءة إنّما تتمّ إذا قلنا بأنّ متعلّق التکلیف فـی الصلاة ـ مثلاً ـ هـو الجامع بین صلاتی المختار والمضطرّ ، کالجامـع بین صلاتـی المسافـر والحاضـر ، وإنّما عیّن الشارع لکلّ واحـد من المکلّفین فرداً خاصّاً به مـن أفراد الجامع فـی مقام الامتثال ، فلا محالـة یکون المأتی به فـی حال الاضطرار هـو نفس المأمـور به فـی حال الاختیار ، غایته بفـرد آخر . فعلیه یکون الشکّ بعد رفـع الاضطرار فـی حدوث تکلیف جدید ؛ فالمرجـع البراءة ، ولا مجال للاستصحاب ، کما لا مجال للتمسّک بالإطلاق ، کما هو واضـح .
وأمّا لو قلنا بأنّ متعلّق التکلیف هو الصحیح الجامع لجمیع الأجزاء والشرائط الذی هو وظیفة المختار ، وإنّما المانع من تنجّز التکلیف به فی حقّ غیره هو الاضطرار ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 320
وعلیه لا محالة یکون العمل الاضطراری بدلاً عنه ، فیلزم ملاحظة وفاء البدل لمصلحة المبدل فی مقام إجزائه عنه . وعلیه بعد الامتثال ورفع الاضطرار یکون المرجع عند الشکّ الاستصحاب التعلیقی فی بعض الصور ، أو الاشتغال ؛ إمّا للشکّ فی القدرة أو لدوران الأمر بین التعیین والتخییر ، انتهی محرّراً .
وفیه : أنّه قدس سره لیته عکس الأمر ، وقال بالاشتغال علی الأوّل والبراءة علی الثانی ؛ وذلک لأنّه لو کان الأمر واحداً وأتی بما یحتمل کونه مصداقاً بعد عدم القطع بکفایة العذر غیر المستوعب ، ثمّ تبدّل حالته بالاختیار ، یکون الشکّ فی امتثال ذلک الأمر الواحد الباقی علیٰ حاله ، ومعه لا محیص عن الاشتغال ؛ لعدم القطع بالامتثال مع احتمال لزوم استیعاب العذر ؛ حیث لا إطلاق ولا عبرة بما یدلّ علیٰ عدم لزومه ، وکفایة الاضطرار فی الجملة .
وأمّا لو کان وزان الاضطراری بالنسبة إلی الاختیاری وزان البدل بالنسبة إلی المبدل منه فلا ملزم لإحراز کونه تمام المبدل المعلوم عدم ذلک الأمر المتعلّق بالجامع حال الاضطرار . وحینئذٍ لو أتیٰ به حال الاضطرار ثمّ تبدّل حالته بالاختیاری وإن احتمل لزوم الاستیعاب فیه ولکنّه لا یقطع بحدوث الاختیاری أیضاً .
فانقدح بما ذکرنا : أنّ ما أورده المحقّق العراقی قدس سره علی المحقّق الخراسانی قدس سرهغیر وارد ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 321