المقصد الأوّل فی الأوامر

المورد الأوّل‏: فی حکم الإعادة فی الوقت لو ارتفع الاضطرار فیه

المورد الأوّل : فی حکم الإعادة فی الوقت لو ارتفع الاضطرار فیه

‏ ‏

‏موضوع البحث فی هذا المورد هو فیما إذا اضطرّ المکلّف فی أوّل الوقت أو فی‏‎ ‎‏أثنائه وکان المکلّف مأموراً بالأمر الاضطراری ثمّ أتیٰ بالمأمور به بالأمر الاضطراری‏‎ ‎‏مع جمیع شرائطه وخصوصیاته الدخیلة فیه عقلاً وشرعاً ، ثمّ ارتفع الاضطرار‏‎ ‎‏وحصل له حالة الاختیار فی الوقت .‏

‏فإذا لم یکن مضطرّاً فـی بعض الوقت ـ بأن کان مضطـرّاً فی تمام الوقت ـ‏‎ ‎‏فخارج عـن موضـوع هـذا المورد وداخل فی موضوع البحث فـی المـورد الثانـی .‏‎ ‎‏کما أنّه لـو لم یکن مأمـوراً فی تلک المدّة ـ بأن کان الاضطـرار فـی تمام المدّة موضوعاً‏‎ ‎‏للإتیان ـ خارج عن موضوع البحث ؛ لأنّ البحث فی الإتیان بالمأمور به بالأمر‏‎ ‎‏الاضطراری ، وهو فرع وجود الأمر .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 306
‏وبالجملة : موضوع البحث ومحلّه فی الإعادة فی الوقت إنّما هو إذا اضطرّ فی‏‎ ‎‏بعض الوقت وأتیٰ بما اضطرّ إلیه ، وکان فی بعض الوقت موضوعاً للإتیان بالفرد‏‎ ‎‏المأمور به .‏

إذا عرفت هذین الأمرین فنقول :

‏نزاع إجزاء الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری عن المأمور به بالأمر‏‎ ‎‏الواقعی لم یکن مخصوصاً بما إذا قلنا بتعدّد الأمر ـ کما ربّما یتوهّم ـ بل یجری وإن قلنا‏‎ ‎‏بوحدة الأمر أیضاً ، وإن کان القول بالإجزاء فی صورة وحدة الأمر واضحاً .‏

‏وذلک لأنّه إن قلنا ـ کما هو المختار ـ بأنّه لیس هناک إلاّ أمر واحد متعلّق‏‎ ‎‏بالطبیعة ـ کالأمر بالصلاة مثلاً ـ من دون أن یکون للحالات الطارئة للمکلّف ؛ من‏‎ ‎‏قدرته وعجزه أمر علیٰ حدة ، بل کلّ من الصلاة قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً ـ مثلاًـ من‏‎ ‎‏أفراد الطبیعة المأمور بها فیصحّ النزاع فی الاکتفاء بالفرد الاضطراری عن الفرد‏‎ ‎‏الاختیاری .‏

‏ولکن التحقیق یقتضی الإجزاء ، وذلک : إذا تعلّق الأمر بالصلاة ـ مثلاً ـ ثمّ بیّن‏‎ ‎‏أنّه یشترط فیها الطهارة المائیة ـ مثلاً ـ فی صورة وجدان الماء ، والطهارة الترابیة عند‏‎ ‎‏فقدان الماء .‏

‏ومقتضی إطلاق قوله تعالیٰ : ‏‏«‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً‏»‏‎[1]‎‏ شموله‏‎ ‎‏للمضطرّ فی برهة من الزمان ، وإن علم زوال عذره فی الوقت . فإذا صلّیٰ مع الطهارة‏‎ ‎‏الترابیة یسقط الأمر بالصلاة ، کما یسقط بإتیان الصلاة مع الطهارة المائیة .‏

‏فبالحقیقة : یکون المکلّف مخیّراً شرعاً ـ ولا أقلّ عقلاً ـ بین إتیان الفرد‏‎ ‎‏الاختیاری لو صبر إلیٰ زوال الاضطرار ، وبین إتیانه الفرد الاضطراری . فمرجع‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 307
‏البحث فی الحقیقة إلی أنّ الإتیان بفرد من المأمور به بالأمر الواقعی مجزٍ أم لا . وقد‏‎ ‎‏عرفت فی المقام الأوّل ـ بما لعلّه لا مزید علیه ـ حدیث الإجزاء علی القول بوحدة‏‎ ‎‏الأمر ، فتدبّر .‏

‏وأمّا إن قلنا هنا بتعدّد الأمر ؛ بأن تعلّق أحدهما بنفس طبیعة الصلاة مع‏‎ ‎‏الطهارة المائیة ـ مثلاً ـ وأمر آخر بالصلاة مع الطهارة الترابیة ، فللبحث عن إجزاء‏‎ ‎‏المأمور به بالأمر الاضطراری عن المأمور به بالأمر الواقعی مجال واسع .‏

فنقول :‏ إنّ المطلوبین کالأمرین إمّا مستقلاّن فی المطلوبیة أو لا یکون کذلک ،‏‎ ‎‏فإن لم یکن المطلوب الثانی مطلوباً آخر ، بل ذکر لضیق البیان فی حدود المطلوب‏‎ ‎‏الأوّل ، کما إذا فرضنا أنّ القیود الجائیة من قبل الآمر ، کقصد الأمر ـ مثلاًـ لا یمکن‏‎ ‎‏إیجابه علی المکلّف بأمر واحد ، ولکن یمکن ذلک بأمرین ، وظاهر أنّ الأمر الثانی إنّما‏‎ ‎‏جیء به لتحدید حدود المأمور به بالأمر الأوّل ، من دون أن یکون له استقلالیة‏‎ ‎‏ومطلوبیة ، بل الذی تعلّق به المصلحة هو المأمور به الأوّل ، والتوصّل إلی الأمر‏‎ ‎‏لامتناع أخذ القیود الکذائیة فی متعلّق أمره .‏

‏ومن هذا القبیل لو قلنا فی الأجزاء والشرائط والموانع بأنّه لا یمکن أن یأمر‏‎ ‎‏بطبیعة ثمّ ینتزع منه الجزئیة والشرطیة والمانعیة ، بل لابدّ فی جعل تلک الاُمور من‏‎ ‎‏التوصّل إلی أمر آخر . فالأمر الثانی المثبت للجزئیة أو الشرطیة أو المانعیة لبیان‏‎ ‎‏حدود المأمور به بالأمر الأوّل .‏

‏وبالجملة : أنّ الأمـر الثانی فی مثل تلک الاُمور جـیء به لضیق البیان ، فلم‏‎ ‎‏تکن لإفادة مطلوب مستقلّ ، بل لإفادة خصوصیات الأمر الأوّل وبیان ما له دخل‏‎ ‎‏فـی الغـرض ، فهذا فـی الحقیقة یرجـع إلی الأمـر الأوّل ؛ وهـو کون الأمـر‏‎ ‎‏والمأمور واحداً . فمقتضی القاعدة فی هذه الصورة الإجزاء ، کما عرفت أنّ مقتضی‏‎ ‎‏القاعدة فی صورة کون الأمر والمأمور واحداً الإجزاء .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 308
‏وأمّا إذا کان المطلوبان مستقلّین فی المطلوبیة ، ولکن قام الدلیل من الخارج علیٰ‏‎ ‎‏عدم وجوب الزائد علی الواحد ، کما هو الشأن بالنسبة إلی الصلاة ؛ حیث قام الإجماع‏‎ ‎‏علیٰ أنّ الواجب علی المکلّف فی الفرائض الیومیة ـ کفریضة الصبح مثلاً ـ لیس إلاّ‏‎ ‎‏صلاة واحدة ، فیستکشف من الدلیل الخارجی التخییر بین إتیان الصلاة ـ مثلاًـ‏‎ ‎‏بالطهارة المائیة ، وبین إتیانها بالطهارة الترابیة إذا تعذّر استعمال الماء .‏

‏فإذا صلّیٰ عند تعذّر الماء بالطهارة الترابیة فلا وجه لعدم الإجزاء ؛ بداهة أنّه‏‎ ‎‏إذا کانت للطبیعة أفراد فللمکلّف أن یأتی بأیّ فرد منها ، ومع الإتیان بأیّ فرد منها‏‎ ‎‏فلابدّ وأن یجتزی به .‏

وتوهّم‏ عدم الإجزاء بالفرق بین الأفراد العرضیة والطولیة ؛ فإذا کانت للطبیعة‏‎ ‎‏أفراد عرضیة یجتزی بأیّ فرد منها ، وأمّا إذا کانت لها أفراد طولیة ـ کما فیما نحن فیه ـ‏‎ ‎‏فلا یجتزی به بعد تبدّل حاله فی الوقت إلی حال الاختیار .‏

مدفوع‏ بأنّ الفرق غیر فارق ؛ وذلک لأنّه لو قلنا بأمرین ومطلوبین تعلّق‏‎ ‎‏أحدهما بالصلاة مع الطهارة المائیة عند وجدان الماء ، والآخر بالصلاة مع الطهارة‏‎ ‎‏الترابیة عند فقدان الماء ـ وثبت من الخارج کالإجماع أو غیره علیٰ عدم وجوب‏‎ ‎‏الزائد من صلاة واحدة ـ یکون مقتضاه تخییر المکلّف إتیان أیّهما شاء ، وتکون النتیجة‏‎ ‎‏الإجزاء ، هذا .‏

‏ولکن لو فرضنا کـون المطلوبین کالأمـرین مستقلّین فی المطلوبیة مـوجبین‏‎ ‎‏لتعـدّد المطلـوب ؛ بحیث یکون للصلاة مـع الطهارة المائیـة ـ مثلاً ـ مصلحـة غیر ما‏‎ ‎‏للصلاة مـع الطهارة الترابیـة ، فیکونا أشبه شیء بالصلاة والصـوم . فکما أنّهما‏‎ ‎‏طبیعتان وماهیتان غیـر مرتبط إحداهما بالاُخـریٰ ، والطلب المتعلّق بإحـداهما غیر‏‎ ‎‏الطلب المتعلّق بالاُخـریٰ ، وامتثال إحـداهما غیر مجـزٍ عن امتثال الاُخـریٰ ، فکذلک‏‎ ‎‏فیما نحـن فیه ؛ فیمکن أن یقال : إنّ الأمـر المتعلّق بإحداهما غیر الأمـر المتعلّق‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 309
‏بالاُخـریٰ ، وامتثال إحـداهما غیر مجـزٍ عـن الامتثال بالاُخریٰ .‏

‏وبالجملة : محلّ البحث فی الإجزاء وعدمه إنّما هو فیما لو قلنا بتعدّد الأمر ؛‏‎ ‎‏بحیث یکون متعلّق أحدهما غیر الآخر ، نظیر کفّارة الظهار فإنّها تجب علی المُظاهِر‏‎ ‎‏أوّلاً تحریر الرقبة ، فإن لم یقدر فصیام شهرین متتابعین ، وإن لم یقدر فإطعام ستّین‏‎ ‎‏مسکیناً . فکلّ منها موضوع مستقلّ ، لکن الأخیرین عند قصور الأوّل .‏

‏فحینئذٍ للبحث عن إجزاء المأمور به بالأمر الاضطراری فی الوقت ـ کالصلاة‏‎ ‎‏مع الطهارة الترابیة ـ بعد زوال العذر فیه عن المأمور به بالأمر الاختیاری ـ أعنی‏‎ ‎‏الصلاة مع الطهارة المائیة ـ مجال واسع .‏

ذکر المحقّق الخراسانی ‏قدس سره‏‏ مطالب بالنسبة إلیٰ مقام الثبوت بما حاصله : أنّ‏‎ ‎‏التکلیف الاضطراری فی حال الاضطرار إمّا یکون وافیاً بتمام مصلحة التکلیف‏‎ ‎‏الاختیاری أو لا ، وعلی الثانی إمّا یبقیٰ منه شیء لا یمکن استیفاؤه أو یمکن له ذلک ،‏‎ ‎‏وما أمکن إمّا بمقدار یجب تدارکه أو یستحبّ .‏

‏فإن کان وافیاً بتمام المصلحة فیجزی فلا یبقیٰ مجال أصلاً للتدارک ، وکذا لو‏‎ ‎‏لم یکن وافیاً ولکن لا یمکن تدارکه ، ولا یکاد یسوغ له البدار إلاّ لمصلحة کانت فیه .‏

‏وإن لم یکن وافیاً بالمصلحـة ولکن أمکن تدارک الباقـی فی الوقت أو مطلقاً‏‎ ‎‏ـ ولـو بالقضاء خارج الوقت ـ فإن کان الباقی ممّا یجب تدارکه فلا یجـزی ولابـدّ من‏‎ ‎‏الإعادة أو القضاء ، وإلاّ فیجـزی ولا مانـع من البدار فی الصـورتین . . . إلی أن قال فی‏‎ ‎‏مقام الإثبات : إنّ مقتضیٰ إطلاق دلیل الاضطراری کقوله تعالیٰ : ‏‏«‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً‎ ‎فَتَیَمَّمُوا صَعیداً طَیِّباً‏»‏‎[2]‎‏ وقوله ‏‏علیه السلام‏‏ :‏ «التراب أحد الطهورین»‎[3]‎‏ ،‏ «ویکفیک عشر‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 310
سنین»‎[4]‎‏ هـو الإجزاء وعـدم وجوب الإعادة أو القضاء ، فلابدّ مـن اتّباع الإطلاق‏‎ ‎‏لـو کان ، وإلاّ فالأصل یقتضی البراءة مـن إیجاب الإعادة ؛ لکـونه شکّاً فـی أصل‏‎ ‎‏التکلیف‏‎[5]‎‏ ،انتهی ملخّصاً.‏

‏وأطال المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ فیما أفاده المحقّق الخراسانی‏‎[6]‎‏ فلاحظ .‏

وواضح :‏ أنّ ما أفاده المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ فی مقام الثبوت خارج عن محیط‏‎ ‎‏فهمنا وتبعید للمسافة . مع أنّه خارج عن محلّ البحث ؛ لأنّ البحث ممحّض فی وجود‏‎ ‎‏الإطلاق ، والعلم باستیفاء المصلحة وعدمه لو کان فإنّما هو من غیر ناحیة إطلاق‏‎ ‎‏الدلیل . هذا فیما أفاده ‏‏قدس سره‏‏ فی مقام الثبوت .‏

‏وأمّا فیما أفاده فی مقام الإثبات : فلا یخلو عن نظر أیضاً ، یظهر لک ذلک فیما نذکر‏‎ ‎‏فی شقوق المسألة وصورها . وقبل الشروع فیها نذکر مقدّمة فی بیان معنی الإطلاق فی‏‎ ‎‏ناحیة المُبدل منه وفی ناحیة البدل ، فنقول :‏

‏مقتضی إطلاق المبدل منه هو لزوم الإتیان بمتعلّقه فی الوقت المضروب له‏‎ ‎‏المحدود بین الحدّین ، فإن ارتفع العذر فی بعض الوقت یجب أن یؤتیٰ به فی ذلک الوقت ،‏‎ ‎‏ولا یضیق الواجب بتضییق الوقت ؛ لأنّ الواجب هو نفس الطبیعة والمضیّق ـ حسب‏‎ ‎‏الفرض ـ هو إتیان فرد من الواجب . فالقول بصیرورة الواجب مضیّقاً عند تضییق‏‎ ‎‏وقته لا یخلو عـن تسامـح .‏

‏وبالجملـة : مقتضیٰ إطلاق دلیل الصلاة مـع الطهارة المائیة بین الحدّین هـو‏‎ ‎‏لـزوم إتیانها فـی أیّ جـزءٍ من أجزاء الزمان المضـروب له ، فإذا زال العـذر فی أثناء‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 311
‏الوقت یجب إتیان الصلاة مع الطهارة المائیة .‏

‏وأمّا مقتضیٰ إطلاق دلیل البدل هو أنّه فی صورة تعذّر المبدل منه یجوز الإتیان‏‎ ‎‏بالبدل بمجرّد التعذّر ، فلا یجب الصبر إلی آخر الوقت . مثلاً إن کان لقوله تعالیٰ : ‏‏«‏فَلَمْ‎ ‎تَجِدُوا مَاءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً‏»‏‎[7]‎‏ إطلاق ، فمعناه أنّه بمجرّد فقدان الماء یجوز له‏‎ ‎‏إتیان الصلاة متیمّماً .‏

إذا عرفت ذلک فنقول :‏ فتارة یکون لکلّ من دلیل المبدل والبدل إطلاق ،‏‎ ‎‏واُخریٰ لا یکون لشیء منهما إطلاق ، وثالثة یکون لدلیل البدل إطلاق دون دلیل‏‎ ‎‏المبدل ، ورابعة بالعکس یکون لدلیل المبدل إطلاق دون البدل .‏

‏ففی الصورة الاُولیٰ : لا وجه لإجزاء إتیان المأمور به بالأمر الاضطراری عن‏‎ ‎‏المأمور به بالأمر الواقعی ؛ وذلک لأنّ مقتضیٰ إطلاق دلیل البدل لیس إلاّ جواز البدار‏‎ ‎‏فی إتیانه وسقوط أمره لدی امتثاله لا سقوط دلیل المبدل ، مع أنّ مقتضیٰ إطلاق دلیل‏‎ ‎‏المبدل وجوب إتیان متعلّقه مهما أمکن ، فبعد زوال العذر لابدّ من امتثاله .‏

‏وبعبارة اُخریٰ : مقتضیٰ إطلاق دلیل المبدل کونه مطلوباً علیٰ سبیل الإطلاق‏‎ ‎‏ـ امتثل أمر البدل أم لا ـ وإطلاق دلیل البدل لا یضادّ إطلاق دلیل المبدل ، ولا یدلّ‏‎ ‎‏علیٰ سقوط الإعادة ؛ لما أشرنا أنّ غایة إطلاقه هو جواز الإتیان به عند الاضطرار ،‏‎ ‎‏ولا دلالة علیٰ إجزائه عن المأمور به بأمر آخر .‏

‏نعم ، لو ثبت أحد هذه الاُمور فیمکن القول بالإجزاء ؛ فإمّا نقول بدلالة دلیل‏‎ ‎‏البدل علی استیفاء متعلّقه تمام مصلحة الأمر المتعلّق بالمبدل ، أو دلالته علی استیفاء‏‎ ‎‏مقدار من مصلحة المبدل ویبقی مقداراً لا یجب تدارکه ، أو لا یمکن تدارکه ، أو یکون‏‎ ‎‏دلیل البدل دالاًّ علیٰ سقوط دلیل المبدل .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 312
‏فلو ثبت أحد هذه الاُمور یمکن القول بإجزاء المأمور به بالأمر الاضطراری‏‎ ‎‏عن المأمور به بالأمر الواقعی . ولکن الـذی یقتضیه دقیق النظـر عـدم استفادة شـیء‏‎ ‎‏مـن ذلک من إطـلاق دلیل البدل :‏

‏أمّا عدم دلالة البدل علی استیفائه تمام مصلحة المبدل فظاهر أنّ تشریع البدل‏‎ ‎‏إنّما هو فی صورة التعذّر عن درک مصلحة المبدل ، وإلاّ فلو کان واجداً لتمام مصلحة‏‎ ‎‏المبدل فلابدّ وأن یجب فی عرض وجوب مبدله .‏

‏وإن کان فی خواطرک ریب فیما ذکرنا فأعرضه علی العرف والعقلاء تراهم‏‎ ‎‏أصدق شاهد علیٰ ما ذکرنا . مثلاً لو قال المولیٰ لعبده : «أضف العالم ، فإن لم تقدر علی‏‎ ‎‏الضیافة فسلِّم علیه» فلا یفهم العقلاء من ذلک أنّ مصلحة السلام وافیة بتمام مصلحة‏‎ ‎‏الضیافـة ، بل یفهمون أنّه فی صورة تعذّر الوصول إلی المصلحة العالیة ینبغی أن‏‎ ‎‏لاتترک المصلحة الدانیة .‏

‏وبالجملة : لو اُخذ عنوان الاضطراری فی موضوع فمعناه هو أنّه فی صورة‏‎ ‎‏ذهاب المصلحة المهمّة لا یجوز للشخص أن یکون فی حالة یذهب عنه تمام المصلحة ،‏‎ ‎‏بل یأتی بمقدار منها ؛ ولذا یقال له : «بدل الاضطراری» . فالمطلوب الواقعی والحقیقی‏‎ ‎‏هو الأوّل ؛ ولذا لا یرضیٰ الشرع والعرف أن یخرج الشخص نفسه عن موضوعه‏‎ ‎‏عمداً ، بل یلومونه ویوبّخونه جدّاً ؛ ولذا لو أمکن المکلّف فی حال الاضطرار إتیان‏‎ ‎‏المأمور به بالأمر الواقعی فیجب علیه .‏

‏وإیّاک أن تختلط عنـوان الاضطـرار بعنوان المسافر ؛ لوضـوح الفرق بینهما فإنّ‏‎ ‎‏عنوانـی المسافر والحاضـر عنوانان عرضیان ، وللمکلّف من أوّل الوقت المضروب‏‎ ‎‏للصلاة إلی آخـره أن یجعل نفسه مصداقاً لکلّ من عنوانی الحاضـر والمسافر ؛ فمن‏‎ ‎‏کان حاضـراً یتمّ صلاته ، ومـن کان مسافراً یقصّر ، وقـد ورد البراءة ممّن تمّ صلاته‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 313
‏فی السفر‏‎[8]‎‏ .بخلاف عنوانی الاختیار والاضطرار فإنّهما عنوانان طولیان تکون‏‎ ‎‏مصلحة العنوان الاضطراری دون مصلحة العنوان الاختیاری ، والعرف والعقلاء‏‎ ‎‏أصدق شاهد علیٰ ذلک ، وهم ببابک فاختبرهم .‏

‏فظهر : أنّه لا یستفاد من دلیل البدل وفاؤه بتمام مصلحة المبدل .‏

‏وأمّا دلالتـه علیٰ وفائـه مقداراً من مصلحة المبـدل بحیث لا یجب تدارک ما‏‎ ‎‏بقـی منه ، أو لا یمکن تدارکه ، أو دلالتـه علیٰ سقوط الأمـر بالمبدل ، فلا یستفاد شیء‏‎ ‎‏من ذلک ؛ لما أشـرنا أنّ مقتضیٰ دلیل الاضطراری ـ کـدلیل التیمّم عند فقـدان الماء‏‎ ‎‏مثلاً ـ هـو جـواز الصلاة مـع الطهارة الترابیة ، مـن دون أن یکون دالاًّ علـی‏‎ ‎‏استیفائه مقداراً مـن مصلحـة المبدل بحیث یبقـیٰ مقدار لا یجب استیفاؤه ، أو لا یمکن‏‎ ‎‏استیفاؤه ، أو دالاًّ علیٰ سقـوط الأمر بالمبدل ، کلّ ذلک خارج عن مقتضی إطـلاق‏‎ ‎‏دلیل البدل .‏

‏نعم ، لا یبعد أن یستفاد من إطلاق دلیل البدل ودلیل الاضطرار أنّ متعلّقه وافیاً‏‎ ‎‏بمصلحة مهمّة ، وإلاّ لما وجب . ولکن یرفعه إطلاق دلیل المبدل ، وأنّه یجب استیفاؤه‏‎ ‎‏عند التمکّن منه فی الوقت .‏

‏هذا فیما إذا کان لکلّ من دلیل البدل أو المبدل إطلاق .‏

‏وأمّا إذا کان لدلیل المبدل إطلاق دون البدل ، فعدم الإجزاء واضح لا یحتاج‏‎ ‎‏إلیٰ تجشّم البیان .‏

‏وأمّا إذا کان لدلیل البدل إطلاق دون المبدل ، فهو مثل ما لو لم یکن لشیء منهما‏‎ ‎‏إطلاق یظهر حالهما ممّا نذکره فی الخاتمة فی حکم الشکّ ، فارتقب حتّیٰ حین .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 314

  • )) المائدة (5) : 6 ، النساء (4) : 43 .
  • )) النساء (4) : 43 ، المائدة (5) : 6 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 2 : 991 ، کتاب الطهارة ، أبواب التیمّم ، الباب 21 ، الحدیث 1 .
  • )) وسائل الشیعة 2 : 983 ، کتاب الطهارة ، أبواب التیمّم ، الباب 14 ، الحدیث 12 .
  • )) کفایة الاُصول : 109 ـ 110 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 267 ـ 268 .
  • )) النساء (4) : 43 ، المائدة (5) : 6 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 5 : 539 ، کتاب الصلاة ، أبواب صلاة المسافر ، الباب22 ، الحدیث3و8 .